تذكرني حكاية محمد رمضان وخروجه كل فترة بكليب جديد يمجد فيه نفسه بالقصة الأدبية الشهيرة دون كيشوت.
فنرى دون كيشوت يرتدي خوذته ويمتطي حصانه وبجانبه سيفه ورمحه عازماً على أن يعيد سيرة الفرسان الأولى، التي قرأ عنها كثيراً وأغرم بها، وكعادة الفرسان جلب مساعداً له، وبدأ رحلة يكون فيها فارساً وينقذ العالم من الشرور والأخطار والآثام، لكنه لم يعثر على عدو يصلح لمحاربته، وبعد فترة وجد طواحين الهواء وكان أول مرة يراها، فأعتقد أنها شياطين ذات أذرع هائلة وسبب الشرور في الأرض، فأسرع بحصانه وصراخ مساعده المُحذرة خلفه، لكنه لم يبالِ وغرس سيفه في الطاحونة، فرفعته إحدى أذرعها ودارت به وأسقطته أرضًا فكسّرت عظامه (1).
هجوم على المنافسين وغرور زائد في الفن
تغير محمد رمضان في طريقة عرضه لنفسه منذ إعلانه "أقوى كارت في مصر" مع شركة اتصالات، الذي يشتمل على الكثير من الهجوم على المنافسين، وإظهار مدى الروعة الذاتية، فنراه يصف المنافسين بالجبن والضعف، ويصف نفسه بالشجاع والمسيطر على الجميع، وفي تحدٍّ صريح مغرور يختتم الإعلان بقوله: "البقاء للأقوى"، هذا منطقي ومقبول في إعلان لشركة معينة لها منافسون واضحون، لكن يبدو أن محمد أحب هذا الشكل، وقرر أن يكمل عليه بمزيد من الأغاني والكليبات؛ للرد على أعدائه الذين يخلقهم كل يوم من العدم.
الغريب واللافت للنظر، أن آلية استعراضه بعيدة كل البُعد عما يريد أن يظهره، فالفن الذي يقول إنه على قمته لا يستعرضه إطلاقاً، فالكليبات جميعها تشتمل على مظاهر ثراء فاحشة زائدة عن الحد، كأنه يشتاق ليظهره من حين لآخر، فنراه مرة يملأ سيارة بالماء كأنها حوض سباحة وينام بها، أو يسبح فوق سرير كامل بمفارشه، وهذا يعبر عنه بنفسه عندما يطفو فوق عوامة تأخذ شكل الطاووس المتباهي بريشه، وهذا ما كان لا يظهره بتلك الفجاجة فيما سبق.
فكان الجزء الأول من أغنيته "نمبر وان" تبدأ بتوزيع مختلف لموسيقى فيلم godfather ثم ينتقل لأقوال من الذين يهاجمونه، ونرى خلفه الجوائز الفنية المتنوعة التي فاز بها، ثم يعرض مشاهير يمدحونه وتنبأوا له بمستقبل واعد، بمن فيهم الفنان العالمي عمر الشريف، وبعدها ينطلق في الغناء لنجاحه.
أما في الكليب الجديد يبدو أنه تخطى هذه النقطة تماماً واتجه للغناء لنفسه مباشرة.
مظاهر رجولية
يحب محمد رمضان أن يُظهر في أفلامه رموزاً يعتقد أنها تعبر عن الرجولة، وهنا يقرر أن يضعها كلها مرة واحدة، فنرى في كليباته الخاصة أنه الرجل الوحيد داخل الكادر، وكل من حوله فتيات يتمايلن ويرقصن حوله في سعادة بالغة، والمسدس الذي تجده معه ويشير له كثيراً مثل أغنية نمبر وان "جريوا لما سمعوا صوت عياري"، ثم يضرب بمسدسه تجاه الكاميرا ثم يعم الصمم من قوة صوت الرصاصة، ويعود الصوت لطبيعته مع حركة استعراضية بالمسدس من جديد، وإظهار نصف جسده الأعلى عارياً دوماً، مستعرضاً عضلاته والسلاسل تهتز من حولها.
