ضجة كبيرة حققها فيلم Sound of Freedom، بعد تحقيقه أكثر من 100 مليون دولار في شباك التذاكر، خلال 20 يوماً من عرضه وتكلفة إنتاج لم تتجاوز 15 مليون دولار، يروي الفيلم القصة الحقيقية لحياة الضابط الأمريكي السابق تيم بالارد، وجهوده لمحاربة الشبكات الإجرامية المتورطة في الاتجار في البشر.
وأصبح الفيلم، الذي تم إصداره في 4 يوليو/تموز 2023، ثاني أكثر الأفلام مشاهدة في أمريكا الشمالية في نهاية الأسبوع، بعد فيلم توم كروز Mission: Impossible – Dead Reckoning Part One، وحقق أرباحاً تجاوزت 100 مليون دولار دون أي ترويج كبير كالذي يحصل عادة لأفلام هوليوود. ولم يتم عرضه سوى محلياً داخل أمريكا فقط.
ليست الأرباح وحدها والنجاح في شباك التذاكر ما سبّبا الضجة، ولكن الفكرة وراء الفيلم ومجموعة من المعطيات المرتبطة بإصدار الفيلم، أثارت الكثير من الاتهامات المتبادلة بين الجهات السياسية وأعضاء في الكونجرس من الحزب الجمهوري وحتى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
قصة فيلم Sound of Freedom
فيلم Sound of Freedom، مبني على قصة حقيقية لا تصدق، وتفاصيل مروعة للعالم السري للاتجار بالبشر والأطفال على وجه الخصوص، ويتابع الفيلم شخصية تيم بالارد، وهو عميل فيدرالي يعمل على قضية اختطاف شقيقين، صبي وفتاة، ولكن بعد أن يتمكن من إنقاذ الصبي يعلم أن أخت الصبي لا تزال محتجزة.
وبسبب البيروقراطية ومشاكل الصلاحيات التي تحد من قدرته على التصرف، يقرر بالارد الشروع في مهمة خطيرة لإنقاذها، ويستقيل من وظيفته ليرحل في عمق الغابات الكولومبية، واضعاً حياته على المحك لتحريرها من مصير أسوأ من الموت.
وعلى الرغم من أن تيم بالارد الشخصية الحقيقية التي يتحدث عنها الفيلم، يعتبر شخصية محترمة، ويتم الاحتفاء به بسبب أعماله في مجال محاربة الاتجار في البشر، لكن وبعد عرض الفيلم وجد نفسه في قلب عاصفة من الانتقادات واتهامات بترويج نظريات المؤامرة التي يؤمن بها اليمين المتطرف في أمريكا.
سبب الضجة حول الفيلم وارتباطه بنظريات المؤامرة
فكرة الفيلم الرئيسية تتحدث عن عالم الاتجار بالبشر وشبكات الدعارة التي تستغل الأطفال جنسياً، وهو موضوع حساس في أمريكا ارتبط بنظريات مؤامرة واتهامات لهوليوود بأنها تروج للموضوع بشكل خفي.
بعيداً عن الفيلم وفي المجتمع الأمريكي، توجد نظرية مؤامرة يروج لها اليمين المتطرف في أمريكا، بأن هناك جماعات سرية من بين أعضائها شخصيات معروفة، متورطة بموضوع الاتجار بالأطفال واستغلالهم جنسياً.
وعلى رأس تلك الشبكة المتورطة في تسهيل الجنس مع الأطفال والقاصرين، الملياردير جيفري أبستين الذي ألقي القبض عليه مرتين عام 2008 و2019، وفي المرة الثانية انتحر في السجن قبل وصوله للمحاكمة.
كان أبستين يتمتع بنفوذ وسطوة كبيرين، وكان صديقاً لكل من الرئيس السابق بيل كلينتون والأمير أندرو، ابن ملكة بريطانيا السابقة الملكة إليزابيث، وشقيق ملك بريطانيا الحالي "الملك تشارلز".
في المرة الأولى التي أُلقي القبض فيها على أبستين، أبرم محاميه اتفاقاً مع المدعي العام نصّ على أن يقر أبستين بتهمة ممارسة الجنس مع قاصر فقط، ويُسجن لمدة 18 شهراً ويُدرج اسمه في سجل المتهمين بجرائم جنسية.
سمح الاتفاق لأبستين بتفادي مواجهة محكمة فيدرالية، وإغلاق ملف تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي في القضية. وكان من بين بنود الاتفاق بقاء ما تم الاتفاق عليه طي الكتمان ومنع الكشف عن أسماء أي أشخاص ضالعين في القضية ومنع محاكمتهم، كما لم يتم إبلاغ الضحايا بفحوى الاتفاق.
