"إسرائيل قد تفقد بعضاً من أسرابها الجوية بسبب نتنياهو".. يبدو أن الحشود الضخمة التي تحتج على الانقلاب القضائي ليست أكبر مشاكل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولكن أخطر تداعيات الأزمة، هي تهديد جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي بالإضراب، ولاسيما الطيارين، ولكن يبدو أن نتنياهو لا يأبه لذلك.
وبينما تقترب المواجهة مع الحركات الاحتجاجية الإسرائيلية في العموم، واحتجاجات جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلبي بشكل خاص، من ذروتها، يحاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نقل رسالتين متناقضتين في وقتٍ واحد، حسب صحيفة Haaretz الإسرائيلية.
فهو يعد المتشددين في ائتلافه الحكومي بأنَّه يعتزم مواصلة الانقلاب الحكومي مهما حصل، وأنَّه ستُقدَّم مسودة مشروع القانون التي تلغي حجة المعقولية إلى الكنيست للتصويت عليها في القراءتين الثانية والثالثة قريباً.
لكنَّه حريص على الإيحاء للمعارضة ومُنظِّمي الاحتجاجات، بأنَّ النسخة النهائية من القانون ستكون أقل تطرفاً. وأنَّه لا يوجد داع للقلق على أي حال، وأنَّ الأمر سينتهي عند ذلك الحد.
مجموعات جديدة من قوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي تهدد بالإضراب
وتشهد نسبة المشاركة الهائلة في التظاهرات مساء كل سبت، ومؤخراً "أيام الاضطراب" في منتصف الأسبوع كذلك، على مدى (عدم) ثقة الإسرائيليين في كلام نتنياهو.
بدأت عودة الاحتجاجات من جديد بإقالة قائد شرطة منطقة تل أبيب، اللواء عميحاي إيشد، وأجَّجها التشريع الخاص بحجة المعقولية. وأعلنت خلال الأسبوعين الماضيين مجموعات جديدة من قوات الاحتياط بالجيش، اعتزامها التوقف عن التطوع احتجاجاً على مسار قوانين الانقلاب القضائي.
وليس واضحاً مقدار مساحة المناورة التي يملكها نتنياهو، إن كان هنالك أي مجال للمناورة، داخل ائتلافه الحكومي، في ظل مطالبة الجناح المتشدد في حزب الليكود وبعض شركاء الائتلاف بالمضي قدماً بالتشريع مهما كان الثمن. في الوقت نفسه، نُقِلَ نتنياهو على وجه السرعة من منزله في قيصرية إلى مركز شيبا الطبي في منطقة تل هشومير خارج تل أبيب لإجراء فحوصات، بعد ظهر يوم أمس السبت 15 يوليو/تموز، عقب شعوره بدوار.
ولسبب ما، أشارت الإشعارات الفورية من مواقع الأخبار إلى حدث وقع قبل 17 عاماً: إيداع رئيس هيئة أركان الجيش آنذاك، دان حالوتس، المستشفى مرتين لإجراء فحوصات عاجلة خلال حرب لبنان الثانية عام 2006. (يُعَد حالوتس اليوم هو خصم نتنياهو اللدود ونصَّب نفسه قيادياً في الحركة الاحتجاجية).
كشفت الفحوصات، التي لا يمكن إخفاؤها، أمراً بشأن الحالة الحقيقة للحرب وما يعتقده القائد العام للجيش، (في إشارة إلى أن هذه الفحوصات أظهرت مأزق الجيش الإسرائيلي في ذلك الوقت).
في حين كان يقول للإسرائيليين إنَّ كل شيء على ما يرام. لا يخوض نتنياهو حرباً، لكنَّه تحت ضغط متزايد. ويبدو أنَّ الواقع يُضيِّق الخناق عليه من كل الجهات: الاحتجاجات، والأزمة السياسية، وشركائه غير المستقرين تماماً، ومشكلاته الشخصية والقانونية، ناهيكم عن التوترات المتصاعدة مع حزب الله فيما يتعلَّق بالنزاع الحدودي في مزارع شبعا.
الطيارون سبق أن أجبروا نتنياهو على تعليق مشروع القانون
العنصر الأهم في الاحتجاجات، أكثر حتى من الحشود مساء السبت في شارع كابلان بتل أبيب، هو جنود الاحتياط، وخاصةً الطيارين والملّاحين، الذين أجبروا نتنياهو في مارس/آذار على تعليق مشروع القانون والتراجع عن إقالته لوزير الدفاع يوآف غالانت.
