تتابع دول شمال إفريقيا بترقب نتائج الانتخابات البرلمانية الإسبانية، التي فاز فيها الحزب الشعبي من اليمين الوسط بقيادة على ألبرتو نونيز فيخو بـ 136 مقعداً على حساب الاشتراكيين الذين حصلوا على 122 مقعداً.
وينتظر الحزب الحاكم المقبل في رابع أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي ملفات ثقيلة الوزن وحسّاسة، على رأسها إمكانية إحداث الحكومة الجديدة التوازن في علاقاتها مع البلدان المغاربية، خاصة المغرب والجزائر.
ومن المتوقع أن يُحقق الحزب الشعبي أغلبية بعد تحالفه مع حزب فوكس اليميني ليصبح مجموع مقاعد اليمين 169 مقعداً، أما حزب العمال الاشتراكي الحاكم، فمن المتوقع أن يتحالف مع حزب "سومار" اليساري المتطرف على 153 مقعداً ويأتي في المرتبة الثانية.
"عربي بوست" سيرصد من خلال هذا التقرير كيف سيؤثر فوز اليمين في الانتخابات البرلمانية الإسبانية على العلاقات مع المغرب والجزائر، وأيضاً على المهاجرين في البلاد؟
الرباط تترقب نتيجة الانتخابات الإسبانية
وحضر المغرب في الحملة الانتخابية للأحزاب التي تشارك في الانتخابات البرلمانية الإسبانية، وذلك لتشابك المصالح الاقتصادية والسياسية الاستراتيجية بين البلدين وإلى القرب الجغرافي أيضاً.
وبمجرد أن أعلن رئيس الوزراء الإسباني الحالي بيدو سانشيز عن إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، حتى طرح سؤال: هل ستحافظ الأغلبية القادمة عن موقف الحكومة الحالية بخصوص قضية الصحراء؟
هذا السؤال رد عليه ألبرتو نونييس، رئيس الحزب الشعبي، وهو الأقرب للفوز في هذه الاستحقاقات بالقول إن "العلاقات مع المغرب ستكون من أولوياتنا المستقبلية، إذ سنعمل على استمرار العلاقات المحترمة والمفتوحة مع الرباط".
لكن هذا التصريح سبقه اعتراض من زعيم الحزب الشعبي عن موقف الحكومة الحالية، كما أنه سطر في برنامجه الانتخابي بـ"الدفع نحو علاقة متوازنة مع دول المغرب العربي"، في إشارة منه للمغرب والجزائر.
وعادةً يمكن تصنيف كل من الحزب الشعبي الإسباني، الذي حقق أكبر عدد من المقاعد، وحزب العمال الاشتراكي الذي احتل المركز الثاني أكثر الفاعلين السياسيين الإسبان في ما يخص العلاقات الثنائية بين مدريد والرباط.
هذه التصريحات التي أعلنها ألبرتو خلال الحملة الانتخابية لحزبه، هيأ بها الناخب الإسباني بأن حزبه سيدعم قرار الحكومة الحالية بخصوص تأييد مقترح الحكم الذاتي في الصحراء، كما أنه صرح بأن المغرب أول وجهة خارجية سيزورها بعد انتخابه رئيساً للحكومة.
نبيل الأندلوسي، رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية متخصص في العلاقات الدولية، قال في تصريح لـ"عربي بوست" إن ︎الموقف من مغربية الصحراء، والعلاقات ما بين مدريد والرباط، لن تتأثر بشكل كبير بصعود الحزب الشعبي.
وأضاف المتحدث أن القضايا ذات الأولوية بالنسبة لليمين الإسباني ستكون هي الأمن والهجرة والاقتصاد، بما فيه تجديد اتفاقية الصيد البحري مع المغرب، وبالتالي من المتوقع أن التقدم الحاصل في الموقف الإسباني بشأن الاعتراف بمغربية الصحراء من المرجح أنه لن يتغير.
