يعد توفير مقاتلات إف-16 لأوكرانيا مسألة مثيرة للجدل ومعقدة، تنطوي على مصالح ومخاوف مختلف الجهات الفاعلة، مثل الولايات المتحدة وأوكرانيا وروسيا وحلف شمال الأطلسي ودول أوروبية أخرى. هنا، سوف أقوم بتحليل أسباب هذا القرار وآثاره وتحدياته من وجهات نظر مختلفة.
الأسباب
تخوض أوكرانيا حرباً مع الانفصاليين المدعومين من روسيا في مناطقها الشرقية منذ عام 2014، وواجهت هجمات جوية متزايدة من مقاتلات وطائرات مسيّرة روسية في الأشهر الأخيرة. لطالما سعت أوكرانيا للحصول على طائرات مقاتلة متقدمة من حلفائها الغربيين لتحسين قوتها الجوية، والتي تتكون، إلى حد كبير، من طائرات قديمة تعود إلى الحقبة السوفييتية.
وقدمت الولايات المتحدة لأوكرانيا مساعدات عسكرية أخرى، مثل الصواريخ المضادة للدبابات والرادارات والطائرات من دون طيار والتدريب، لكنها كانت مترددة في توفير أسلحة هجومية مثل الطائرات المقاتلة حتى وقت قريب. وأعلن الرئيس بايدن قرار الولايات المتحدة بالسماح لحلفائها بتزويد أوكرانيا بمقاتلات إف-16 في قمة مجموعة السبع في اليابان في مايو 2023، بعد أن أبلغ نظراءه بنيته. وقالت الولايات المتحدة إنها ستدرب أيضاً طيارين أوكرانيين على قيادة الطائرات وستخصص 100 مليون دولار لهذا الغرض. وقالت الولايات المتحدة إن القرار جزء من "التزامها طويل الأمد بالدفاع عن النفس لأوكرانيا"، واستجابة للوضع المتغير على الأرض. كما قالت إنها ستعمل مع حلفائها لتحديد عدد الطائرات التي سيتم تسليمها إلى أوكرانيا.
وبعض الحلفاء المحتمَلين الذين يمكنهم تزويد أوكرانيا بمقاتلات إف-16 هم بولندا وهولندا وسلوفاكيا ورومانيا، التي أعربت علناً عن استعدادها أو اهتمامها بالقيام بذلك. هذه الدول لديها فائض أو أقدم من طائرات إف-16 التي يمكن نقلها إلى أوكرانيا بموافقة الولايات المتحدة. ومع ذلك، عرضت الشركة المصنعة الأمريكية لوكهيد مارتن أيضاً بيع طائرات إف-16 الجديدة والمستعملة لأوكرانيا، والتي تمت ترقيتها إلى أحدث طراز بلوك 70/72 "فايبر".
الآثار
وقد يكون لتوفير مقاتلات إف-16 لأوكرانيا آثار كبيرة على أمن واستقرار المنطقة، وكذلك على العلاقات بين الأطراف المعنية. فمن ناحية، يمكن أن يؤدي توفير مقاتلات إف-16 إلى تعزيز ثقة أوكرانيا ومعنوياتها وتحسين قدرتها على الدفاع عن سيادتها وسلامة أراضيها. ومن ناحية أخرى، يمكن أن يثير هذا العامل رد فعل سلبياً من روسيا، التي تعتبر أوكرانيا جزءاً من مجال نفوذها وترى في أي تدخل عسكري غربي تهديداً لأمنها ومصالحها. وقد أدانت روسيا بالفعل القرار الأمريكي باعتباره "سيناريو التصعيد"، وحذّرت من أن الدول التي تزود أوكرانيا بطائرات إف-16 ستواجه "مخاطر هائلة". ويمكن لروسيا الرد من خلال زيادة وجودها العسكري وأنشطتها بالقرب من حدود أوكرانيا أو من خلال توفير المزيد من الأسلحة المتقدمة والدعم للانفصاليين في شرق أوكرانيا.
كما يمكن أن يكون لتوفير مقاتلات إف-16 تداعيات على الجهود الدبلوماسية لحل الصراع في شرق أوكرانيا سلمياً. وانخرطت الولايات المتحدة وحلفاؤها في مفاوضات مع روسيا من خلال أشكال مختلفة، مثل نورماندي 4 (فرنسا وألمانيا وروسيا وأوكرانيا) ومجموعة مينسك (منظمة الأمن والتعاون في أوروبا وروسيا وأوكرانيا) والمحادثات الثنائية. وقد يؤدي توفير مقاتلات إف-16 إما إلى زيادة الضغط على روسيا للامتثال للاتفاقيات القائمة ووقف إطلاق النار، أو تقويض الثقة والحوار بين الأطراف وتقليل فرص إيجاد حل سياسي.
مقارنة
سؤال آخر ينشأ من توفير مقاتلات إف-16 لأوكرانيا هو كيف يمكن مقارنتها بالطائرات الروسية في القتال الجوي المحتمل. وتمتلك روسيا قوة جوية كبيرة وحديثة تضم أنواعاً مختلفة من الطائرات المقاتلة، مثل سو-27 وسو-30 وسو-34 وسو-35 وسو-57. ومن بينها، تعتبر سو-35 أكثر الطائرات المقاتلة الروسية تقدماً وقدرة من الجيل الرابع، وتم نشرها بالقرب من حدود أوكرانيا في السنوات الأخيرة.