وأثار تجدد احتجاج الطيارين، بما في ذلك الاستعدادات لإعلان التوقف عن العمل التطوعي بأعداد كبيرة هذا الأسبوع، قلق رئيس الوزراء الإسرائيلي كثيراً الأسبوع الماضي. وكان ذلك هو الدافع وراء تجدد هجومه هو وأتباعه على ما يُسمّونه "العصيان".
ونتنياهو يقول يمكن الاستغناء عن بضعة أسراب جوية
حصل أميت سيغال من صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية في عطلة نهاية الأسبوع على أهم اقتباس مباشر على لسان نتنياهو، وكان كالعادة خلال أحاديث خاصة. فقال: "يمكن للبلاد أن تتدبَّر أمرها دون بضعة أسراب، لكنَّها لا يمكن أن تتدبَّر أمرها دون حكومة. هنالك حالات تكون الاختيارات فيها صعبة. لكنَّ الخيار هنا سهل".
يتعارض هذا الإعلان الواثق إلى حدٍ ما مع الجو العام الذي يبثّه نتنياهو منذ عقود، بأنَّ الحرب مع إيران دائماً وشيكة. وأنَّ تلك الحرب، مثلما يشير مسؤولو الدفاع الإسرائيليون، تعتمد على الأسراب.
وربما يتجاوز استعداد أطقم الطيارين لاتخاذ إجراءات قصوى للمساعدة في وقف التشريع ما يظهر في وسائل الإعلام؛ فكلما زاد عدد أعضاء الحكومة والكنيست الذين يهينونهم، زاد احتمال أن يواجه سلاح الجو في الجيش الإسرائيلي سيلاً من رسائل الإخطار من قوات الاحتياط هذا الأسبوع.
والكثير من قوات الاحتياط قلقون من تقليص سلطات القضاء الإسرائيلي، لأنه قد يزيد من خطر تعرضهم للتقاضي في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بسبب جرائم الجيش الإسرائيلي، ويعزز الحجة التي غالباً ما يطرحها منتقدو إسرائيل، بأن القضاء الإسرائيلي ليس مستقلاً بما يكفي لمحاسبة جيشها.
الأزمة أكبر مما تتخيل قيادة الجيش والحكومة
وليس من المؤكد على الإطلاق أنَّ وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ورئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال هرتسل هاليفي يحكمان على حدة الأزمة بصورة صحيحة، على الرغم من مراقبة سلاح الجو المستمرة للأجواء والأسراب.
وإذا ما استمر الضغط لتمرير التشريع المثير للانقسام، من المتوقع أن نشهد أياماً مستمرة من الاضطرابات والتظاهرات في أرجاء البلاد اعتباراً من يوم الثلاثاء 18 يوليو/تموز. وقد يمتزج هذا برسائل من طيارين أفراد لقادتهم، بالإضافة إلى إجراءات النشطاء في وحدات عسكرية إضافية.
يصدر نتنياهو وغالانت، وقادة الجيش، تصريحات متكررة ضد العصيان. وبالفعل، يواجه الجيش الإسرائيلي هزة كبيرة قد يكون لها تداعيات على أمن إسرائيل.
ولا أحد يعرف ما إذا كانت الخطوات بعيدة المدى ستمتد إلى الجيش المهني وأفراد الموساد وجهاز الشاباك. لكن من وجهة نظر جنود الاحتياط، أنهم ليسوا متمردين، ويمكن أن يكون إعلان وقف الخدمة التطوعية في الجيش الإسرائيلي هو أفضل ما يقومون به على الإطلاق لأمن وسلامة إسرائيل.
تُركِّز حملة اليمين المُعتد برأيه ضد الاحتجاجات على مسألتين رئيسيتين: الأولى، وعلى عكس مزاعمهم، أنَّه خلال فك الارتباط مع قطاع غزة عام 2005 كان هنالك رفض فعلي، وبدرجة أكبر رفض "رمادي" أو غير رسمي، من جانب مئات الجنود، الكثيرون منهم كانوا يقضون خدمتهم الإلزامية.
والثانية أنَّ الخلاف في تلك الحالة كان حول قرار سياسي من جانب الحكومة، وليس خطوة هدفها النهائي هو تغيير الشخصية الديمقراطية للدولة.
هذه هي المشكلة الرئيسية التي تواجه البلاد، وليس تصرفات جنود الاحتياط. وقد شرح ضابط احتياط رفيع تحدث إلى صحيفة Haaretz الوضع جيداً، فقال إنَّه حين تتجرَّع السم، لا يمكنك أن تتهم الأعضاء الداخلية بالعصيان حين تتوقف عن العمل.