تحمل رقصة "باليه بحيرة البجع" رمزية في الذاكرة الروسية، إذا ترتبط لديهم بالتوترات التي تشهدها البلاد وحالة عدم الاستقرار فيها، ومحاولات الانقلاب، والآن مع إعلان مجموعة مرتزقة "فاغنر" الروسية تمردها على الجيش الروسي، بات السؤال عما إذا كانت روسيا والعالم ستشاهد مرة أخرى على شاشات التلفاز رقصة "البجع".
في أغسطس/آب عام 1991، علم مواطنو الاتحاد السوفييتي بأن هناك شيئاً خاطئاً على نحو خطير في موسكو، وحينما أداروا أجهزة التلفاز لديهم، عرضت شاشات القنوات الروسية فرقة باليه روسية تؤدي باليه "بحيرة البجع" للمؤلف الموسيقي الروسي تشايكوفسكي.
كانت الرقصة تُعرض بلا انقطاع وبصورة متكررة، إذ شهدت البلاد في أغسطس/آب 1991 بداية محاولة انقلاب، وبينما كان الجنود ينتشرون في شوارع العاصمة الروسية، كانت شاشات التلفاز تعرض "رقصة البجع".
خلال محاولة الانقلاب تلك، حاول أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي المتطرفين، ومن ضمنهم نائب الرئيس آنذاك، غينادي ياناييف، الاستيلاء على السلطة من رئيس الاتحاد السوفييتي آنذاك والأمين العام للحزب، ميخائيل غورباتشوف.
اعتُقل غورباتشوف عندما حاول المتشددون التراجع عن الإصلاحات التي نفذها، ومنع التوقيع على معاهدة اتحاد الدول ذات السيادة باتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية.
لكن بدلاً من سيطرة ياناييف على السلطة، حث أحد منافسي غورباتشوف السياسيين، وهو بوريس يلتسين، المواطنين السوفييت بالتصدي لمحاولة الانقلاب ومقاومتها، وقد فعلوا ذلك.
لقي حينها 3 محتجين مصرعهم في الاشتباكات التي استمرت لثلاثة أيام ضد الجيش، لكن ياناييف والأشخاص الآخرين الذين وقفوا خلف محاولة الانقلاب رضخوا في نهاية المطاف، وأُطلق سراح غورباتشوف. وتوقفت البجعات عن الرقص.
بعد أشهر قليلة، انحل الاتحاد السوفييتي تحت قيادة غورباتشوف، في حدثٍ وصفه بوتين بأنه "أعظم كارثة جيوسياسية في القرن".
وتقول الإذاعة الوطنية العامة في الولايات المتحدة NPR، إن رقصة البجعات الشهيرة صارت تُعرف بأنها نذير شؤوم، وفقاً لما ذكره موقع Business Insider الأمريكي، السبت، 24 يونيو/حزيران 2023.
وكان مسؤولو الاتحاد السوفييتي قد بثوا هذه الفقرة غير الاعتيادية لرقصة "البجعات" بينما كانوا يختارون قائداً جديداً بعد وفاة الرئيس السوفييتي ليونيد بريجنيف في عام 1982، مما أضفى روحاً من السكينة والهدوء على حشود الشعب، في حين كانت الفوضى حاضرة داخل الحكومة عقب وفاته.
يقول الموقع الأمريكي، إنه الآن، ومع تزايد شعور الحنين إلى العصر السوفييتي في روسيا، ودعوة زعيم مجموعة "فاغنر" للمرتزقة، بريغوجين، إلى تمرد مسلح ضد وزارة الدفاع الروسية، "يبدو المسرح مُجهزاً من أجل أن تستعيد الراقصات الرقيقات مكانهن".
أضاف الموقع أنه "صحيحٌ أن هناك تقارير أفادت بانقطاع الإنترنت في روسيا في خضم الصراع، بالإضافة إلى أن منصة GeoConfirmed أفادت بأن التلفزيون الروسي بث نشرة "طوارئ" خاصة عن تمرد بريغوجين المسلح، لكن لم يكن هناك بعد أية إشارات حول بث باليه "بحيرة البجع".
تصعيد كبير بين الجيش و"فاغنر"
واستفاقت روسيا السبت، 24 يونيو/حزيران 2023، على أكبر تصعيد بين قوات "فاغنر" والجيش الروسي، وتفجّر هذا الصراع المؤرق للكرملين بعدما اتّهم بريغوجين (الملقب بطباخ بوتين)، الجيش الروسي بقتل عدد كبير من عناصره، في قصفٍ استهدف مواقع خلفية لهم في أوكرانيا، وهو اتّهام نفته موسكو، مُطالبةً مقاتلي "فاغنر" باعتقاله بتهمة "الدعوة إلى تمرّد مسلّح".
كان بريغوجين قد أعلن، صباح اليوم السبت، وصول قواته إلى مدينة "روستوف" الروسية، ومحاصرة مقر المنطقة العسكرية الجنوبية، وأظهرت مشاهد، تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، مقاتلي فاغنر منتشرين حول مبنى المقر التابع لوزارة الدفاع الروسية مع عربات مدرعة ودبابات.
من جانبه، توعّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بردٍّ قاسٍ على إعلان "فاغنر" تمردها العسكري على الجيش، واصفاً ما حدث بأنه "خيانة داخلية وطعنة في الظهر"، وذلك بعد تصاعُد الخلافات والاتهامات بينهما.
كان بريغوجين قد دأب منذ أشهر على اتهام وزير الدفاع سيرغي شويغو، ورئيس هيئة الأركان العامة فاليري غيراسيموف، بمنع الذخيرة عن مقاتليه والتضحية بهم، كما تحدّث عن ممارسات ترقى إلى الخيانة.