أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، مساء الإثنين 3 يوليو/تموز 2023، عن استشهاد 9 فلسطينيين في يوم طويل عاشه أهالي مخيم جنين المكتظ، جراء العملية الواسعة التي شنها الاحتلال معززاً بآليات عسكرية وطائرات شاركت في القصف، فيما اضطر الآلاف إلى مغادرة منازلهم تحت تهديدات إسرائيلية باستهداف منازل من الجو.
ويعيش سكان مخيم جنين للاجئين شمالي الضفة الغربية، منذ ساعة مبكرة من فجر الإثنين، تحت نيران الجيش الإسرائيلي الذي بدأ عملية عسكرية واسعة في المدينة ومخيمها، استخدم فيها مروحيات ومسيرات وقوات برية، وآليات عسكرية معززة.
في حصيلة أخيرة، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في بيان، استشهاد 9 فلسطينيين وإصابة 100 آخرين بينهم 20 بحالة خطرة، في العملية العسكرية المستمرة، فيما تبقى الحصيلة مرشحة للارتفاع بسبب وجود إصابات حرجة.
من جانبها، وجّهت بلدية جنين، نداء استغاثة، طالبت من خلاله بدعم عاجل في ظلّ انقطاع الماء والكهرباء عن مناطق واسعة من جنين ومخيّمها، فيما أُجبرت 500 عائلة من المخيم على مغادرة منازلها، وذلك تحت تهديد القصف.
ومع ساعات متأخرة من الليل، رصدت وسائل إعلام فلسطينية قوات إسرائيلية معززة تدخل مدينة جنين، فيما قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن جيش الاحتلال يستعد ليوم ثانٍ من عمليات الاقتحام للمخيم.
يأتي ذلك في الوقت الذي جدّد فيه جيش الاحتلال قصف مخيم جنين، قبيل انتصاف ليل الإثنين، وذلك بعد 24 ساعة من بدء العملية الإسرائيلية التي شملت قصفاً جوياً لأكثر من 10 مرات على منازل داخل مخيم جنين.
فيما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في بيان له إن العملية ستستمر طالما كان ذلك ضرورياً حتى تكتمل المهمة.
المقاومة تتصدى
وبما يملكون من أسلحة لا تقارن بعتاد جيش الاحتلال، شهد نهار الإثنين اشتباكات عنيفة بين الشبان المقاومين والجنود في مواقع مختلفة من المخيم.
حيث شهد محيط مسجد أنصار بمخيم جنين، اشتباكات عنيفة، بعد أن نصب المقاومون كميناً لقوات الاحتلال، فيما استهدف الجنود المسجد بعد تحصُّن الشبان فيه.
كشفت المقاومة الفلسطينية في جنين عن تحقيق إصابات في صفوف جنود الاحتلال الإسرائيلي، ووقوعهم في كمين، خلال العملية العسكرية التي بدأها الاحتلال فجر الإثنين 3 يوليو/تموز 2023، وما زالت مستمرة، وسط تقارير إسرائيلية عن إصابات في صفوف قواتها.
حيث أعلنت كتائب القسام في مخيم جنين عن تحقيق إصابات في صفوف جنود الاحتلال بعد وقوعهم في كمين "محكم ومنسق بين كل المجموعات العسكرية"، وذكرت أن الجنود وقعوا في الكمين خلال محاولتهم التقدم في المخيم، من خلال أحد المنازل.
كما أضافت: "مجاهدونا من كل فصائل المقاومة الفلسطينية يواجهون جيش الاحتلال في أزقة مخيم جنين، محدثين فيهم إصابات مباشرة. وقالت مصادر عبرية، إن قوة من وحدة "إيغوز" الخاصة واجهت اشتباكات عنيفة مع مجموعات من المقاومين، في محيط مخيم جنين.
فيما أعلنت كتيبة جنين في سرايا القدس، أن مقاتليها أوقعوا قوة لجيش الاحتلال بين قتيل وجريح، خلال محاولتها التقدم في حارة الدمج. وكشفت كتائب شهداء الأقصى عن تفجير عبوات ناسفة بآليات لجيش الاحتلال خلال الاشتباكات، في جنين ومخيمها.
كما أعلنت كتيبة جنين أن مقاتليها استهدفوا قوة من جيش الاحتلال برشقات كثيفة من الرصاص والعبوات الناسفة، خلال محاولتهم التقدم عبر حارة الدمج على أطراف المخيم.
