"لازم تجيبي صيني في الجهاز عشان أهل العريس ما ياكلوش وشك ويضحكوا عليكي"، "ادبح لها القطة ووريها العين الحمرا"، "جوزك على ما تعوديه"، "الراجل ما يعيبوش إلا جيبه"، "الست ملهاش إلا بيتها"، "كل اللي يعجبك والبس اللي يعجب الناس".
تربَّينا جميعاً على مجموعة من العادات والتقاليد التي تفتقر إلى المنطقية، والتي يعتبر البعض فعلها واجباً مقدساً بغضِّ النظر عن أهميتها أو الاقتناع بها، لكن البعض الآخر لا يجدها إلا سبباً رئيسياً في التأخر والانحطاط الذي أصاب مجتمعاتنا، على الرغم من أنه كان يجب علينا تجاوز ذلك منذ زمن.
ما الفائدة من الحرص على إرضاء الناس والتخلي عن حريتك في اعتقاد ما ترغب وتبني ما تريد من مواقف؟ ما الحكمة من وراء اتباع الغير لمجرد أنهم أكبر سناً، أو أعلى مركزاً، أو أنك قد يطالك اللوم لمجرد أنك اتَّبعت أسلوباً أو طريقة تفكير مختلفة.
في بلادنا يسود الهوس بفكرة ماذا يعتقد الناس أو يظنون عنّا، أو كيف يروننا هي الغاية الأسمى، نتكلم وفق ما يعجب الناس، ونلبس كيفما يتفق وأذواقهم، ونتزوج بحسب أهوائهم.
لقد أنتج مجتمعنا شخصيات باهتة بلا لون أو طعم أو رائحة، حيث تكاد ترى الناس وحدة واحدة بسبب التقليد الأعمى، والحرص على عدم مخالفة الإجماع حول الموروثات.
السبب في ذلك أننا نتعلم ألا نكون صادقين مع أنفسنا، ولا نعبر عن مشاعرنا الحقيقية، نتعلم أن نجمّل صورنا بحسب ما يريده الناس أو يتوقعونه من جانبنا، نحن نفقد بهذه التصرفات قيمة الصدق، ونعيش حالة من الازدواجية بين ما نؤمن به وما يجب أن نتصرف وفقاً له، لا قيمة لقناعاتنا الشخصية ما دامت لا ترضي الناس؛ لذلك أصبح النفاق أسلوب حياة، وأصبح إرضاء الناس غاية تُدرك في حد ذاتها دون التوقف للحظة والتساؤل بصدق عن فائدة ما نقوم به أو مدى تأثيره على شخصياتنا وطريقة تعاملنا مع الحياة.
في مجتمعنا يُعد الصمت في حضرة الناس وعدم مجاراتهم فيما يثرثرون فيه جريمة، وكأن المجاملات الفارغة والترحيب المبالغ فيه هي دليل ود وألفة، أما إذا اخترت أن تكون منطقياً وتتحدث فيما يصلح فقط، فسوف يصفك الجميع بالتعالي والغرور.
في بلادنا لا تستطيع أن تعبر عن آرائك بصدق، ويجبرك الجميع بسبب الأعراف والتقاليد السخيفة على قول ما يناسب الفئة التي تتحدث إليها، بغضّ النظر عن وجهة نظرك الشخصية، المهم ألا تُغضب من حولك، خاصة إذا كانوا من جيل مختلف أو تربطك بهم مصلحة ما.
في بلادنا لا بد أن تنتمي إلى مجموعات ما حتى لا تُوصف بأنك شخصية منطوية أو منعزلة.
أما عن الزواج فحدِّث ولا حرج، تفشل كثير من الزيجات بسبب الحرص على المظاهر الاجتماعية الزائفة؛ إذ إن كل طرف يُظهر للطرف الآخر ما يجعله مقبولاً للزواج اجتماعياً، بغضِّ النظر عن الشخصية الحقيقية التي يحملها في داخله؛ لذلك يُظهر كلُّ طرف بعد الزواج ما كان يُخفيه وتتوالى المشكلات، ثم نلجأ في حلِّها إلى الأعراف البالية والتقاليد نفسها التي تطالب الزوجة بالتغاضي عن هفوات زوجها والصبر، بغضِّ النظر عن التكلفة الباهظة التي ستنوء بها إذا اختارت الانفصال مثلاً، أو تأثر نفسية الأطفال بما يحدث.
من جهة أخرى، نُبرر للزوج كلَّ ما يفعله بحجة أنه الرجل، فأين المنطق وراء تلك المواقف؟
هي هي الموروثات ذاتها التي تشجع الزوجة على بذل كل جهدها لتسيطر على الزوج، وتستعين بأهلها في كل صغيرة وكبيرة للتدخل، وهي تظن أنها الطريقة المثلى للامتلاك، مع أن هذه الممارسات التي يضيق بها أي شخص عاقل هي الطريق الأمثل للفشل.
من ناحية أخرى، تتوقف كثير من الزيجات بسبب الاختلاف على ماديات تافهة، لمجرد أننا توارثنا وجودها في حياتنا، بغضِّ النظر عن مدى أهميتها أو احتياجنا لها.
في مجتمعنا لا نستطيع مواجهة التحرش؛ لأننا نشأنا على أن ما يتعلق بالجسد فضيحة لا بد من إخفائها، فتؤثر المرأة الصمت خجلاً، ويواصل المتحرش ممارساته بلا رادع.
في بلادنا إذا عجزنا عن تبرير تصرف ما نصفه بأنه "عيب"، حتى لا نضطر إلى تقديم إجابات منطقية حول التساؤلات المتعلقة بهذا التصرف أو الهدف من منعه أو تحريمه.
في بلادنا نقدس السلطة الأبوية بطريقة مطلقة، تورثنا من السلبية ما يجعلنا عاجزين عن مواجهة مَن يقهروننا في المدارس، ومن يرأسوننا في العمل، وأخيراً من يحكموننا.
ما سبق هو مجرد أمثلة على واقع أليم، قد يكون تغييره صعباً، ولكنه ليس بمستحيل.
مثلاً، في الغرب، لا نجد مثل تلك الممارسات؛ لأن القيمة العليا التي تحكم كل شيء هي الحرية الفردية، فيما لا يسبب ضرراً للآخرين.
نجح الغرب في خلق مجتمعات وشخصيات إنسانية سوية تؤمن بالتحرر من القيود، فوصلت إلى مرحلة من النضج مكَّنتها من النجاح في الحياة والاختيار وفق المبادئ الإنسانية.
في الغرب كل إنسان يحترم الآخر، أنت لست مجبراً على اتباع طريقتي في الحياة أو تبنِّي أفكاري، لن تجد مَن يدفعك نحو اتباع نهج معين، لمجرد أنه الصحيح من وجهة نظره على الإطلاق.
في الغرب يعبرون بحرية عما يريدون، ويحترمون خياراتك في الحياة بغضِّ النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معك.
الحقيقة أن أمامنا الكثير لمواجهة أنفسنا بصدق، وإعادة تشكيل حياتنا الاجتماعية وأعرافنا وقيمنا وفق المنطق والعقل، نحتاج الكثير والكثير للتخلص من مخزون السلبية والجهل الذي تراكم عبر قرون، نحتاج عقولاً واعية حرة ملتزمة بالمبادئ الإنسانية، هدفها التغيير للأفضل.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.