تبدو الأنباء القادمة من الجبهة مثيرة للحيرة، هل فشل الهجوم الأوكراني المضاد، الذي يبدو كعملية انتحارية، كما يقول بعض النقاد، أم أن خلفه خدعة ماكرة سبق أن طبقها الإسرائيليون والأمريكيون مع الجيش المصري؟
تتقدم القوات الأوكرانية لكنها تبدو على بعد أميال من الخط الدفاعي الرئيسي لروسيا، حيث يبدو أن معركة أكثر قسوة تنتظرها، حسب ما نقل تقرير لموقع Business Insider الأمريكي عن خبراء غربيين.
الهجوم المضاد الأوكراني ما زال على بعد 20 كيلومتراً من خطوط روسيا الرئيسية
قد لا يزال الأوكرانيون على بعد 10 إلى 20 كيلومتراً من الخطوط الدفاعية الروسية في بعض الأماكن.
تقول الصحف الغربية إن الهجوم المضاد يسجل "نجاحات تكتيكية" مع تقدم القوات جنوباً، حيث نقلت the Guardian البريطانية عن المسؤولين العسكريين الأوكرانيين أنهم يحرزون تقدماً تدريجياً لإخراج القوات الروسية من القطاعات الجنوبية من البلاد، بينما يقول الروس إنهم دمروا أعداداً كبيرة من المعدات الأوكرانية بما فيها آليات غربية.
وقال جورج باروس، المحلل الذي يقود فريق الاستخبارات الجغرافية المكانية في معهد دراسات الحرب الأمريكي، لـ Insider، إن القوات الأوكرانية تبدو على بعد حوالي 10 إلى 15 كيلومتراً من الخط الدفاعي الرئيسي، اعتماداً على موقع القتال، بينما اقترح جاك واتلينغ خبير الحرب البرية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة ببريطانيا، أن المسافة قد تصل إلى 20 كيلومتراً.
المهندسون الروس برعوا في بناء التحصينات وحفر الخنادق
وكتب واتلينغ في مقال نشر الأربعاء الماضي أن أوكرانيا تشق طريقها عبر مواقع دفاعية روسية تتكون من خنادق محفورة يدوياً مدعومة بحقول ألغام وتحميها طائرات بدون طيار ومدفعية. لكن هذا ليس خط الدفاع الرئيسي.
خط الدفاع الرئيسي، الذي لا يزال على بعد 15-20 كيلومتراً من المواقع الأوكرانية، تم حفره بشكل سليم هندسياً، فالخنادق ومواقع إطلاق النار المعززة بالخرسانة، وعوائق الدبابات، والكابلات الموضوعة على الأرض لتنسيق ضربات المدفعية، وحتى المزيد من الألغام".
وأضاف واتلينغ أن هذه الدفاعات مدعومة بخط من قوات الاحتياط، مشيراً إلى أنه مع توغل القوات الأوكرانية ضد الخطوط الروسية، "من المرجح أن يصبح القتال أكثر صرامة".
وقال واتلينغ إن "سلاح المهندسين الروسي أثبت أنه واحد من أقوى فروع الجيش الروسي".
وأضاف أن المهندسين الروس قاموا ببناء "عقبات معقدة وتحصينات ميدانية عبر الخطوط الأمامية" وأن الدفاعات الروسية تشكل "تحديا تكتيكياً كبيراً للعمليات الهجومية الأوكرانية".
في هذه المرحلة من الهجوم المضاد الكبير، يبدو أن عمليات أوكرانيا تركز على تمهيد الطريق لعمليات الاختراق اللاحقة.
تمارس القوات الأوكرانية ضغوطاً واسعة على خط المواجهة، وتستهدف المدفعية الروسية، والقيادة والسيطرة، ومخزونات الذخيرة، وتحاول سحب الاحتياطيات الروسية.
وكتب واتلينغ في تقريره الأخير: "بمجرد جر القوات الروسية إلى الأمام، سيصبح من الأسهل تحديد نقاط الضعف في الخطوط الروسية، بعد تغيير تمركزاتها".
المرحلة القادمة ستكون أشد ضراوة.. فهل فشل الهجوم الأوكراني المضاد؟
ومع ذلك، سيشتد القتال مع تحرك القوات الأوكرانية لاختراق الدفاعات الروسية.