ونشرت وسائل إعلام فلسطينية مقطع فيديو لما قالت إنه للحظة تفجير مقاومين فلسطينيين عبوة ناسفة بجرافة تابعة للاحتلال، فيما لم يعلن الأخير بعدُ ما إذا كانت هنالك خسائر له جراء تفجير العبوة.
دمار كبير
وبدت شوارع المخيم كأن إعصاراً قد ضربها، حيث تضررت البنية التحتية بشكل كبير وأتلفت عشرات المركبات بفعل جرافات عسكرية ضخمة، حسبما أفاد مراسل الأناضول الذي التقى بعض العائلات وسط المخيم ونقل صورة عن آخر التطورات، رغم وجود آليات عسكرية وقناصة في كل مكان.
يقول الشاب نهاد عزام إن "الجرافات دمرت كل شيء، انظر إلى المركبات الخاصة والجدران والشوارع والبنية التحتية، كلها تدمرت".
وأضاف: "في عام 2022، تمت إعادة تأهيل المخيم، لكنه تحول اليوم إلى منطقة أشبه بالمنكوبة، واستمرار العمليات يعني مزيداً من الدمار والقتل".
وأصيب منزل عزام الواقع بالقرب من المدخل الرئيسي للمخيم (شرق)، بصاروخ إسرائيلي أسفر عن تدمير أجزاء منه.
وفي أزقة المخيم، التقت "الأناضول" الطفلة الفلسطينية سندس (8 أعوام) والتي قالت إنها استيقظت على قصف صاروخي أصاب جزءاً من منزل عائلتها.
وتتفقد سندس منزلها، والخوف على محياها، مرددة: "صحينا على الصاروخ".
القيادي البارز في حركة "فتح" بمخيم جنين، جمال حويل، قال إن "إسرائيل تشن حرباً حقيقية بالطائرات المسيرة والمروحية والآليات العسكرية ومئات الجنود على مخيم جنين".
وأضاف لـ"الأناضول": "قصف المخيم الذي لا تتعدى مساحته النصف كيلومتر بـ60 صاروخاً حتى الساعة، دمر منازل ومحال تجارية ومركبات".
وتابع: "إسرائيل تتحدث عن بنك أهداف، وأنا أقول إن بنك أهداف إسرائيل هو منازل المواطنين الآمنين، ومركباتهم وطرقاتهم ولا شيء آخر".
ووصف "حويل" الوضع في المخيم بأنه "مأساوي، واستمراره يعني ارتكاب مجازر".
وشدد القيادي بحركة فتح على "قدرة المقاومة على الصمود"، قائلاً إن "إسرائيل ستفشل بالتأكيد، وعزيمة الشباب لن تنكسر، وستبقى جنين ومخيمها عصية".
وأضاف: "جنين لم تذهب إلى إسرائيل، بل الجيش الإسرائيلي من يعيث فيها القتل".
وبيّن "حويل" أن "إسرائيل قطعت الكهرباء والمياه وشبكة الهواتف الأرضية بفعل أعمال التجريف".
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، تناقل فلسطينيون صوراً ومقاطع فيديو لشهداء وجرحى في أزقة المخيم، بينها مشهد لثلاثة شبان أصيبوا بالرصاص الإسرائيلي، حيث نزف اثنان منهم حتى الوفاة، دون أن يتمكن الناس في المنطقة من إسعافهم بسبب استمرار القصف.
ويتحدث سكان المخيم عن وجود أماكن "مغلقة تماماً، حيث تُطلق النار على كل من يتحرك فيها"، موضحين أن "الدماء منتشرة في كل زاوية، مع تصاعد أعمدة الدخان والغبار في أكثر من جانب في المخيم".
كما التقط مصورو "الأناضول" صوراً لآليات عسكرية إسرائيلية أثناء تدميرها الشارع العام وسط المخيم.
ورصدت "الأناضول" مشاهد من دمار عشرات المركبات الفلسطينية بشكل كلي وتجريف شوارع وتقطيع لشبكة الكهرباء والهواتف ونبش خطوط المياه والصرف الصحي.
بحسب رواية جيش الاحتلال، فإنَّ هدف العملية التي يشنها الاحتلال في جنين هو وقف العمليات "التي تنطلق ضد مواطنين وأهداف إسرائيلية من جنين، ولاعتقال مطلوبين بشبهة التورط في عمليات إرهابية، يختبئون في المدينة ومخيمها"، وفق قوله.
بدورها، أعلنت الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية بغزة في بيان لها، أن الغرفة "في حالة انعقاد دائم لمتابعة العدوان الهمجي على جنين، وإن المقاومة في كل الساحات لن تسمح للعدو بالتغول على أهلنا في جنين أو الاستفراد بهم".