وخلال فترة السجن كان يسمح له بالبقاء 12 ساعة في اليوم خارج السجن. وقد أخلي سبيله بعد 13 شهراً لحسن سلوكه، ولدى خروجه من السجن أقام حفلاً كبيراً كان من بين المدعوين إليه الأمير أندرو.
بالعودة للفيلم كان العمل حصل على دعم مالي مستقل من أجل إنتاجه، واكتمل تصويره عام 2018، لكن شركة ديزني المالكة لحقوق الفيلم، أجّلت عرض الفيلم لأجل غير مسمى، حتى اشترت شركة Angel، وهي شركة إنتاج مستقلة صغيرة، حقوق عرض الفيلم.
بعد عرض الفيلم أبلغ العديد من رواد السينما الذين ذهبوا لمشاهدته، عما أسموه "اضطرابات غريبة" في العشرات من دور السينما، بما في ذلك إنذارات الحريق التي تنطلق أثناء العروض؛ ما أثار نقاشاً محتدماً واتهامات لوجود "جهات" تحاول منع مشاهدته.
على الجانب الآخر تعرض الفيلم لاتهامات بالترويج لنظرية المؤامرة، وتبني أفكار لا دليل عليها، مع أن الفيلم لم يتطرق أو يروج لأي من نظريات المؤامرة، وإنما صادف أن القضية التي يتناولها الفيلم تتبناها مجموعات من اليمين المتطرف وتبالغ في تفاصيلها، على حسب قول منتقديها.
حاز الفيلم على دعم كبير من شخصيات سياسية من الحزب الجمهوري، وعلى رأسهم الرئيس السابق دونالد ترامب، والذي نظم حدثاً يضم عرضاً للفيلم في ناديه الخاص في نيوجيرسي، أما السيناتور
تيم سكوت من ولاية كارولينا الجنوبية فوصف الفيلم بأنه "فيلم مذهل، مؤلم، مؤلم للعاطفة".
ووصفه السيناتور تيد كروز من ولاية تكساس على حسابه في تويتر، بأنه مذهل، وحثّ المؤيدين على مشاهدته.
تيم بالارد بطل القصة الحقيقية.. من العمل الحكومي للعمل المستقل
قصة الشخصية الحقيقية التي قدمها الفيلم للعميل تيم بالارد، لا تقل إثارة عن الفيلم نفسه، بعد أن تخرج بامتياز من جامعة بريغام يونغ بدرجة البكالوريوس في العلوم السياسية، ثم حصل على ماجستير الآداب في السياسة الدولية من معهد مونتيري للدراسات الدولية، وتخرج بامتياز.
عمل بعدها لعدة سنوات متخفياً صالح الحكومة الأمريكية لمكافحة شبكات الاتجار بالبشر. ولكن بعد العمل لأكثر من عقد من الزمن، ومعرفة عدد الأفراد الذين لم يتمكن من الوصول إليهم وإنقاذهم، أراد أن يحدث تغييراً.
قال بالارد: "اعتقدت أنه يجب أن تكون هناك طريقة لخدمة جميع الأطفال الذين يحتاجون المساعدة… خطرت لي فكرة ترك الحكومة وإنشاء منظمة خاصة"، وبالفعل ترك بالارد وظيفته الحكومية وأسس مكتبه الخاص في عام 2013 كوسيلة لتوفير استجابة سريعة للمواقف المقلقة.
وقد نسبت صحيفة "ذا دايلي هارولد" الفضل لمنظمته في إنقاذ المئات من ضحايا الاتجار بالبشر. قام بالارد بتدريب موظفين حكوميين على استخدام برمجيات التنقيب عن البيانات التي أدت إلى اعتقال رجل يشتبه في قيامه بتوزيع مواد إباحية للأطفال.
في 14 مايو/أيار 2015، أدلى بالارد بشهادته أمام اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية التابعة لمجلس الكونغرس الأمريكي والمعنية بحقوق الإنسان العالمية، والتي أوصى خلالها بإجراءات وممارسات لإنقاذ الأطفال من عصابات الاتجار بالبشر.
في عام 2019، ولمدة سنة، تم تعيينه في المجلس الاستشاري للشراكة بين القطاعين العام والخاص بالبيت الأبيض لإنهاء الاتجار بالبشر.
وحتى اليوم لا يزال بالارد يبذل جهوده لإنقاذ من يستطيع من الأطفال ضحايا شبكات الاتجار بالبشر، ويحاضر في المناسبات العامة والجامعة عن حقيقة الأمر وخطورته في العالم.
وتقدر الإحصائيات الرسمية أن 5.5 مليون طفل هم ضحايا صناعة الاتجار، والعديد منهم يتعرضون للاستغلال الجنسي. يُحتجز بعض الأطفال أو يعيشون في بيوت دعارة، بينما يُجبر آخرون على الوقوع في أيدي عصابات إجرامية دولية.