منذ إعلان مرض بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية، ودخوله المستشفى من أجل العلاج، بدأت مخاوف في الأوساط السياسية الإسرائيلية من إخفاء الوضعية الصحية لنتنياهو، هذا الأخير الذي يرفض تعيين نائب له.
ومع إعلان مرض بنيامين نتنياهو تم إلغاء زيارة تاريخية كانت محددة إلى كل من قبرص وتركيا، وقام بتعيين وزير القضاء ياريف ليفين للقيام بمهامه، وذلك بالتزامن مع تصاعد الاحتجاجات الإسرائيلية ضد الانقلاب القضائي.
"عربي بوست" من خلال هذا التقرير سيرصد السيناريوهات المتوقعة لفرضية أن يستيقظ الإسرائيليون ذات يوم على نبأ يفيد بعدم تمكن نتنياهو من ممارسة مهامه، أو وفاته رسمياً.
مرض نتنياهو الخفي
بدأ الحديث الإسرائيلي عن التبعات السياسية لمرض نتنياهو البالغ 74 عاماً، منتصف يوليو/تموز الحالي، عقب إعلان مكتبه أنه خضع لإجراء جراحي لزرع جهاز لتنظيم ضربات القلب.
وكان نتنياهو قد أغمي عليه في منزله بمدينة قيسارية، مما تطلب نقله للمستشفى إثر هذه الوعكة الصحية التي ألمّت به، وتحدث الأطباء حينها أنها بسبب الجفاف، وإمكانية تعرضه لضربة شمس، ليس أكثر.
وحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فقد تم زرع جهاز مراقبة في جسده لفحص نشاط معدل ضربات القلب، وهو قرار لم يبلغ عنه مكتبه، الذي رفض الادعاءات بعدم وجود شفافية في التقارير الطبية بشأن ما يعانيه.
رغم ذلك، فقد تزايدت المطالبات الإسرائيلية بالكشف الحقيقي عن مرض نتنياهو، بسبب نقله المفاجئ، وفي منتصف يوم السبت، العطلة الرسمية في إسرائيل، إلى مستشفى متقدم يبعد مسافة ساعة بالسيارة عن منزله.
ليست المرة الأولى التي يدخل فيها نتنياهو للمستشفى، ففي أكتوبر/تشرين الأول 2022، عندما كان يقود المعارضة، وصل إلى المستشفى بعد أن شعر بالمرض أثناء الصلاة في كنيس يهودي، وحينها أفاد مكتبه بأن الفحوصات طبيعية، ويشعر بحالة جيدة، وفي 2015 تم الإعلان عن إصابته بتضخّم البروستاتا.
لكن تزامن مرضه الحالي مع توترات إسرائيلية داخلية وخارجية أفسح المجال لمزيد من التكهنات والتخمينات، فقد أعلنت حكومته تأجيل جلستها الأسبوعية، كما تم تأجيل المشاورات الأمنية التي كان سيشارك بها.
كما أنه تم تأجيل اللقاء الذي كان سيجمعه برئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي هآرتسي هليفي، لبحث تبعات ظاهرة رفض الخدمة العسكرية في صفوف الجنود والضباط الرافضين للخطة القضائية.
ليس ذلك فحسب، بل إن مكتب نتنياهو أعلن تعيين وزير القضاء ياريف ليفين قائماً بأعماله خلال فترة مرضه، من خلال إجراء سكرتير الحكومة يوسي فوكس لمشاورات هاتفية عاجلة لاتخاذ قرار بشأن بديل نتنياهو، حيث أيده 21 وزيراً، ولم يجب 12 آخرون بزعم أنهم كانوا نائمين.
وفي الوقت ذاته تم الإعلان عن تأجيل نتنياهو لزيارته إلى تركيا وقبرص التي تم التحضير لها جيداً، واعتبرت زيارة تاريخية لأنها تأتي بعد أكثر من سبع سنوات على آخر زيارة له هناك.
وما زاد من تكهنات الإسرائيليين بشأن التبعات السياسية المتوقعة لوضع نتنياهو الصحي أن مركز "شيبا" الطبي الذي عولج فيه لم يكن مستعداً فقط لعلاج المريض الأهم في الدولة.
واختار المركز عدم الرد على استفسارات الصحفيين المتخصصين في الشؤون الصحية الذين بدأوا بالاتصال عليه، لمعرفة تفاصيل الحالة الصحية لرئيس الوزراء الإسرائيلي.