واعتبر المتحدث أن معارضة الحزب الشعبي لموقف سانشيز، بشأن مغربية الصحراء، لن يرقى إلى مستوى تغيير هذا الموقف، بقدر حرص هذا الحزب على تعزيز العلاقات الثنائية ما بين البلدين، والتركيز في هذه العلاقة على العائد الاقتصادي.
لكن بالمقابل، يرى الأندلسي أن الحزب الشعبي سيحاول كسب نقاط وممارسة ضغط في ملف سبتة ومليلية، المدينتين المتاخمتين على الأراضي المغربية لفائدة إسبانيا، لكسب تعاطف الرأي العام الإسباني.
وأشار الخبير الدولي إلى أن العلاقات المغربية الإسبانية من حيث التوجهات الاستراتيجية هي ثابتة وتخضع لمنطق التراكم التاريخي في بلورة المواقف، ومن الصعب على أي حزب يتولى رئاسة الحكومة اتخاذ أي موقف يمكنه المسّ بالمصالح الاستراتيجية الإسبانية.
لذا فالاعتراف بمغربية الصحراء -حسب الأندلسي- قرار اتخذ من طرف الجانب الإسباني، في سياق هذا التراكم التاريخي الإيجابي، وفي سياق دولي أطّره الاعتراف الأمريكي، والتراجع عنه سيبقى مغامرة مهما كان قائد سفينة الحكومة الإسبانية.
طمأنة للمغرب في الكواليس
قالت صحيفة "لافانغوارديا" الإسبانية إن الحزب الشعبي الإسباني يجري وراء الكواليس اتصالات يطمئن بها المغرب بموقفه من قضية الصحراء المغربية، مشيرة إلى أن عودة الحزب الشعبي إلى السلطة لن تضر بمصالح المغرب.
وقال الحزب الشعبي الإسباني إنه يحافظ على اتصال مباشر مع دوائر السلطة في المغرب، بما فيها حزب الاستقلال المُشارك في الائتلاف الحكومي المغربي والذي تجمعه به علاقة صداقة قديمة.
وأكدت المصادر ذاتها أن الحزب الشعبي الإسباني أعطى ضمانات للمغرب بعدم التراجع عن أي شيء مما ورد في بنود خارطة الطريق التي وقّعها البلدان، بما فيها موقف الدولة من قضية الصحراء.
أما في حال فوز حزب العمال الاشتراكي مرة أخرى فمن المؤكد أنه لن يحيد عن القرار الذي اتخذه في الولاية السابقة، بخصوص دعم المغرب في قضية الصحراء، حتى وإن لم يتولَّ بيدرو سانشيز رئاسة الحكومة.
وفي 14 مارس/آذار 2022 أعلنت الحكومة الاسبانية بقيادة بيدرو سانشيز، في رسالة بعثتها لملك المغرب محمد السادس، أول موقع تاريخي حول قضية الصحراء، التي يعتبرها المغرب قضيته الأولى.
وكان رئيس الوزراء الإسباني قد قال في الرسالة إن إسبانيا تدعم الحكم الذاتي للمغرب على إقليم الصحراء، وهو المقترح الذي يُقدم المغرب داخل قاعات الأمم المتحدة لإنهاء النزاع الذي دخل عقده الخامس مع جبهة البوليساريو الانفصالية.
الموقف الإسباني أعاد ود العلاقات بين الرباط ومدريد، بعد أزمة دبلوماسية عمرت طويلاً والتي خلفها استقبال زعيم جبهة "البوليساريو" الانفصالية للتداوي بأحد المستشفيات الإسبانية بجواز سفر مزور.
وفتحت رسالة سانشيز الباب أمام زيارات متبادلة لمسؤولي البلدين ومباحثات مشتركة، أهمها زيارة رئيس الوزراء الإسباني والوفد المرافق له للمغرب ولقاؤه بالملك محمد السادس بالقصر الملكي بالرباط في السابع من أبريل/نيسان 2022.
