تطالعنا مع بداية سورة مريم مناجاة زكريا ربه، وشكواه من أن عظمه قد وهن، وأن شعر رأسه قد شاب {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ ٱلۡعَظۡمُ مِنِّي وَٱشۡتَعَلَ ٱلرَّأۡسُ شَيۡبٗا} واقتران الوهن بالشيب دلالة على علاقتها بتقدم العمر، واليأس من الإنجاب.
"وهَن العظام" فسره علماء القرآن بترقق العظام وضعفها، وهو اليوم اسم لمرض يكثر الحديث عنه في دول الغرب، وذلك لأن ما ينشأ عنه من كسور، تؤدي إلى تعطيل الحركة، ومضاعفات ذلك عند كبار السن كثيرة ووخيمة، مثل: تجلط الدم، وتقرح الجلد، والحاجة إلى الرعاية التمريضية لفترات طويلة.
في الدول الأوروبية، أصبح حوالي ربع السكان في عمر يفوق الستين، وهؤلاء كلهم معرّضون لمرض هشاشة العظام الذي يتطور إلى مرحلة أقسى، وهي وهن العظام، فيصبح العظم قابلاً للكسور لأهون سبب، ولولا وهن العظم ما كُسر.
في بريطانيا يحدث كل عام حوالي 300 ألف كسر من هذا النوع سنوياً، في الفئة العمرية التي تجاوزت الستين، وهذا يشكل عبئاً كبيراً على ميزانية الصحة.
وكما لاحظنا فإن المرض ليس بجديد في دنيا الناس، ولكن تزايد معدلات العمر أدت إلى شيوعه، كم لاحظنا مثلاً أن بين أمهاتنا من قصرت من بعد طول، وانحنت بعد اعتدال. ورغم أن الآية تشير إلى وهن العظام عند النبي زكريا، فإن هذا المرض أكثر شيوعاً في النساء خاصة؛ لأن نقص هرمون الإستروجين الذي يحدث عند سن انقطاع الطمث يؤدي إلى التسارع في تآكل العظام، بمعنى أن يفقد العظم عنصر الكالسيوم الذي يكسبه القوة، ومع الوقت يصبح شكل العظم في الأشعة كالمنخل، ولذلك فإن اسم المرض يعني تثقب العظام، يصبح العظم كثير الثقوب، يحتاج الجسم إلى ترسيب الكالسيوم ليملأ فراغات العظام، ولذا فإن لكل سن حاجة للكالسيوم يجب ألا تقل عن حد معين.
بعد الخمسين، نحتاج إلى غرام ونصف الغرام من الكالسيوم يومياً، وحوالي 600 وحدة من فيتامين "د"، وعلى الأغلب في هذه السن قد لا يزودنا الغذاء وحده بهذه الكمية، ولذا نجد أن كثيراً من النساء يأخذن حبة في اليوم أو أكثر فيها هذين العنصرين، وتجد أن الاسم التجاري لهذه المستحضرات يشير إلى العظام.
الاحتياطات الأخرى تتضمن التعرّض لأشعة الشمس، والاستمرار في عمل تمرينات رياضية يكون الجسم فيها محمولاً على الساقين، كرياضة المشي مثلاً، والامتناع عن التدخين.
كل هذا مهم لمنع حدوث وهن العظام أو تأخير حدوثه. بعض الفئات تتعاطى أدوية تزيد من تآكل العظام كأدوية الصرع، والأدوية الحاوية على الكورتيزون، وبعض علاجات السرطان، ومشكلات الغدة جارة الدرقية ومرضى الفشل الكلوى، هذه الفئات وغيرها بحاجة إلى متابعة بنية العظام واتخاذ احتياطات للوقاية منها في مراحل مبكرة من العمر.
بعض الدول فرضت عمل تصوير يوضح كثافة العظام بشكل روتيني، عند سن الخامسة والستين، ثم يكرر حسب الحاجة، وبناء عليه يمكن إعطاء الأدوية التي تساعد على إعادة بناء العظم مع الكالسيوم وفيتامين "د".
لكن تبقى مشكلة تشخيص الفئات المعرّضة لوهن العظام لسبب آخر لا علاقة له بالعمر، لتبدأ متابعتهم مبكراً، وعادة ما يسبق إجراء أشعة كثافة العظام برنامج لرصد عوامل الخطورة، وذلك لئلا نُفاجأ بمريض شاب أُصيب بكسر في عظمة عنق الفخذ، بسبب ارتطام بسيط، ثم نجد أن الشاب ينتمي إلى عائلة أسلافها أُصيبوا بوهن العظام مبكراً، أو أن تغذيته سيئة، وربما كان مدمناً على الكحول، وكل تلك العوامل كانت من الوضوح، بحيث تُرصد بسهولة، لنجد أنه من الفئات المعرضة لوهن العظام مبكراً، وأنه كان بإمكاننا لو أنفقنا عليه 100 دولار أن نتفادى كسوراً تتكلف آلاف الدولارات، فضلاً عن خسارة ساعات العمل، وتراجع الدخل.
وهن العظام مرض صامت، لكنه قد يفاجئنا بقاصمة الظهر، عافاكم الله.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.