تتوقع أوكرانيا أن تتلقى دعوة للانضمام إلى حلف الناتو خلال شهر يوليو/تموز 2023، من خلال "مسار الانضمام الميسر"، فماذا يعني ذلك؟ وكيف يمكن أن يأتي رد روسيا على التصعيد الخطير؟
ويرتبط الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة" بينما يصفه الغرب بأنه "غزو عدواني غير مبرر" ارتباطاً وثيقاً بقضية انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، وبالتالي فإن فتح الحلف العسكري الغربي الباب أمام انضمام كييف بالفعل سيكون له على الأرجح تداعيات خطيرة للغاية، بحسب جميع المراقبين شرقاً وغرباً.
ماذا يعني "الانضمام السريع" لحلف الناتو؟
تمر عملية دخول أي دولة جديدة في عضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو) بمراحل متعددة تستغرق وقتاً طويلاً يصل إلى سنوات وربما عقود، حيث لا بدَّ للدولة المرشحة للعضوية أن تلبي شروط الانضمام للحلف أولاً، وهذه الشروط ليست فقط مرتبطة بالشق العسكري لكنها أيضاً شروط سياسية واقتصادية واجتماعية أيضاً.
لكن "المسار السريع للانضمام لحلف الناتو" يتغاضى عن كثير من تلك الشروط وربما أغلبها أيضاً ليصبح الأمر فقط منوطاً بموافقة جميع أعضاء الحلف العسكري لتنضم الدولة المرشحة تلقائياً.
وتنظم المادة 10 من ميثاق حلف الناتو عملية انضمام أعضاء جدد وشروط تلك العملية، إذ تنص المادة على أنه يسمح فقط بضم "دول أوروبية أخرى"، ومن خلال اتفاقيات لاحقة، كما تنص على أنه "يجب على الدول الراغبة بالانضمام تحقيق شروط معينة وإكمال عملية متعددة الخطوات تتضمن حواراً سياسياً وتكاملاً عسكرياً. ويشرف مجلس شمال الأطلسي (الناتو) على عملية الانضمام"، والمجلس بمثابة الجهاز الإداري لحلف الناتو.
وحالياً يضم الناتو 31 عضواً هم الولايات المتحدة الأمريكية وكندا من قارة شمال أمريكا، إضافة إلى 29 دولة أوروبية، كانت آخرها فنلندا، التي انضمت رسمياً مطلع أبريل/نيسان الماضي بعد موافقة تركيا، التي كانت رافضة في البداية، بينما لا تزال السويد، التي تقدمت بطلب العضوية مع فنلندا، في انتظار أن توافق تركيا والمجر.
ولا يمكن قبول عضوية أي دولة في حلف الناتو إلا بموافقة جميع أعضاء الحلف العسكري الغربي، الذي تقوده الولايات المتحدة وتتحكم إلى حد كبير في عملية اتخاذ القرار في أروقته، وبالتالي فإن موقف واشنطن يحدد إلى حد كبير للغاية موقف الدول المرشحة للانضمام إلى الحلف.
أما "المسار السريع للانضمام" فهو يعني – كما يشير المصطلح نفسه – أن عملية الانضمام للناتو تسير بسرعة وتتغاضى عن كثير من الشروط وعمليات المراجعة والتدقيق، وهو ما حدث مع فنلندا والسويد، رغم أن الأخيرة لا يزال عليها مواجهة الاعتراضات التركية أولاً كي تحظى بموافقة أنقرة.
ومنذ عام 2019، يعترف حلف الناتو رسمياً بوجود 4 دول أوروبية مرشحة لعضويته هي البوسنة والهرسك وجورجيا ومقدونيا الشمالية وأوكرانيا، لكنَّ أياً من الدول الأربع لم تحصل بعد على "ورقة ترشيح رسمية" تفتح الباب أمامها للانضمام للحلف، إذ إن هناك شروطاً ومراجعات لا بدَّ من استيفائها أولاً وقد تستغرق عقوداً طويلة وليس سنوات فقط.
ما هو وضع أوكرانيا حالياً من الانضمام للناتو؟
هذا السؤال تحديداً تكمن فيه أسباب الحرب الكارثية التي اندلعت منذ فبراير/شباط 2022 بين روسيا وأوكرانيا، والتي لا تزال مستمرة ويدفع العالم بأسره ثمناً باهظاً للغاية من جرائها. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرى أن توسع الحلف العسكري الغربي في أوروبا الشرقية بشكل عام يمثل تهديداً خطيراً لأمن روسيا.
