في أكبر عملية من نوعها منذ نهاية الانتفاضة الثانية في عام 2006 بالضفة الغربية، اقتحمت إسرائيل مدينة جنين الفلسطينية وخاصة مخيمها، واستخدمت طائرات مسيرة لضربها، وسط تقارير عن إسقاط المقاومة لمسيرتين وإصابة جنديين إسرائيليين، فما هي أهداف الهجوم على جنين، وهل تستطيع تل أبيب تصفية المقاومة في هذه المدينة مثلما فعلت في معركة جنين عام 2002؟
قالت وزارة الصحة الفلسطينية إن ثمانية فلسطينيين على الأقل قتلوا وأصيب 50 بينهم عشرة في حالة خطيرة، وإن فلسطينياً يبلغ من العمر 21 عاماً قتل في حادث منفصل بنيران إسرائيلية بالقرب من مدينة رام الله بالضفة الغربية.
وقال اللفتنانت كولونيل ريتشارد هيشت، المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي إن قوة بحجم لواء – قرابة 2000 جندي – كانت تشارك في العملية، وإن طائرات عسكرية بدون طيار نفذت سلسلة من الضربات لتمهيد الطريق للقوات البرية.
على الرغم من أن إسرائيل نفذت غارات جوية متفرقة في الضفة الغربية في الأسابيع الأخيرة، فإن هيشت قال إن سلسلة ضربات يوم الإثنين كانت تصعيداً لم نشهده منذ عام 2006 – نهاية الانتفاضة الفلسطينية، حسبما نقل عنه تقرير لوكالة أسوشيتد برس "AP" الأمريكية.
إليك مسار الهجوم على جنين
وقالت مصادر من داخل جنين إن الجيش الإسرائيلي حاصر المخيم، مع تجمع العديد من القوات في الخارج. تلقى سكان المنطقة رسالة من الجيش الإسرائيلي بالبقاء في منازلهم، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Haaretz.
وبدأ الهجوم على جنين بقيام سلاح الجو الإسرائيلي بقصف موقع لمقر في مخيم جنين للاجئين، والذي كان يستخدم كمركز مراقبة، ومستودع أسلحة ومكان اجتماع للمسلحين قبل وبعد النشاط المقاوم، ويستخدم ذلك كمخبأ لمقاومين شاركوا في الأحداث الأخيرة في المنطقة، حسبما قال الجيش الإسرائيلي.
وذكر جيش الاحتلال أن قواته صادرت أسلحة وعبوات ناسفة، ونفذت عشرات الاعتقالات في جنين ومشطت عشرات المنازل، إضافة إلى 15 غارة جوية على مناطق في جنين لتقديم الإسناد للقوات البرية الموجودة داخل المخيم.
وشهدت جنين اشتباكات بين مقاومين فلسطينيين وجيش الاحتلال، وسط قصف جوي واقتحام قوات برية وتدمير لشوارع وممتلكات.
وأعلنت "كتيبة جنين" التي تضم مقاومين فلسطينيين في المدينة، عن إصابة جندي إسرائيلي خلال الاشتباكات بجنين، وأضافت في بيان أنها تواصل تصديها لقوات الاحتلال، وقالت: "نخوض اشتباكات عنيفة على محور الحواشين، وأعلنت عن إدخال عبوات جديدة للخدمة، أفشلنا محاولات تقدم الاحتلال على أطراف المخيم، وتم إعطاب عدد من الآليات"، حسب المقاومة
وسائل إعلام إسرائيلية أفادت بإصابة جنديين الأول خلال تبادل لإطلاق النار مع مقاومين فلسطينيين داخل مخيم جنين، فيما أفاد موقع "I24 News" الإسرائيلي، بأن الثاني أصيب بشظايا قنبلة يدوية لجيش الاحتلال.
وقالت كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي) إنها أسقطت طائرة مسيرة لقوات الاحتلال هي الثانية خلال معركة اليوم، وأضافت الكتيبة أن مقاتليها "أفشلوا محاولات تقدم على أكثر من محور بعد خوض اشتباكات عنيفة مع الاحتلال.
من جهتها، أعلنت كتائب شهداء الأقصى (الذراع العسكرية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح") بجنين أن مقاتليها استهدفوا بالرصاص والعبوات المتفجرة قوة إسرائيلية خاصة على أطراف مخيم جنين، كما أعلنت كتائب عز الدين القسام (الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية "حماس") أن مقاتليها يستهدفون جنود الاحتلال في جنين بالرصاص.
