نجا ثلاثة لاجئين فلسطينيين سوريين، وفُقِدَ 7 آخرون بينهم 5 لاجئين من أبناء مخيم درعا، وآخران من سكان مخيم النيرب بمدينة حلب كانوا على متن المركب الذي غرق يوم الأربعاء 14 يونيو/حزيران الحالي، قبالة سواحل شبه جزيرة مورا اليونانية، والذي كان يقل أكثر من 400 مهاجر بحسب مجموعة "العمل من أجل فلسطينيي سوريا".
وهذه ليست حادثة الغرق المأساوية الأولى وقد لا تكون الأخيرة، ومع كل حادث غرق من هذا النوع وفقدان عدد من فلسطينيي سوريا على طريق الهجرة، يُفتح نقاش حول صوابية هذا الخيار من عدمه، وتتشعب الطروحات بين رافض ومدافع ومتحفز وحذر.
ونعلم يقيناً أن لا إجابة شافية وكافية تُحيط بملابسات الموضوع من جميع جوانبه، فضلاً عن القدرة على حسم الأمر بضد أو مع، أو البت بنعم وافية أو لا ناهية. وندرك أيضاً أن أي مقاربة للقضية سيتحمل مسؤوليتها من يقدمها، سلباً كانت النتائج أم إيجاباً، لذلك لا يتورط فرد أو مؤسسة في التصدي للمسألة علانية، وهذا لا يعني أنه لا توجد مؤسسات وأفراد يمررون تصوراتهم ورؤيتهم بشكل أقرب للسرية وعلى هيئة نصح أو توصية.
الولوج في الأمر يشبه "نكش عش دبابير" كما يُقال في المثل والموروث الشعبي، ولكن هل السكوت عنه وترك الناس لخياراتهم دون توجيه أو مشورة توجه صحيح أم أنه أشبه بسلوك نعامة دفنت رأسها في التراب، والأهم مَن المعنيُّ أو المخوّل الذي يقع على عاتقه فصل الخطاب أو القول الفصل في هذا العنوان المتشابك والمعقد في الحيز الوطني؟
المنطق يقول إن هذا الأمر منوط بمرجعية الشعب الفلسطيني، والإشكالية التي نعاني منها هي غياب هذه المرجعية وبالحد الأدنى الاختلاف على تحديدها، فهل هي الجهة التي تدّعي أنها الممثل الشرعي والوحيد المتمثل بمنظمة التحرير الفلسطينية أم أن لكل بقعة جغرافية مرجعيتها؟
وإذا كان الأمر كذلك فقد يسهل الأمر على قطاع غزة والضفة الغربية بحكم الواقع، لكنه سيكون صعباً وربما معقداً على فلسطينيي الخارج، وفي حالة فلسطينيي سوريا فإنهم محسوبون على الجغرافيا الأصعب والأعقد.
وعليه دعونا نفكر بصوتٍ عال ونضع ما هو ممكن من سيناريوهات وتساؤلات في ظل ما هو متوافر في الواقع الراهن والإمكانات. إذا قلنا للاجئين: "لا تهاجروا"، فهذا يعني أن ثمة استحقاقات واجبة على هذا الطرح ليس أقلها تأمين مقومات الحياة الكريمة لهم في أماكن وجودهم إلى حين تغيّر الظروف إلى الأفضل، وهذا يحتاج إلى خطة واضحة شاملة تتوفر على وسائل وأدوات تقوم على تنفيذها جهات محددة ومسؤولة لا تُعفى منها جميع الجهات المعنية بفلسطينيي سوريا والمتمثلة بالبلد المضيف و"الأونروا" وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية وبقية الفصائل والمفوضية العليا للاجئين.
وقد ثبت بالوجه الملموس وبالتجربة عدم التزام هذه الجهات على مدار عقد من أزمة فلسطينيي سوريا، وأن ما كان يقدم من قِبلها هو حلول ترقيعية لو أنها كانت مجدية لما اضطر اللاجئون للهجرة وركوب قوارب الموت!
إذاً هل نقول للاجئين: "هاجروا"؟ وفي هذه الحالة من يتحمل تبعات مثل هذا القرار على المستوى الوطني، لا سيما عند فشل عملية الهجرة وعدم القدرة على الوصول إلى الجغرافيات المنشودة، لأن هذا القرار أيضاً يحتاج إلى خطة مصاحبة له لوجستياً.
والأهم أنه يتطلب أن يكون عليه إجماع ومتبنَّى وطنياً؛ لارتباطه بحقوق وثوابت في مقدمتها حق العودة، وإن بات معروفاً أن اللاجئ لم ولن يتخلى عن هذا الحق، وتمسُّك اللاجئين به في دول الشتات والمنافي الأوروبية خير دليل، ولكن هناك حاجة لمنع أي تبادل للاتهامات بين الفصائل والمؤسسات الفلسطينية.
على المستوى الفلسطيني كلا الخيارين غير ممكن، لا على الصعيد الوطني ولا على صعيد الإمكانات المتاحة، ومن هنا برز خيار الخلاص الفردي، وهو الخيار الذي يمكن نقاشه عبر طرح محددات له بناءً على التجارب وخلاصة وحصيلة عشر سنوات من الأزمة. وعند الحديث عن خيار الخلاص الفردي مهم جداً أن نبتعد عن لغة التخوين والتفريط والتنازل، لأن الكل الوطني يدرك أن هذا الحل يُقدَّم على أنه خيار وهو في الواقع اضطرار، وعليه لا ينبغي التهويل والترهيب، وعند الترغيب يفترض أن تكون المحددات والنواظم حاضرة وبقوة.
هذه المحددات والنواظم هي فعلياً الأخذ بالأسباب وتوخي الحذر وعدم التسرع أو الانجرار لهذا الخيار من دون ترتيب وتحضير، والأهم الحصول على أكبر قدر من الضمانات، صحيح أن بيئة هذا المسار ليست سليمة ولا قانونية، لكن استحضار موجبات نجاحها ممكن وهو ما يجب التركيز عليه لتفادي الخسائر في الأموال والأرواح.
يبقى القول: هل يُعتبر هذا تشجيعاً على سلوك هذا الخيار؟ الجواب: طبعاً وقطعاً لا، من دون دراسة وإعداد وتحضير مسبق. ونعم ولكن مصحوبة بدعوة إلى استدعاء كل الأسباب والظروف لإنجاحه عند التوجه لتطبيقه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.