هل تنتهي القطيعة بين إسبانيا والجزائر؟
أثار الدعم الإسباني لموقف المغرب حول قضية الصحراء غضب الجزائر، الجارة الشرقية للمغرب، والداعمة الأولى لجبهة البوليساريو، والتي تحتويها في مخيم للاجئين في مدينة تندوف جنوب غرب الجزائر.
وينتظر حكام قصر المرادية بدورهم نتيجة الانتخابات الإسبانية، وتأكيد فوز الحزب الشعبي، ومراجعة القرارات التي اتخذها رئيس الوزراء بيدرو سانشيز في ولاية حكومته.
وكانت الجزائر قد علقت معاهدة الصداقة مع إسبانيا، ووقفت جميع المعاملات التجارية بين البلدين، واعتبرت أن الرسالة التي وجهها بيدرو سانشيز للملك المغربي طعنة في الظهر، خصوصاً أن إسبانيا لديها لدور تاريخي باعتبار الصحراء مستعمرتها السابقة.
مقابل ذلك، يرى مراقبون جزائريون الأمر من منظور مختلف، فالمحلل السياسي مصطفى غالم قال إن الانتخابات الإسبانية لم تكشف كل أسرارها بعد، رغم الفوز الطفيف لليمين على اليسار، متوقعاً أن تكون هناك جولة إعادة للانتخابات خلال الأسابيع القادمة.
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن اليمين كشف أوراقه خلال الحملة الانتخابية، حيث أكد زعيمه ألبرتو فيخو أن استعادة العلاقات مع الجزائر أولوية، فضلاً عن إعادة النظر في الموقف الذي اتخذه رئيس الحكومة بيدرو سانشيز في نزاع الصحراء.
وبالمقابل توقع المحلل السياسي أن تستمر القطيعة بين الجزائر وإسبانيا في حال استطاع سانشيز تشكيل حكومة بالتحالف مع الأحزاب الصغيرة.
من جهته، قال المحلل السياسي الدكتور إسماعيل خلق الله إن العلاقات بين الجزائر وإسبانيا لا يمكنها أن تعود إلى سابق عهدها في ظل استمرار حكومة بيدرو سانشيز، لذلك فإن فوز اليمين ولو بنسبة ضئيلة على حساب اليسار الذي يقوده رئيس الحكومة الحالي إيجابي ومبشر للعلاقات بين الجزائر العاصمة ومدريد.
وأضاف المتحدث أن نتائج الانتخابات الإسبانية المعلن عنها إيجابية بالنسبة للجزائر، خاصة وأن الرئيس عبد المجيد تبون تحدث في وقت سابق عن أن العلاقات بين البلدين سترسم بناءً على الانتخابات.
ورجح الدكتور إسماعيل الذي تحدث إلى "عربي بوست" أن يستطيع زعيم اليمين ألبرتو نونييس فيخو تشكيل حكومة بالتحالف مع حزب فوكس اليميني المتشدد، ليكون ذلك إيذاناً بعودة العلاقات الجزائرية الإسبانية إلى سابق عهدها.
نفس التوجه أكده نبيل الأندلوسي، رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية المتخصص في العلاقات الدولية، معتبراً أن فوز الحزب الشعبي وفي حالة استطاعته تشكيل الحكومة، سيكون له تأثير على انسيابية العلاقات المغربية الإسبانية، ويمكن أن يمسّ بالتطور الإيجابي الحاصل بشأنها.
وأشار المتحدث إلى أن التوجه الجديد الذي سيختاره الحزب الشعبي وتحالفه في علاقاته مع دول الجوار، لن يمس المواقف والاتفاقيات ذات البعد الاستراتيجي، باعتبارها قرار دولة وليس من السهل المساس بها، واتخاذ مواقف وقرارات مناقضة لها.