ويحظر القانون الإسرائيلي على الطبيب أن يقول كلمة تتجاوز ما سمح له المريض بقوله، ونتنياهو يعرف ذلك، حتى إن المحلل السياسي الإسرائيلي شمعون شيفر طالب الأطباء المعالجين بتقديم تقرير كامل، وليس التقرير الذي قدمه طبيبه الشخصي.
ليس ذلك فحسب، بل إن الإسرائيليين اعتبروا إخفاء حقيقة ما يعانيه نتنياهو من مرض خطير إنما يشكل استمراراً لما وصفوه بـ"ثقافة الأكاذيب" التي جلبها نتنياهو معه إلى الساحة السياسية الإسرائيلية.
ماذا يقول القانون الاسرائيلي؟
على الصعيد القانوني، فقد أثار مرض نتنياهو، وعجزه عن أداء مهامه، نقاشات إسرائيلية عديدة حول هوية المخوّل بالقيام بصلاحياته بدلاً منه، في حال عدم تمكنه من العمل كرئيس للوزراء.
ومن حيث المبدأ، يوجد في إسرائيل منصب "القائم بأعمال رئيس الوزراء"، على عكس "نائب رئيس الوزراء"، لأن هذا اللقب الأخير، ذو معنى قانوني، ومن يحمله يفترض أن يملأ مكان رئيس الوزراء في حالة المرض، أو الغياب عن الدولة، أو الموت.
أما نتنياهو في الوقت الحالي، لم يُعين نائباً له في السنوات الأخيرة، وبالتالي فإنه في حال منعه من أداء واجباته لأسباب طبية، فلا يوجد رد فوري في القانون، إلا من خلال ما قام به سكرتير الحكومة كإجراء إداري.
وبحسب النظام الأساسي للحكومة الإسرائيلية، ففي حالة عدم قدرة رئيس الوزراء على أداء منصبه مؤقتاً، ولم يكن أي من الوزراء يحمل لقب رئيس الوزراء بالإنابة، فيجب على الحكومة أن تجتمع، وتختار وزيراً بالوكالة من بينها.
ولرئيس الوزراء خيار إبلاغ الحكومة عن نائب مؤقت من اختياره، وهذا ما فعله في يناير/كانون الثاني 2023 عندما أجرى فحوصات طبية، وتم تعيين الوزير السابق أرييه درعي لملء هذا الشاغر مؤقتاً، لكن الأخير لم يعد وزيراً بسبب قضايا الفساد المتهم بها، ورفض المحكمة العليا المصادقة على تعيينه.
مع العلم أن القانون السائد في إسرائيل، يمنح مجلس الوزراء صلاحية اختيار رئيس مؤقت للوزراء لإدارة الحكومة في حال وفاة رئيس الوزراء أثناء توليه المنصب، حتى يتم تعيين حكومة جديدة.
وسبق أن شغل إيغال آلون منصب رئيس مؤقت للوزراء بعد وفاة ليفي أشكول سنة 1969؛ كما تكرر الأمر ذاته مع شمعون بيريس بعد قتل إسحاق رابين في 1995.
أما إذا أصبح رئيس الوزراء غير قادر على أداء مهامه، فحينها تُنقل السلطة للقائم بأعماله بشكل مؤقت وفقاً للقانون، لمدة تصل مئة يوم، كما حدث مع أرييل شارون عندما أصيب بسكتة دماغية عام 2006، ونقلت السلطة إلى إيهود أولمرت.
وإذا تبين أن رئيس الوزراء عاجز بشكل دائم، أو انتهت مدة المئة يوم، فيتولى رئيس الدولة عملية تشكيل ائتلاف حكومي جديد، وفي غضون ذلك، يُعيِّن مجلس الوزراء رئيس وزراء مؤقتاً، يُشرف على إدارة الحكومة، حتى تشكيل حكومة جديدة، أو يتعافى رئيس الوزراء الفعلي.
في حالة نتنياهو
أما في حالة مرض بنيامين نتنياهو فتطبيق القانون لن يكون سلساً في تنفيذها على الأرض، فنحن أمام أغلبية برلمانية يمينية متطرفة تتكون من 64 عضو كنيست، وقد لا يستطيع أحد باستثناء نتنياهو على إرضاء كل مكونات الائتلاف الحكومي الحالي.
وإذا علمنا أن رئيس الدولة الحالي يتسحاق هرتسوغ تتهمه أوساط اليمين بأنه يتبنى مواقف يسارية، فقد لا يكون معنياً بإعادة إنتاج نفس الائتلاف اليميني الذي يأخذ الدولة إلى خط اللارجعة.