وترجع جذور هذه القصة إلى فترة الحرب الباردة بين المعسكر الغربي بقيادة واشنطن والمعسكر الشرقي أو الشيوعي بقيادة موسكو منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى مطلع تسعينات القرن الماضي عندما انتهت تلك الحرب بتفكك وانهيار الاتحاد السوفييتي وحل "حلف وارسو"، الذي كان بمثابة المقابل الموضوعي لحلف "الناتو".
وفي هذا السياق، كان موقع Responsible Statecraft الأمريكي قد نشر تقريراً، قبيل بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، عنوانه "بوتين يرسم خطاً أحمر جديداً لمنع الناتو من التوسع شرقاً إلى أوكرانيا"، كشف فيه عن وثائق أمريكية وسوفييتية وأوروبية رُفعت عنها السرية مؤخراً تفيد بأن وزير الخارجية الأمريكي، جيمس بيكر، أكَّد للرئيس السوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، في عام 1990 أن الناتو لن يتوسع "بوصة واحدة" شرق ألمانيا، وآنذاك، كان هذا هو الخط الأحمر لروسيا.
لكن بعد ثلاثين عاماً، وفي 2 ديسمبر/كانون الأول 2021، تحوَّل هذا الخط الأحمر من بوصة واحدة إلى نحو 965 كيلومتراً، بعد أن ضم الحلف العسكري الغربي كثيراً من دول أوروبا الشرقية، التي كانت يوماً ضمن "حلف وارسو"، وأعلن فلاديمير بوتين أنه يسعى للحصول على وعد بأن حلف الناتو لن يتوسع شرقاً ليضم أوكرانيا، التي تعتبر الباحة الخلفية لروسيا وتتشاركان معاً في حدود برية تزيد عن 1570 كلم.
ومن وجهة نظر بوتين، يمثل انضمام أوكرانيا إلى الحلف العسكري الغربي تهديداً وجودياً للاتحاد الفيدرالي الروسي، ومن ثم طلب بشكل مباشر من نظيره الأمريكي ضمانات قانونية ملزمة بأن كييف لن تنضم يوماً إلى حلف الناتو، وهو ما رفضه جو بايدن قائلاً إنه "لا يقبل خطوطاً حمراء من أحد"، وهكذا اندلعت الحرب الأكبر في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
وترى روسيا الآن أن "العملية العسكرية الخاصة"، كما تصف الحرب في أوكرانيا، قد تحولت بالفعل إلى مواجهة مع الغرب وحلف الناتو بقيادة أمريكا، التي تسعى لإضعاف روسيا للأبد، وأعلن بوتين في أكثر من مناسبة أن بلاده سوف تستخدم ترسانتها النووية الأكبر في العالم للدفاع عن وجودها إذا ما اقتضت الضرورة ذلك. وعبر بايدن نفسه في أكثر من مناسبة عن اعتقاده بأن تهديدات بوتين النووية "حقيقية تماماً" وليست مجرد مناورات.
وكان تقرير لمجلة الإيكونوميست قد أوضح أن الحصول على العضوية هو "إلى حد كبير مسألة تقديرية سياسية، وقبل كل شيء يخضع لرغبة الولايات المتحدة، أكبر مساهم في الحلف والضامن النهائي له، والتي توسّع ردعها النووي من خلاله".
هل يفتح الناتو الباب أمام ضم أوكرانيا؟
منذ بدأت الحرب في أوكرانيا، تضغط حكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي بشتى الطرق كي تحظى بعضوية حلف الناتو، على أساس أن كييف تقف الآن في وجه ما يصفه بالعدوان الروسي على الديمقراطية، ويصف زيلينسكي نفسه وبلاده في جميع المناسبات بأنهم "يدافعون عن العالم الحر".
لكن انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو يعني باختصار أن الحلف العسكري الغربي ملزم، بموجب المادة 5 من ميثاقه، بالدفاع عن أوكرانيا، حيث تنص تلك المادة الشهيرة على أن "أي اعتداء على دولة عضو في حلف شمال الأطلسي هو بمثابة اعتداء على أعضاء الحلف جميعاً"، مما يستوجب تقديم الأعضاء جميع الإمكانيات المطلوبة لرد ذلك العدوان.