وعلقت حركة الجهاد الإسلامي على الوضع قائلة: "الهجوم الإسرائيلي على جنين لن يحقق هدفه، وستبقى جنين رمز النضال والوقوف الحازم ضد الاحتلال، وسنتعامل مع الهجوم وكل الخيارات مفتوحة".
شهود عيان قالوا إن طائرات إسرائيلية واصلت في الساعات الأخيرة قصف أهداف في مخيم جنين، فيما شوهدت أعمدة الدخان تتصاعد من بعض المنازل.
من جانبه، طالب الهلال الأحمر الفلسطيني بتوفير ممر آمن من أجل إخراج المصابين من مخيم جنين، وقال إنه ينسّق مع الصليب الأحمر والمنظمات الدولية لإجبار الاحتلال على فتح الممر الآمن.
وتصاعد الدخان من داخل المخيم المزدحم بالقرب من مآذن المساجد. وسارعت سيارات الإسعاف باتجاه المستشفى؛ حيث تم نقل الجرحى على محفات.
وأفادت تقارير بأن الجيش الإسرائيلي طلب من 10 مسلحين فلسطينيين متحصنين داخل أحد المساجد بجنين تسليم أنفسهم وهدد بقصف المسجد وهدمه على رؤوسهم في حال لم يسلموا أنفسهم.
وتفيد تقارير بأن الاحتلال ينتقل من منزل لمنزل في مخيم جنين خلال عدوانه، فيما أخبر مسؤولو الإسعاف الصحفيين بوجود مصابين في الشوارع يصعب الوصول إليهم بسبب استهداف الطواقم.
وقالت لين هاستينغز، منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في المناطق الفلسطينية، على تويتر إنها "شعرت بالقلق من حجم عمليات القوات الإسرائيلية"، مشيرة إلى الضربات الجوية في مخيم للاجئين مكتظ بالسكان. وقالت إن الأمم المتحدة تحشد مساعدات إنسانية.
وذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا"، أن جيش الاحتلال قطع الطرق داخل المخيم، واستولى على المنازل والمباني ونصب القناصة على أسطح المنازل.
وقال الناشط السياسي في المخيم جمال حويل: "يمكنهم تدمير مخيم اللاجئين، لكنهم سيفشلون مرة أخرى؛ لأن الحل الوحيد هو الحل السياسي الذي تقوم فيه الدولة الفلسطينية وينتهي الاحتلال".
يذكِّر الهجوم على جنين بالمعركة الشهيرة التي خاضتها المقاومة الفلسطينية عام 2002 والمذبحة المروعة التي نفذتها إسرائيل ضد مخيم جنين في ذلك الوقت، إذ شنَّت القوات الإسرائيلية هجوماً على المخيم في عملية أطلق عليها اسم "السور الواقي"، فطوَّقت المخيم بالكامل بالدبابات وقوات المشاة، وفي المقابل شكَّل المقاومون غرفة عمليات مشتركة من كافة الفصائل، وجهزت 200 مقاوم مسلحين بالبنادق والعبوات بدائية الصنع.
واستطاع المقاومون آنذاك في البداية قتل 13 جندياً إسرائيلياً وإصابة 15 آخرين، وذلك عن طريق نصب الكمائن المفخخة في أزقة المخيم؛ لذلك قرَّر رئيس أركان جيش الاحتلال شاؤول موفاز منع الماء والكهرباء والطعام عن أهالي المخيم وقصفه بالطائرات والمدفعية؛ الأمر الذي أسفر عن هدم جزء من المخيم وتسويته بالأرض.
ودمَّر الاحتلال في تلك العملية 455 منزلاً بالكامل، كما ألحق ضرراً بـ800 منزل أخرى واستشهد 58 من أبناء المخيم، وكان معظمهم من المدنيين، فضلاً عن اعتقال المئات من أبناء المخيم.
مقاومة شبيهة بغزة تتبلور في جنين
نفذت قوات الاحتلال الإسرائيلية في الأشهر الأخيرة عدة عمليات في مدينة جنين. واندلعت الشهر الماضي اشتباكات عنيفة بين القوات الفلسطينية ومسلحين فلسطينيين. ووردت أنباء عن إصابة سبعة جنود وعناصر من حرس الحدود الإسرائيلي بجروح. بالإضافة إلى ذلك، قُتل ستة فلسطينيين – من بينهم فتى وفتاة في الخامسة عشرة من العمر، ودمر المقاومون الفلسطينيون مركبة وأصابوا سبعاً أخريات وظل الجيش الإسرائيلي عالقاً لساعات في محاولة إخراج قواته، واضطر لاستخدام مروحيات أباتشي لأول مرة في الضفة منذ الانتفاضة الثانية، وأصابت إحداها رصاص المقاومة دون أن يلحق بها أضرار كبيرة، وكان ذلك مؤشراً على شعور إسرائيل بتزايد قوة المقاومة في إسرائيل.