وقال معهد دراسات الحرب الأمريكي الأسبوع الماضي إن "العمليات الهجومية المضادة الأولية في أوكرانيا قد تكون الأصعب والأبطأ، لأنها تنطوي على اختراق مواقع دفاعية جاهزة"، مضيفة أن "الانتكاسات الأولية متوقعة" وأن "هذه المرحلة قد تشهد أيضاً أكبر خسائر أوكرانية".
وأضاف المركز البحثي أن "الجيوش حددت منذ فترة طويلة مرحلة اختراق الهجوم الآلي بأنها الأكثر خطورة وتكلفة".
في الوقت الذي تحاول فيه أوكرانيا اختراق الدفاعات الروسية، من المرجح أن تواجه قوات كييف نيراناً مدفعية أكبر مع انخفاض الدعم من المدفعية الخاصة بها، بالإضافة إلى ضغوط أكبر من القدرات المحمولة جواً مع تقدمهم بدفاعات جوية أقل.
بالإضافة إلى ذلك، أوضح واتلينغ أن "خطوط التقدم الأوكرانية ستصبح أكثر قابلية للتنبؤ، حيث يجب أن تتبع الخروقات التي تم تحديدها في حقول الألغام"، وهذا بدوره قد يجعلها أكثر عرضة للخطر.
أوكرانيا لم تدفع بكل القوات التي أعدتها للمعركة، حيث شكلت أوكرانيا أكثر من عشرة ألوية للهجوم المضاد، تسعة منها كانت مجهزة بأسلحة غربية، ويبدو أنها "أدخلت حتى الآن ما يبدو جزءاً فقط من هذا الاحتياطي الكبير من القوات المتاحة للعمليات الهجومية المضادة"، حسب معهد دراسات الحرب.
وتعليقاً على الموقف في نقاش حول الهجوم المضاد هذا الأسبوع، قال باروس إنه بينما كانت هناك عمليات بمئات من القوات، سيكون من الواضح أن الحدث الهجومي الرئيسي سيبدأ "عندما نرى المزيد من القوات بحجم الكتيبة، أو حجم اللواء، وهجمات "بآلاف الجنود".
وقال: "الألعاب النارية الكبيرة لم تأت بعد".
هل تخوض مهمة انتحارية بدفع من الأمريكيين والبريطانيين؟
ولكن البعض يرى أن هجوم أوكرانيا أثبت في الأيام الماضية أنه "مهمة انتحارية"، وفقاً لتقرير صادر عن موقع Asia Times المقرب من الصين، نقلاً عن مراقبين عسكريين دوليين.
ويزعم بعض المحللين العسكريين أن خطط كييف تنتهك القواعد الأساسية للتكتيكات العسكرية.
وبحسب ما ورد، كان الجنود الأوكرانيون "يركضون في خمسة اتجاهات مختلفة" بدلاً من التركيز على منطقة واحدة في كل مرة.
وقال ضابط عسكري أوروبي كبير: "إذا كنت تريد شن هجوم ولديك عشرات الألوية وبضع عشرات من الدبابات، فإن عليك أن تركز عليها وتحاول الاختراق".
وأوضح أنه طُلب من الجيش الأوكراني التوقف عن استخدام مثل هذه التكتيكات "المجزأة" والقيام بعملية دفع رئيسية بدعم من وحدات المشاة.
وقال الضابط: "لقد تم تدريبهم من قبل البريطانيين وهم يعتمدون على فكرة اللواء الخفيف".
وفقاً للموقع، فإن الدبابات الأوكرانية تتوغل في حقول الألغام دون نشر مركبات لإزالة الألغام أولاً.
وبحسب ما ورد أسفرت الاستراتيجية عن خسارة 38 عربة مدرعة، بما في ذلك دبابات ليوبارد 2 الألمانية الشهيرة، خلال ليلة 8 يونيو/حزيران 2023، ويعتقد أن أوكرانيا خسرت حتى الآن نحو ثلاث دبابات ليوبارد من بين أسطول من هذه الدبابة الشهيرة الممنوح من حلفائها، والمكون من نحو 85 دبابة ليوبارد 2 التي ينظر لها أن واحدة من أفضل الدبابات في العالم، و130 دبابة ليوبارد 1 الأقدم.