مع العلم أن هرتسوغ ذاته، لديه توجهات لم يخفِها يوماً بضرورة تشكيل حكومة تتكون من اليمين ويمين الوسط بعيداً عن التيارات الدينية المتطرفة، التي يمثلها اليوم الصهيونية الدينية بزعامة بيتسلئيل سموتريتش، والعصبة اليهودية بقيادة إيتمار بن غفير.
ويطالب الرئيس الإسرائيلي بالخطة "ب" المتمثلة بإحضار المعارضة اليمينية متمثلة بأحزاب "يوجد مستقبل" بزعامة يائير لابيد، و"المعسكر الوطني" بقيادة بيني غانتس، الذين ليس لديهم مشكلة في التوافق مع الليكود على حكومة جديدة.
نتنياهو ليس فوق القانون
بعد سقوط شارون، الذي أصيب بجلطة دماغية لم يستيقظ منها، صاغ فريق في مكتب رئيس الوزراء إجراءً يتعلق بالعلاج الطبي لرؤساء الوزراء، وأحد بنود هذا الإجراء يدعو الطاقم الطبي لنشر تقرير سنوي يوضح بالتفصيل صلاحية رئيس الوزراء فيما يتعلق بظروفه الصحية، ولكن منذ أن تولى نتنياهو منصبه في 2009، وعلى عكس الإجراء، لم ينشر تقريراً منظماً عن حالته الصحية.
حتى إن جمعية "النجاح" الإسرائيلية الناشطة في الحقوق المدنية توجهت لمكتب رئيس الوزراء بشأن هذه المسألة قبل شهرين، وبدلاً من إرسال تقارير، أرسل المكتب بيانات للصحفيين آخرها عام 2020، توثق الإجراءات الطبية التي خضع لها نتنياهو، وكذلك فقرات حول حالته الصحية في ذلك العام.
لقد دفع رفض نتنياهو تعيين نائب دائم له إذا اضطر لمغادرة منصبه بسبب عدم أهليته الصحية، أوساطاً حزبية إسرائيلية لمطالبته بالتوقف عما سمته "ازدراء" الإجراءات، لأنه ليس فوق القانون، مما يستدعي منه تعيين بديل دائم، وتقديم تقرير شامل عن صحته، وأهليته لمنصبه.
بالمقابل فإن قرار بشأن هوية خليفة نتنياهو قد يزرع الفوضى في إدارة الدولة، وفق بعض القراءات الإسرائيلية في ضوء تطلعات شركائه في الائتلاف اليميني بالحصول على منصب نائب رئيس الوزراء.
ويطالب حلفاء نتنياهو بعدم اقتصار منصب نائب رئيس الوزراء على حزب الليكود الذي يقوده نتنياهو، لا سيما من أحزاب اليمين الديني المتطرف التي تعتبر نفسها شريكة أصيلة في الحكومة، ومن حقها أن يكون خليفة رئيس الحكومة.
مرض بنيامين نتنياهو.. ليس الأول في إسرائيل
لا يعتبر مرض نتنياهو الحالة الأولى في رؤساء الحكومات الإسرائيلية، لأن ليفي إشكول تم إخفاء إصابته بالنوبة القلبية، ولم يتم الكشف عن سرطان الجلد لـ"غولدا مائير".
ولم يكن الكثير من الإسرائيليين يعرفون عنه، حتى إن "إسحاق رابين"، وعشية حرب يونيو/حزيران 1967، حين كان رئيساً للأركان أصيب بانهيار عقلي أصبح معروفاً بعد سنوات عديدة فقط.
أما "مناحيم بيغن" فقد رافقه "اكتئاب هوسي حاد" بقي مخفياً عن الجمهور لسنوات عديدة حتى آخر سنوات حياته، لكن الحكومة لم تستطِع إخفاء انهيار شارون، وإصابته بالجلطة الدماغية.
مع العلم أنه بعدما أصيب شارون بسكتته الدماغية، التي لم يستيقظ منها، تولى إيهود أولمرت المسؤولية، وظهر من الواضح أن هناك حاجة لإجراء منظم للتعامل مع رؤساء الوزراء في حالات الطوارئ الحرجة، وإنشاء لجنة لصياغة مبادئ توجيهية لمرة واحدة في السنة، بحيث يقدم الأطباء المسؤولون عن رئيس الحكومة، بالتنسيق مع مكتبه، تقريراً للجمهور عن وضعه الصحي.
وللمرة الأولى في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2007، تم النشر أن أولمرت مصاب بسرطان البروستاتا، وفيما حرص يائير لابيد ونفتالي بينيت رئيسا الحكومة السابقان خلال عامي 2021-2022، على نشر التقرير الطبي السنوي عن حالتهما الصحية، لكن نتنياهو لم يفعل ذلك منذ سبع سنوات، باستثناء الكشف عن إصابته في 2015 بتضخّم البروستاتا.