يوم الإثنين الماضي، أطلق صاروخان من منطقة جنين باتجاه الأراضي الإسرائيلية وانفجرا داخل الضفة الغربية. وجد تحقيق أجراه جيش الدفاع الإسرائيلي أن أحد الصواريخ سقط على بعد خمسة أمتار من موقع الإطلاق، و80 متراً أخرى. وكشف التحقيق أن الصاروخ من إنتاج ذاتي دون إمكانيات متطورة، ولا يشكل خطراً مباشراً على السكان في المنطقة المستهدفة.
ولكن إسرائيل تتذكر جيداً أن صواريخ غزة بدأت بشكل بدائي للغاية، وكان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يصفها بالصواريخ الكارتونية، والآن تحولت لسلاح ردع فعل وتصل لتل أبيب وأحياناً حيفا.
أكثر ما يقلق إسرائيل من نموذج جنين أن المسألة لا تتعلق فقط بما يشكله الوضع الحالي من تهديد للمستوطنين ولإسرائيل تحديداً، ولكن حالة المقاومة في جنين مرشحة للتصاعد، بشكل يؤدي لتشكيل حالة مسلحة في الضفة يصعب احتواؤها وتتجه لأن تكون غزة جديدة، خاصة مع مؤشرات على صعود دور حماس والجهاد وكتائب شهداء الأقصى، إضافة للمجموعات غير الحركية، الأصعب في التتبع أو التنبؤ بتصرفاتها، فنابلس وجنين بالذات تقلقان إسرائيل، حيث يبدو أنهما خرجتا عن سيطرة السلطة والاحتلال على السواء.
كيف انتقلت جنين من سيطرة السلطة الفلسطينية لمعقل للمقاومة مجدداً؟
بالنسبة للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، كانت جنين نموذجاً للاستقرار الفلسطيني حتى سنوات قليلة ماضية: مدينة ذات اقتصاد مزدهر، وسكانها يدعمون حركة فتح المتعايشة مع إسرائيل بشكل شبه كامل، حسب تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
حتى أن قوة صغيرة نسبياً من جيش الاحتلال الإسرائيلي كانت تتولى مهمة تأمينها. وبالكاد كان الجنود يقومون بدوريات على أساس روتيني، ويدخلون فقط بناءً على معلومات استخبارية محددة. ويعتمد اقتصادها على التجارة مع آلاف من عرب إسرائيل، ويذهب عمال المدينة للعمل في المدن الإسرائيلية يومياً.
ولكن خليطاً من المشكلات الاقتصادية جراء الجائحة وانسداد الأفق السياسي والاستفزازات الإسرائيلية وتاريخ المدينة العريق التي خاضت معركة بطولية أمام إسرائيل عام 2002، أحيا المقاومة في المدينة، إذ تأتي المعركة الحالية بعد نحو 21 عاماً من معركة جنين الشهيرة، أي أن أبناء المقاومين ومن شاهد هذه المعركة هم في الغالب من يخوضون المعركة الحالية.
كانت جنين معقلاً للجهاد وكذلك لفتح التي لعب جناحها المسلح كتائب شهداء الأقصى (إضافة للجهاد) دوراً كبيراً في معركة جنين 2002، وبعد تدمير إرئيل شارون للمقاومة في الضفة، وفرض السلطة الفلسطينية سيطرتها على الضفة ومنعها المقاومة المسلحة، بدا أن المقاومة في جنين تحديداً أمر غير متوقع.
ولسنوات مكنت قبضة حركة فتح على منطقة جنين الكبرى كل من السلطة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي من مراقبة تطوراتها عن كثب، على عكس المدن التي تتلقى فيها حماس المزيد من الدعم، مثل الخليل ونابلس، حسب تقرير صحيفة Haaretz.
ولكن في جنين مثل بقية المناطق الأخرى في الضفة، يبدو الجيل الجديد محبطاً من فشل التسوية السياسية واستسلام السلطة الفلسطينية لهذا الواقع، وتحولها لقوة لتوفير الأمن لإسرائيل مع فسادها المشهود، وزاد الأمر صعوبة على السلطة أن أجواء المقاومة الحالية في الضفة ومنها جنين، تصدر من أوساط وشباب قريب لفتح ومحسوب عليها ما يجعل عملية قمعها من قبل السلطة محرجة، إذ عادةً تتحمس السلطة لقمع أي نشاط سياسي أو عسكري لحماس أكثر من أي شيء باعتبارها غريمتها السياسية.