وقبيل قمة الناتو المقررة يومي 11 و12 يوليو/تموز المقبل في عاصمة ليتوانيا، فيلينيوس، تضغط كييف بشدة كي يعلن الحلف العسكري الغربي عن منح أوكرانيا "المسار السريع للانضمام"، وهو المسار نفسه الذي تم تقديمه إلى فنلندا والسويد العام الماضي.
وقال مسؤول أوكراني كبير قبل أيام إن كييف تتوقع أن تتلقى دعوة صريحة للانضمام لحلف شمال الأطلسي بتسهيلات عندما يعقد الحلف العسكري قمته الشهر المقبل في ليتوانيا، بحسب رويترز.
أندريه يرماك رئيس مكتب الرئيس الأوكراني زيلينسكي أوضح مجدداً موقف أوكرانيا فيما يخص الانضمام لحلف الناتو في تصريحات نُشرت في أعقاب انتهاء محاولة التمرد الفاشلة التي قام بها يفغيني بريغوجين زعيم مجموعة فاغنر العسكرية الأسبوع الماضي.
وقال يرماك في إفادة لوسائل إعلام ألمانية: "موقف أوكرانيا يتمثل في انتظارها تلقي دعوة للانضمام الميسر في القمة التي تُعقد في يوليو/تموز. الأهم من كل ذلك أننا نود أن نتلقى إشارة صريحة من شأنها أن تمهد الطريق أمام انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي".
وأشار تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية، عنوانه "أعضاء الناتو يدعمون منح أوكرانيا المسار السريع للانضمام"، إلى موقف المملكة المتحدة الداعم بشدة لهذا التوجه.
ونقلت الصحيفة تصريحات لجيمس كليفرلي، وزير الخارجية البريطاني، يقول فيها إن "جميع أعضاء الناتو يدعمون خطة إعطاء أوكرانيا مساراً سريعاً للحصول على عضوية الحلف، على غرار ما حدث مع السويد وفنلندا مؤخراً".
جاء حديث كليفرلي خلال مؤتمر خاص بإعادة إعمار أوكرانيا استضافته لندن مؤخراً، قال خلاله إن المملكة المتحدة "تدعم وبشدة" إعطاء الفرصة لأوكرانيا للانضمام لحلف الناتو دون الحاجة لتنفيذ الشروط المعتادة المنصوص عليها في خطة العمل للانضمام للحلف العسكري الغربي.
لكن حقيقة الأمر هي أن تصريحات كليفرلي قد لا تكون دقيقة، حيث لا تعكس بالفعل موقف جميع أعضاء الحلف. فوزيرة الخارجية الفرنسية، كاثرين كولونا، كانت أكثر اندفاع من نظيرها البريطاني، وقالت خلال نفس المؤتمر إن "الظروف قد تغيرت كثيراً عما كانت عليه عام 2008 عندما وافق الحلف من حيث المبدأ على أن تترشح كييف للعضوية شريطة تنفيذ جميع الشروط المنصوص عليها في خطة العمل الخاصة بالعضوية".
ماذا عن موقف واشنطن؟ تشير جميع التقارير، حتى الآن، إلى تحفظ إدارة جو بايدن على منح أوكرانيا "المسار السريع للانضمام لحلف الناتو"، لأن ذلك يعني على الأرجح تحول الحرب في أوكرانيا إلى مواجهة مباشرة بين الناتو وروسيا، وهو ما سعت واشنطن إلى تجنبه منذ اندلاع الحرب حتى الآن، رغم تقديم دعم عسكري غير مسبوق لأوكرانيا.
الخلاصة هنا هي أن زيلينسكي يضغط بقوة للانضمام إلى حلف الناتو، ويبدو أنه يحظى بدعم بريطاني غير مشروط في هذا الاتجاه، وربما يكون هذا هو موقف باقي أعضاء الناتو من دول شرق أوروبا، وبخاصة بولندا وليتوانيا، لكن الموقف الأمريكي لا يزال غير واضح أو معلن، والسؤال: ماذا لو قرر بايدن منح أوكرانيا المسار السريع للانضمام للناتو فعلاً؟ كيف سيكون الرد الروسي؟