وقد قال نتنياهو في حينه إنه لا يؤثر على استمراره في منصب رئيس الحكومة، ولا يعيقه عن عمله، لأن هذا المرض يعتبر طبيعياً للرجال الذين في سنّه، مع معاناته من ارتفاع قليل في ضغط الدم، مما أثار كثيراً من الشكوك الإسرائيلية في تصديق روايته عن وعكته الصحية الأخيرة.
ودفع المرض الخفي الذي يعانيه نتنياهو بالإسرائيليين لاستعادة أحداث حصلت مع رؤساء حكومات سابقين، أسفرت عنها تطورات سياسية كبيرة، أهمها اغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين عام 1995 بتحريض من نتنياهو بسبب توقيعه اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين.
حينها تم تعيين شمعون بيريس قائماً بأعمال رئيس الحكومة ليخوض الانتخابات أمام نتنياهو سنة 1996، الذي فاز عليه، ودخل مكتب رئيس للحكومة للمرة الأولى، مقابل تراجع متدرّج لشعبية حزب "العمل" الذي قاد الدولة بين 1948-1977.
وبعد عقد كامل من اغتيال رابين، دخل رئيس الحكومة أريئيل شارون في غيبوبة طويلة منذ 2006 عقب انسحابه من قطاع غزة، واستمرت سنوات عديدة حتى إعلان وفاته في 2014.
وخاض سلفه إيهود أولمرت الانتخابات أمام نتنياهو عام 2009، الذي دخل من جديد مكتب رئيس الحكومة للمرة الثانية، وتسبب بأفول نهائي لحزب "كاديما" الذي شكله شارون، وللأبد.
السيناريوهات المحتملة
اليوم، في 2023، وبعد تعيين ياريف ليفين وزير القضاء الذي يقود الانقلاب القضائي، قائماً بأعمال نتنياهو خلال إقامته في المستشفى، بات الإسرائيليون يستعرضون سيناريوهات مماثلة عاشوها قبل عقود.
صحيح أن نتنياهو خرج مؤقتاً من المستشفى للمشاركة في تصويت الكنيست على تعديلاته القضائية، لكنه معرض في أي لحظة للعودة إليها لاستكمال فحوصاته الطبية، وإمكانية حصول انتكاسة في وضعه الصحي.
الأمر الذي يعني أن تجد إسرائيل نفسها في حالة شبه رسمية من "الفراغ الحكومي"، مما يستدعي زيادة المطالبات الإسرائيلية بتعيين فوري لنائب رئيس الوزراء، والتحرك السريع لتصحيح الخلل القائم في الدولة المتمثل برفض نتنياهو تعيين نائب له.
مع أن ما مرّ به نتنياهو من مرض ما زالت تفاصيله خفية على غالبية الإسرائيليين، قد تجعله فجأة غير قادر على أداء دوره لفترة زمنية معينة، وفي هذه الحالة لن يكون هناك من يتدخل في صلاحياته، أو يستطيع اتخاذ قرارات مصيرية، لأنه شخصياً، وعلى عكس كل سابقيه، تجنب تعيين رئيس وزراء بالإنابة.
المنظمات القانونية والحقوقية الإسرائيلية من جهتها، سارعت خلال الأيام الأخيرة لمطالبة رئيس الكنيست أمير أوحانا ورئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ لتصحيح ما سمته "الإغفال الخطير"، لأن حالة الهرج والمرج التي عاشتها إسرائيل في الأيام الأخيرة أكدت أنه لا أحد محصّن من المشاكل الصحية التي قد تؤدي للتوقف المؤقت عن ممارسة مهامه وصلاحياته، لأن من حق الجمهور الإسرائيلي أن يعرف من سيُعهد إليه بزمام السلطة.
وأيّاً كانت السيناريوهات المحتملة لتبعات مرض نتنياهو على الساحتين الحزبية والسياسية، فإن ما هو متوافق عليه بين الإسرائيليين، أن ذلك سيسفر عنه تراجع شعبية حزب الليكود، وإمكانية خسارته للسلطة، وعودة المعارضة بقوة، على اعتبار أن نتنياهو شخصياً يعتبر "الصمغ اللاصق" الوحيد الذي يربط بين مكونات اليمين الفاشي الإسرائيلي، وبغيابه المفاجئ، ولأي سبب، قد نشهد طيّ صفحة الحكومة الحالية.