في الوقت الذي يعيش فيه لبنان شغور منصب رئيس الدولة، بسبب الصراعات بين الأطراف السياسية في البلاد، يعيش الجنوب مواجهة عسكرية بين حزب الله وإسرائيل، بسبب احتلال هذه الأخيرة للجزء الشمالي من قرية الغجر فوق الأراضي اللبنانية.
أوساط دبلوماسية تحدث معها "عربي بوست" قالت إن ما يجري جنوبي لبنان يهدف من خلاله حزب الله لتثبيت وقائع على الأرض، وتأكيد شرعية ما يسمى "سلاح المقاومة"، بسبب استمرارية الصراع مع إسرائيل، بينما يسعى نتنياهو لتحقيق مكاسب شعبوية بإصراره على التصعيد في الجنوب اللبناني.
ويعيش جنوب لبنان توتراً ميدانياً منذ أيام بين حزب الله وإسرائيل بسبب تشييد الجيش الإسرائيلي سياجاً شائكاً وجداراً أسمنتياً في محيط الجزء اللبناني من قرية الغجر المتداخلة جغرافياً بين لبنان وسوريا وفلسطين المحتلة.
تطورات محتملة جنوبي لبنان
كشف مصدر رفيع في الخارجية اللبنانية لـ"عربي بوست" أن الوساطات التي تقودها فرنسا ومصر وقطر لوقف التصعيد بين حزب الله وإسرائيل جنوبي لبنان لم تفلح في إقناع حزب الله بالتراجع.
وأضاف المصدر نفسه أن رئيس المخابرات العامة المصرية عباس كامل تحدث مطولاً مع مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا، والذي أخبره أن"الحزب سيمضي باتجاه التصعيد بعد خطوة إسرائيل ضم الغجر".
وقال مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب لرئيس المخابرات المصري إن "الحزب سيمضي قدماً باتجاه التصعيد بعد خطوة الجانب الإسرائيلي بضم الغجر؛ لأن المقاومة لا يمكنها التعاطي معها وكأنها أمر عابر".
من جهته، أكد مصدر دبلوماسي عربي لـ"عربي بوست" أن الحزب أبلغ كل الأطراف الإقليمية والعربية والدولية التي تتواصل معه لحل موضوع التوتر الحاصل جنوبي لبنان أن الأمر بالنسبة للحزب لا يمكنه أن يمرر التعديات الإسرائيلية بدون رد.
ويشير المصدر إلى أن حزب الله أبلغ رسالة واضحة إلى كل المعنيين بأنه في حال لم يعد الوضع في الغجر خلال يومين إلى ما كان عليه سابقاً، أي قبل عملية الضم فإنه مستعد للذهاب نحو تصعيد عسكري مفتوح مهما بلغ مداه.
وأشار مصدر "عربي بوست" إلى أن حزب الله اعتبر أن تواصل أطراف إقليمية معه، دليل على أنه نجح في تثبيت قاعدة أساسية في الصراع مع إسرائيل، وهي أنه صاحب الكلمة في أي مواجهة.
وبحسب المعلومات، فإن هناك مساعي مستمرة لفرنسا وقطر تعمل على تحجيم هذا التصعيد وإيجاد صيغة لاحتواء الأزمة، عبر طرح فكرة التراجع الإسرائيلي عن ضم الغجر بمواكبة أمريكية، مقابل إزالة حزب الله للخيم المنصوبة.
ربط الجبهات أو ترسيم حدودي؟
اعتبر الصحافي اللبناني إبراهيم ريحان أن ما يجري مؤخراً في جنوب لبنان يندرج في إطار محاولات حزب الله لربط مجموعة مسارات ببعضها، أبرزها حديث الحزب المستمر عن مسألة توحيد جبهات المقاومة بين لبنان وسوريا وغزة.
وأضاف المتحدث: لا يمكن فصل منطقتين عن بعضهما في لبنان، فالغجر لبنانية في جهتها الشمالية، ولا يمكن لإسرائيل أن تضمها، وهذا يعني أنه وجب إعادة الجزء اللبناني منها، كما هو الحال مجموعة من المناطق في القطاع الغربي والشرقي والأوسط، أي مزارع شبعا.
من جهته، يعتبر المحلل السياسي اللبناني، جوني منير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي كسب بعض النقاط لمصلحته في ملفاته القضائية المفتوحة، يحاول استعادة زمام المبادرة.
وحسب المتحدث يُحاول نتنياهو أن يحصل على دعم شعبوي، أولاً من خلال عملية جنين، وثانياً من خلال ما يحصل في الجنوب اللبناني بضم الغجر، وذلك بعد الظهور الضعيف له على مسرح السياسة الإسرائيلية.
وأشار المتحدث إلى أن نتنياهو يسعى للمحافظة على تماسك التحالف الحكومي الهجين، والذي شهد تشققات عدة، وإعادة ترميم صورته كرئيس حكومة قوي، وذلك باستعمال هجومه على فلسطين ولبنان.
بالمقابل يعتبر المحلل اللبناني أن كل هذه تفتح الباب أمام احتمالات كثيرة، أبرزها يندرج في سياق تثبيت وقائع استباقاً لأي مفاوضات قد تطرح لاحقاً حول ترسيم الحدود البرية، خصوصاً أن حزب الله، لديه اعتراضات على النقاط الخط الأزرق المعمول به لدى الأمم المتحدة، منذ سنة 2000.
شكل التسوية المقترح
بالمقابل يعتبر مصدر في الخارجية اللبنانية أنه وفي إطار انتظار الوصول إلى طرح ملف الترسيم البرّي جدياً، لا بد من الإشارة إلى أنه طرحت في السابق فكرة من قبل الولايات المتحدة لإيجاد صيغة حل ثلاثي لمنطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وجزء من بلدة الغجر.
وهذا الطرح حسب مصدر "عربي بوست" جاء بالتوازي مع إعلان إسرائيلي لضم الجولان، واعتبارها أن مزارع شبعا جزء من الجولان وغير تابعة للبنان، وكانت تلك الصيغة المقترحة تشير إلى التفاوض على إيجاد صيغة تسوية لمزارع شبعا البالغ مساحتها 200 كلم مربع.
ويدور التفاوض حول تقسيم مزارع شبعا إلى أربعة أقسام بالتساوي بين لبنان وسوريا والجانب الإسرائيلي، أما المساحة الباقية فتوضع تحت رعاية الأمم المتحدة وقوات طوارئ دولية.
لكن بحسب المصدر فإن المسار طويل، ولا يعني بالضرورة الوصول إلى تسوية. وهو مسار يرتبط بملفات المنطقة، وكذلك الواقع الإسرائيلي الداخلي في ظل حكومات اليمين الإسرائيلي المتطرف والتي ترفض التنازل عن أي شبر لصالح لبنان أو سوريا.