إضافة إلى ذلك، قال إن بعض مشغلي الدبابات الأوكرانيين يحاولون تكرار اختراق "جوديريان"، في إشارة إلى اختراق خلال معركة فرنسا عام 1940 بقيادة الجنرال الألماني هاينز جوديريان.
وأشار إلى أن "جوديريان كان يمتلك 3000 دبابة، بينما كييف تمتلك أقل من 300 دبابة غربية حديثة (بجانب نحو ألفي دبابة سوفييتية الصنع أغلبها عتيق)، وأضاف "لقد قام هؤلاء الحمقى للتو بتدمير 30 آلية ودبابة مما لديهم من آليات غربية ثمينة".
إن استراتيجية أوكرانيا المتمثلة في استخدام تكتيكات اللواء الخفيف لن تزعج روسيا، لأنها تمتلك مروحيات هجومية من طراز KA-50 و KA-52 تحمل كل منها 20 صاروخاً، حسبما ورد في تقرير لموقع the Defense Post.
هذه الأسلحة كافية لتحييد 20 دبابة أوكرانية على مسافة 10 كيلومترات (6.2 ميل)، وفقاً لما ذكرته آسيا تايمز.
وتزعم تقارير أن روسيا حصلت على "ميزة مؤقتة" في جنوب أوكرانيا، وذلك بشكل أساسي من خلال نشر طائرات هليكوبتر هجومية مسلحة بصواريخ بعيدة المدى، مما يعزز فاعليتها ضد الأهداف الأرضية، حسبما ورد في تقرير لموقع Eurasian Times.
وتفيد تقارير بأن روسيا زادت أعداد مروحياتها الهجومية قرب الجبهة وعززت قدراتها، استعداداً لمواجهة الهجوم الأوكراني المضاد.
وأفادت تقارير بأن عددا من أطقم الدبابات الأوكرانية المنخرطين في هجوم مضاد في منطقة زابروجيا يزيفون تعطل المركبات القتالية بسبب مخاوفهم من مواجهة الجيش الروسي، حسبما نقل Eurasian Times عن صحيفة شبيغل الألمانية بناءً على مناقشات مع ممثلي طاقم دبابة Leopard 2، الذين يتمركزون بالقرب من منطقة الصراع.
ويعتقد المراقبون العسكريون أن أوكرانيا لا يزال بإمكانها تصحيح أخطائها من خلال تركيز قواتها، لكن ذلك "يتطلب قرارات عسكرية مختصة، وليس قرارات بدافع سياسي".
يحاولون تقليد الأمريكيين
يبدو أن الأوكرانيين يحاولون تقليد تكتيكات الجيش الأمريكي القائمة على السرعة والالتفاف واختراق نقاط ضعف العدو، والتي تعود جذورها لأسلوب الحرب الخاطفة الذي ابتكره الألمان أثناء الحرب العالمية الثانية وسحقوا به الجيش الفرنسي، ولكن الأمريكيين وقبلهم الألمان نفذوا هذا الأسلوب عادة في ظل تفوق جوي كبير، عكس كييف التي نقطة ضعفها الرئيسية في القوات الجوية.
وهناك تقارير تفيد بأن الأمريكيين منذ أزمة القرم عام 2014، يدربون الجيش الأوكراني، وبالتالي فإن الأوكرانيين يتوقع أنهم سيتبنون الطريقة الأمريكية في القتال، القائمة على تجنب الهجوم المباشر على خطوط العدو، بل الالتفاف حولها أو اختراق نقاط ضعفها التي ترصد عبر الاستطلاع الجوي والاشتباكات الأولية (التي يعتقد أنها تجرى حالياً).
السرعة والصدمة، هما مفتاح عمل هذا الأسلوب، ولكن الأمر مختلف الآن، لدى روسيا التفوق الجوي على أوكرانيا، رغم أنه تفوق أقل فاعلية بسبب المضادات الأوكرانية.
في المقابل، قد يستفيد الأوكرانيون من ضعف قدرات الاستطلاع الروسية باعتراف الروس أنفسهم، وضعف قدرتهم على القصف الجوي ليلاً، كذلك تراجع إمكانية استخدام المقاتلات في حالة الاشتباكات القريبة بين القوات البرية.