غير أن حماس أصبح لها وجود في جنين، كما يبدو أنها تعمد لمساعدة الفصائل الأخرى بما فيها تلك المنبثقة عن أجواء فتحاوية، خاصة أن الجيل الجديد من هذا الشباب لم يشهد الانقسام الفلسطيني المرير، وما يهمه المقاومة التي يرى حماس تقودها في غزة بينما السلطة وفتح تقمعها في الضفة.
وخلال السنوات الماضية تصاعد العنف الإسرائيلي بحق جنين.
بالقرب من المدينة يقع مخيم جنين للاجئين الذي يقطنه حوالي 10 آلاف شخص، ويشغل المخيم المكتظ أقل من كيلومتر مربع واحد. منذ عملية الرصاص المصبوب (2008-2009) حتى فبراير/شباط 2023، قُتل 45 من سكان منطقة جنين على أيدي قوات الأمن الإسرائيلية، بحسب معطيات منظمة بتسيلم. منذ مارس/آذار من هذا العام، قُتل ثمانية فلسطينيين في منطقة جنين على يد الجيش الإسرائيلي خلال عمليات الاعتقال، ادعت إسرائيل بأنهم منخرطون في عمليات للمقاومة، ويفرض الاحتلال عقاباً جماعياً على المدينة كلما وقعت عملية مقاومة.
قامت حركتا وحماس والجهاد طوال فترة إغلاقات التي استمرت لمدة عام، بدعم سكان المخيم في ظل تدهور اقتصاد المدينة، وتوسعت عمليات تهريب السلاح وإطلاق النار على قوات الجيش الإسرائيلي في المنطقة. وتدفقت الأسلحة على المدينة المشبعة بالفعل مثل أسلحة M16 و AK47 والمسدسات والأسلحة المصنوعة محلياً مثل "كارلو".
كيف ساهمت صفقة القرن في صعود المقاومة في جنين؟
بعد فترة وجيزة من حدوث جائحة كورونا، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس تعليق التنسيق الأمني مع إسرائيل بسبب "صفقة القرن" التي أطلقها الرئيس دونالد ترامب. أثر ذلك على العمليات الأمنية على الجانبين، كما امتنعت السلطة الفلسطينية عن التحركات العلنية التي يمكن تفسيرها على أنها مساعدة لإسرائيل، وقلص الجيش الإسرائيلي وجوده في المنطقة، وامتنع عن دخول المدن إلا لعمليات محددة.
في أعقاب جولة القتال الأخيرة بين إسرائيل وحماس، اضطرت حماس للتركيز على إعادة بناء قطاع غزة وواجهت صعوبات في الحفاظ على سيطرتها على جنين ومخيم اللاجئين نتيجة لذلك، فإن مسؤولية تهريب الأسلحة وشن الهجمات في المنطقة انتقلت إلى الجهاد الإسلامي وحتى الجماعات المسلحة الأقل تنظيماً، حسب الصحيفة الإسرائيلية.
أقيمت جنازة كبيرة لوزير سابق من حماس في جنين في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 تحت رعاية الحركة، في ذلك الوقت كانت إسرائيل والسلطة الفلسطينية قد أعادتا للتو ترسيخ علاقاتهما الأمنية، وحذرت شخصيات أمنية إسرائيلية رجال عباس من أن حماس تخطط لاستعراض القوة وتحدي عباس وأنه سيشارك في الجنازة نشطاء مسلحون وملثمون من حماس. وطالب الرئيس الفلسطيني بإلغاء الجنازة، لكن أهالي المخيم أبدوا معارضتهم الشديدة، وفشلت أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في إيقافها.
رداً على ذلك، طرد عباس العديد من كبار القادة في منطقة جنين، واستبدلهم برجال يعتقد أنهم أكثر ولاءً للسلطة الفلسطينية، لكنه سرعان ما أصيب بخيبة أمل في غضون أسابيع قليلة، حيث تبين أن القيادة الجديدة أيضاً أدركت حدود القوة عند التعامل مع الجماعات المقاومة في جنين ومخيمها.
ما هو هدف الهجوم الإسرائيلي على جنين؟
في الأربعاء 21 يونيو/حزيران بعد عملية متعثرة للجيش الإسرائيلي في جنين، أعقبها مقتل 4 مستوطنين في هجوم فلسطيني قرب مستوطنة عيلي جنوب نابلس في شمال الضفة الغربية المحتلة، دعا وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد المقاومة الفلسطينية، بما في ذلك تدمير منازلهم.