ويقول بعض الخبراء إن سو-35 تتفوق على إف-16 من حيث السرعة والمدى والحمولة وخفة الحركة، وأنها قد تشكل تحدياً خطيراً للقوات الجوية الأوكرانية إذا تصاعد الصراع. ومع ذلك، عارض آخرون هذا الادعاء، وأشاروا إلى العديد من عيوب ونقاط الضعف في سو-35 مقارنة مع إف-16. تعتبر سو-35 أكبر وأكثر وضوحاً من إف-16، مما يسهل استهدافها بصواريخ بعيدة المدى. كما تفتقر سو 35 إلى ميزات التخفي وأنظمة الحرب الإلكترونية التي يمكن أن تقلل من تعرضها لرادارات العدو والتدابير المضادة.
علاوة على ذلك، فإن أداء الطائرة المقاتلة لا يعتمد فقط على مواصفاتها الفنية، ولكن أيضاً على عوامل أخرى مثل تدريب الطيارين والتكتيكات والتنسيق والصيانة والدعم. في هذا الصدد، تتمتع إف-16 بميزة على سو-35، حيث تم استخدامها واختبارها على نطاق واسع من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في سيناريوهات وبيئات قتالية مختلفة لعقود. ومن ناحية أخرى، لم تشهد سو-35 الكثير من الأعمال القتالية ولديها خبرة تشغيلية محدودة مع الطائرات الروسية الأخرى أو الحلفاء.
لذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت روسيا لديها القدرة على مواجهة مقاتلات إف-16 بشكل فعال، لأنها ستعتمد على العديد من المتغيرات والظروف التي يصعب التنبؤ بها. ومع ذلك، استناداً إلى المعلومات والتحليلات المتاحة، يبدو أن إف-16 لديها بعض المزايا على سو-35 التي يمكن أن تُحدث فرقاً في مواجهة جوية محتمَلة.
التحديات
يواجه توفير مقاتلات إف-16 لأوكرانيا أيضاً العديد من التحديات التي يمكن أن تؤثر على جدواها وفعاليتها. أحد التحديات هو توافر الطائرات والقدرة على تحمل تكاليفها. ولم تحدد الولايات المتحدة عدد طائرات إف-16 التي ستسمح لحلفائها بتزويد أوكرانيا بها ولا تكلفة ذلك. ويقدر سعر طائرة إف-16 فايبر الجديدة بحوالي 70 مليون دولار لكل وحدة، في حين أن سعر الطائرة المستعمَلة قد يكلف حوالي 20 مليون دولار. وتبلغ ميزانية الدفاع الأوكرانية لعام 2023 حوالي 5.5 مليار دولار، مما يعني أنها لا تستطيع تحمل سوى بضع عشرات من طائرات إف-16 على الأكثر، ما لم تحصل على مساعدة مالية إضافية من حلفائها أو مصادر أخرى.
التحدي الآخر هو التوافق وقابلية التشغيل البيني للطائرات. ومن المرجح أن يكون لطائرات إف-16 التي يمكن أن تحصل عليها أوكرانيا من حلفائها تكوينات ومواصفات وقدرات مختلفة، اعتماداً على أصلها وعمرها وتحديثاتها. وقد يخلق هذا صعوبات لأوكرانيا في صيانتها وتشغيلها ودمجها في هيكل وأنظمة القوات الجوية الحالية. علاوة على ذلك، يجب أن تكون طائرات إف-16 متوافقة مع أنواع أخرى من الطائرات التي تمتلكها أوكرانيا أو تخطط للحصول عليها، مثل طائرات ميغ-29 التي سلمتها بولندا وسلوفاكيا.
التحدي الثالث هو تدريب واستعداد الطيارين. وقالت الولايات المتحدة إنها ستدرب طيارين أوكرانيين على قيادة طائرات إف-16، لكن ليس من الواضح كم من الوقت ومدى كثافة هذه العملية. وإف-16 هي طائرة متطورة ومعقدة تتطلب مستوى عالياً من المهارة والخبرة للعمل بفعالية. وتم تدريب الطيارين الأوكرانيين في الغالب على طائرات من الحقبة السوفييتية، والتي لها خصائص وأنظمة مختلفة عن طائرات إف-16. وعلاوة على ذلك، فإن الطيارين الأوكرانيين لديهم خبرة قتالية محدودة لسيناريوهات الحرب الجوية الحديثة، وخاصة ضد خصم متفوق تكنولوجيا مثل روسيا. لذلك، قد يتطلب توفير طائرات إف-16 أيضاً برنامجاً شاملاً ومستداماً للتعليم والمحاكاة والتمارين للطيارين الأوكرانيين؛ ليصبحوا ماهرين وواثقين مع الطائرات.
باختصار، يعد توفير مقاتلات إف-16 لأوكرانيا قراراً مهماً ومثيراً للجدل ويعكس التزام الولايات المتحدة بدعم أوكرانيا للدفاع عن النفس وردع العدوان الروسي. ومع ذلك، فإن القرار ينطوي أيضاً على العديد من الآثار والتحديات التي يمكن أن تؤثر على نتائجه وتأثيره.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.