كما يبدو أن الأمريكيين يقدمون معلومات استخباراتية وعمليات استطلاع دقيقة للأوكرانيين.
يعني كل ذلك أن الأوكرانيين في وضع أصعب كثيراً من وضع الأمريكيين في حروبهم ضد العراق، والروس في وضع أفضل من وضع العراقيين.
ستمثل محاولة تنفيذ هجوم أوكراني على الطريقة السوفييتية القائمة على الهجوم المباشر الواسع، مذبحة للطرفين، بينما لجوء الأوكرانيين لهجوم على الطريقة الاختراقية الأمريكية مغامرة لم ينفذها حتى من قبل معلموهم الأمريكيون في ظل غياب تفوق جوي.
قد تكون ميزة الأوكرانيين الكثرة العددية (لديهم نحو مليون جندي مقابل نحو نصف مليون لروسيا)، وأنهم يحاربون على أراضيهم، ولديهم حلفاء أثرياء قدموا لهم معدات حديثة، كما أن القوات الجوية الروسية معروف عنها ضعف قدرتها على ضرب الأهداف المتحركة، والعمل ليلاً، وتأخر قدرات الاستطلاع مقارنة بالغرب، وهي ميزات سيحاول الأوكرانيون استغلالها.
هل تكون أبرامز مفاجأة الحرب أم تساعد أمريكا أوكرانيا بالطريقة التي فعلتها مع إسرائيل في حرب أكتوبر؟
لا يمكن استبعاد أن الأوكرانيين ينتظرون أن يدخلوا دبابات أبرامز الأمريكية إلى ساحة القتال.
ولم تظهر أبرامز حتى الآن على ساحة المعركة، ولكن أعلن أن الولايات المتحدة أرسلت 31 دبابة من طراز أبرامز، وقد بدأ نحو 200 جندي أوكراني في أوائل يونيو/حزيران برنامجاً تدريبياً مدته 12 أسبوعاً في ألمانيا على استخدام دبابات أبرامز، لذلك يعتقد أنها لن تكون مستعدة للقتال حتى أوائل سبتمبر/أيلول القادم على أقرب تقدير.
ولكن قد يكون موعد دخول الدبابات الأمريكية أقرب من ذلك، خاصة أن الأسلحة الغربية عادة تدخل الخدمة مع أوكرانيا، أسرع مما يعلن في البداية، لأنه قد يكون هناك تدريب قد بدأ بشكل غير رسمي قبل الموعد المعلن.
بل قد يكون هناك تمويه أمريكي في عدد الدبابات التي منحت لكييف، قالولايات المتحدة تمتلك أكثر من ثلاثة آلاف دبابة من نوع أبرامز إم 1 في الاحتياط، أي لا يستخدمها الجيش الأمريكي، وهي أقدم من النسخ العاملة مع الجيش الأمريكي والتي أغلبها أبرامز إم 2، وقد تمنح واشنطن لكييف المزيد من الأبرامز أكثر من المعلن، إذا تعثر الهجوم المضاد الذي استثمر فيه الغرب والأمريكيون الكثير، أو أن الأمريكيين خططوا لذلك منذ البداية دون الإعلان مسبقاً، وأعلنوا فقط عن الثلاثين دبابة المشار إليها، لخداع الروس.
وفي الأغلب، فإن الأمريكيين يقومون أثناء تنفيذ الهجوم الأوكراني المضاد، الذي يبدو متبعثراً، بعمليات رصد لكشف نقاط ضعف الخطوط الروسية وهو أسلوب تقليدي أمريكي، سبق أن فعلوه مع الإسرائيليين في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، حينما كشفوا بواسطة طائرات الاستطلاع للإسرائيليين الثغرة بين الجيشين الثاني والثالث المصريين، ليوجهوا الجيش الإسرائيلي لاستغلالها عبر عبور القناة ومحاصرة الجيش الثالث المصري، وتدمير بطاريات الدفاع الجوي المصرية، قبل أن يتم وقف هجومه في مدينة السويس بفضل القوات العسكرية الخفيفة والمقاومة الشعبية، ثم الضغوط السوفييتية والأمريكية لوقف الحرب.