ولكن في ذلك الوقت، قللت المصادر الإسرائيلية والفلسطينية من احتمالات تنفيذ عملية واسعة في جنين وتوقعت حدوث عمليات اغتيال محدودة فقط، حيث قالت صحف إسرائيلية أن جيش الاحتلال لا يريد تنفيذ عمليات واسعة في الضف خوفاً من انهيار السلطة الفلسطينية التي ما زال يستفيد من تعاونها الأمني معه.
ولكن اللافت أنه فيما يتعلق بالعملية الأخيرة، ذكر تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، أن جيش الاحتلال خطط للعملية في جنين منذ نحو عام.
يعد ذلك مؤشراً أن هذه التسريبات التي كانت تستبعد عملية واسعة الشهر الماضي كانت هدفها خداع المقاومة في جنين وطمأنتها، وخاصة أن العملية الأخيرة، تمت بشكل مفاجئ، وحسب ما صدر من الجيش الإسرائيلي فإنها بها تلميحاً إلى أنه باغت المقاومة رغم أن الأخيرة تنفي ذلك.
واجتمع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت مع كبار القادة العسكريين وقال إن العملية "تسير كما هو مخطط لها". وقال إن إسرائيل وجهت "ضربة قاسية" للجماعات المسلحة المحلية لكنه لم يشر إلى موعد انتهاء التوغل.
وقال اللفتنانت كولونيل ريتشارد هيشت، المتحدث باسم الجيش، إن الهدف من العملية هو تدمير ومصادرة الأسلحة. وقال: "نحن لا نخطط للبقاء في جنين". "نحن نعمل ضد أهداف محددة."
وتزعم مصادر أمنية إسرائيلية أن العملية قد "تحقق الأهداف في غضون 48 ساعة"، حسبما نقلت عنها صحيفة هآرتس الإسرائيلية التي أشارت إلى أنه تم تعزيز الدفاعات الجوية الإسرائيلية تحسباً لإطلاق صواريخ من غزة
لا يمكن الوقوع في الفخ الإسرائيلي مرتين، فالمزاعم أن العملية قصيرة المدى قد تكون خدعة لمنع توسع الردود الفلسطينية والدولية، وجعل المقاومين الفلسطينيين يتطلعون لأن تنهيها إسرائيل دون أن يستعدوا لمقاومة طويلة في مواجهة حملة إسرائيلية موسعة.
قد تكون الظروف مختلفة مقارنة بمعركة جنين الاولى عام 2002، حيث كان يحكم الولايات المتحدة جورج بوش الابن أكثر رؤسائها تطرفاً ضد العرب والمسلمين، والذي كان يدعم العنف الإسرائيلي بينما يوجد في واشنطن الرئيس جو بايدن الذي يرفع شعارات حقوقية وينتقد بنيامين نتنياهو، وهذا قد يجعل يد إسرائيل مغلولة ولو قليلة في تنفيذ عمليات عنيفة تشمل هدم واسع للمخيم وقتل جماعي كما فعلت عام 2002.
ولكن في المقابل، في حكومة إسرائيل حالياً مجموعة وزراء متطرفون يتباهون بدعواتهم التحريضية ضد العرب، كما أن أمريكا عادة لا تتعدى مواقفها الإعراب عن القلق وفي أحيان نادرة التنديد.
في الأغلب هدف إسرائيل من الهجوم على جنين سيتوقف على مسار المعارك، كلما زادت شراسة المقاومة، واحتمال وقوع عدد كبير من الضحايا المدنين الفلسطينيين وعمليات تدمير واسعة، للمباني، والأهم احتمال وقوع خسائر إسرائيلية إضافة لاحتمال حدوث ردود فعل انتقامية من الضفة وغزة، كلما تراجعت طموحات العملية الإسرائيلية إلى مجرد تصفية عدد من المقاومين ومصادرة بعض الأسلحة، وخاصة أن المقاومة مدعومة هذه المرة بالخبرة الكبيرة التي اكتسبتها حماس والجهاد في غزة في مقاومة التوغلات والهجمات الإسرائيلية.
ولكن هذا السيناريو المحدود يتطلب أن يفترض المقاومون الأسوأ وهو عملية إسرائيلية واسعة ومدمرة وطويلة لكي يؤهلوا أنفسهم للصمود أمامها أطول فترة ممكنة، حتى يمنعوا تكرار مذبحة جنين مجدداً.