وظهور الأسود وأشبالها في كل مكان حوله وهو يداعبها، ويشير لنفسه على أنه الأسد وخصومه على أنهم قطط، والسيارات الفارهة الموجودة وتشبيه نفسه بها، فمرة يكون فيها سيارة فيراري، وأخرى سيارة لامبورغيني، ويشبه خصومه حسب تعبيره "بالمكنة الصيني"، هذا ما يضعه في تناقض ما بين كلمات أغانيه، حين يعرض بداية مسيرته وكيف أن الكثير أحبطوه؛ ليثنوه عن حلمه بقولهم إن بحر الفن مليد بالحيتان التي لن تتركه يظهر لكنه تخطاهم، بينما هو بنفسه يضع هذا الحاجز المجازي أمام الآخرين.
إخراج الكليبات
استخدم حسام حسيني، مخرج "نمبر وان" و"أنا الملك"، الكثير من الأدوات التي تساعد محمد رمضان في نقل الصورة التي يريدها، فدوماً ما يظهر في زاوية منخفضة "low angle" التي تظهره مهيباً ضخماً وقوياً.
ويغلب على شكل إخراجه شكل من أشكال كسر قواعد الإخراج السينمائي، فقام المخرج حسام الحسيني باستخدام الزووم أثناء التصوير، أو إظهار الإضاءة واضحة في انعكاسات المرايا والنظارات التي يرتديها محمد رمضان، وإظهار ظلال معدات التصوير بشكل واضح في الكادر، كأنه يتوافق مع كلمات الأغاني التي تقول فحواها إنه قلب الموازين، وهذا يسبب إزعاجاً لمنافسيه.
كليب آخر دون داعٍ
نستطيع أن نتفهم ونتقبل موعد نزول كليب "نمبر وان" على الإنترنت، فتوقيت نزوله كان بعد موسم رمضان السابق، الذي احتل فيه مسلسل محمد رمضان "نسر الصعيد" الصدارة فيه ( 2)، وتلقى العديد من الإشادات والكثير من الانتقادات عليه، فخرج ليرد عليهم بطريقته،
لكن توقيت نزول كليب أنا الملك يثير التساؤلات، هل الرجل لا يجد شيئاً يفعله، أم له علاقة بموسم الأفلام القادم في عيد الأضحى؟ فبينما طرح عدد من الفنانين إعلانات لأعمالهم التي ستعرض في هذا الموسم، مثل آسر ياسين في تراب الماس، ويوسف الشريف في بني آدم، يظل "الديزيل" فيلمه الجديد لم يُحدد موعد لنزوله بعد ولم يتم تأكيد خروجه من سباق هذا الموسم أم لا، بينما قال محمد رمضان في لقاء سابق إن نزول الفيلم سيكون في عام 2018 في العيد الصغير – عيد الفطر – أو العيد الكبير – عيد الأضحى – ( 3).
في النهاية يبدو أن محمد رمضان يُكلم في أغانيه أشخاصاً غير موجودين، فيخاطبهم مرة بالجماعة ومرة بالمفرد، ويظهر ليستعرض أمامهم حتى في أوقات هم لا يكونون منشغلين به إطلاقاً، ولا يُظهر أي نوع من أنواع التفرقة بين النصيحة والنقد والهجوم، جميعهم يظهرهم سواء، والكل أعداؤه، وكأنه لو لم يكن لديه أعداء لصنعهم أو توهمهم بنفسه.
تنتهي قصة دون كيشوت، بأن يجد نفسه أضاع عمره، ويعلم أنه غبي ولا فائدة مما فعل، فخلق من نفسه فارساً مزيفاً وحارب أعداء وهميين، وتحسر على ما قرأ وتمنى أنه قد قرأ شيئاً ينير الروح، ومات من أثر حمى على فراشه وحيداً.
المصادر
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.