أشار كارل هاينز رومينيغيه، الرئيس التنفيذي لنادي بايرن ميونيخ، بأصابع الاتهام إلى ناديي مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان، بسبب الارتفاع الجنوني لأسعار اللاعبين في أسواق الانتقالات، التي أصبحت أمراً معتاداً في عالم كرة القدم، منذ صعود الناديين على الساحة العالمية.
يعتقد الرجل البالغ من العمر 62 عاماً أن الناديَين "المسرفَين" هما الملومان على تضخم الأسعار، حيث لم تعد تحدث عملية انتقال بسعرها الطبيعي، آخر مثال على هذه الصفقات كانت تلك التي عقدها يوفنتوس بقيمة 176 مليون دولار من أجل انتقال كريستيانو رونالدو ذي الـ33 عاماً إليه، بينما كانت قيمته الفعلية هي 80 مليون دولار، وفقاً لموقع Transfermarkt الرياضي المتخصص.
وقال رومينيغيه لصحيفة Merkur الألمانية: "إذا تضخَّمت الأسعار، فالمسؤولية تقع على عاتق كلٍّ من مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان". وفي تعليقه على حتمية عقد صفقات كبيرة للفوز بدوري أبطال أوروبا، قال: "لا نحتاج للجنون من أجل الفوز بدوري أبطال أوروبا".
وتابَع: "فقط انظر لما فعله ريال مدريد في أوروبا في السنوات الخمس الماضية، فاز بـ4 كؤوس دون إنفاق أي شيء تقريباً. هذه هي فلسفتنا، وهذا ما نريد أن نطبِّقه على أرض الواقع".
وزعم رومينيغيه، الذي تحدَّثَ بصراحة بالغة، أنه لم يكن أبداً ليدفع ذلك المبلغ الضخم من أجل لاعب في عمر رونالدو، ولكنه أبدى تفهماً لقرار اليوفي بفعل هذا، باعتبار أن "كرة القدم الإيطالية تراجعت في السنوات الأخيرة".
الحقيقة وراء تضخم الأسعار
وفي تقرير نشرته شبكة Fox Sports عن التضخم في أسعار اللاعبين، أشارت الشبكة إلى أن استثمار رجال الأعمال في الأندية العملاقة ليس هو ما تسبَّب في زيادة قيمة صفقات الانتقال، بل تدفق العائدات المتنامي على نحو غير مفهوم إلى أكبر أندية كرة القدم وأكبر الدوريات.
أدت الزيادة السريعة والثابتة في دخل الأندية الأوروبية الكبرى، إلى ارتفاع صاروخي لرسوم الانتقال، بمعدل يدق ناقوس الخطر، إذ كُسر الرقم القياسي لصفقات بيع اللاعبين 15 مرة منذ عام 1992.
عند العودة لعام 1992 كان الرقم القياسي لأعلى صفقة في التاريخ هو 17 مليون دولار، عندما انتقل الأسطورة ﺟﺎﻥ ﺑﻴﻴﺮ ﺑﺎﺑﺎﻥ، لاعب العام الأوروبي آنذاك، من نادي مارسيليا إلى نادي إيه سي ميلان. ولكي نشعر بحجم التضخم والارتفاع الجنونيّ في الأسعار، يمكننا فقط القول إن نادي ليستر سيتي قد دفع 21 مليون دولار لنادي ليفربول، من أجل شراء حارس المرمى داني وارد، في بداية موسم الانتقالات الحالي، وهو الذي لم يلعب في تاريخه سوى مباراتين فقط في الدوري الإنكليزي الممتاز حتى الآن.
ويحمل حالياً النجم البرازيلي نيمار لقب اللاعب الأعلى سعراً في العالم، إذ كان انتقاله من برشلونة إلى باريس سان جيرمان في عام 2017 بمبلغ 347 مليون دولار أكبر قفزة في أسعار الرقم القياسي منذ عام 1932، عندما انتقل بيرنابي فيريرا إلى نادي ريفر بلايت الأرجنتيني.
ولكن في حين أنه من السهل تحميل أبطال الدوري الفرنسي مسؤولية جنون الأسعار في أسواق الانتقالات، كانت أسعار اللاعبين في زيادةٍ ملحوظة على مرِّ السنين، من قبل أن تبدأ حتى الثورة الكروية الباريسية، ومن قبل أن يعود مانشستر سيتي إلى الواجهة.
وفقاً لما نشرته شركة Statista للإحصاء، شهد الدوري الإنكليزي في عام 2010 استثماراتٍ تُقدَّر بحوالي 834 مليون دولار في سوق الانتقالات. يتضاءل هذا الرقم بالمقارنة مع مبلغ الـ1.771 مليار دولار، الذي يزعم التقرير نفسه أنه أُنفِقَ في سوق الانتقالات عام 2017. تُعَد هذه زيادةً في الإنفاق بمعدل 272% في 7 سنوات فقط.
ولكن من أين تنبع هذه الزيادة الضخمة والتي تبدو مفاجئة؟ من أين جاءت هذه الأموال؟
لا يخفى على أحد أن الرياضةَ استثمارٌ مربح على نحوٍ متزايد، حيث تتدفق الأموال إلى خزائن الأندية والاتحادات حول العالم بشكل مستمر. وكرة القدم هي لعبةٌ تأخذ شعبيتها العالمية ومكانتها من أرضية الملعب، ثم إلى البنوك، وبلغت عائداتها المتزايدة ذروتها في جميع المجالات.
أُفيدَ بأن الدوري الإنكليزي حصد في موسم 2010/2011 عائدات تقدر بـ2.5 مليار يورو (2.9 مليار دولار تقريباً) من الرعاة وحقوق البث التلفزيوني، وغيرها من الأنشطة المالية، طبقاً لما نشرته Statista.
في ذلك الموسم، كان نادي مانشستر سيتي دفع مبلغاً مجمعاً يقدر بحوالي 52 مليون يورو (60.23 مليون دولار تقريباً) لشراء لاعبيّ خط الوسط ديفيد سيلفا ويايا توريه. جاء اللاعبان من الدوري الإسباني بعددٍ من الإنجازات الرفيعة. لعب الأول في عمر 24 عاماً 153 مباراة، وسجل 25 هدفاً، وصنع 22 هدفاً أخرى في نادي فالنسيا، بينما فاز الآخر بالدوري الإسباني مرتين، ودوري أبطال أوروبا مع برشلونة.
بالمقارنة، شهد موسم 2017/ 2018 الانطلاقة الأكبر للعائدات في إنكلترا، برقم مدهش، يقدر بحوالي 4.5 مليار يورو (5.21 مليار دولار تقريباً). حدثت زيادةٌ ضخمة بمعدل 108% بفضل صفقات البث التلفزيوني التي أبرمها الاتحاد الإنكليزي مع شبكات إعلامية عملاقة، ومن خلال عمليات التسويق في كافة المجالات التجارية الأخرى.
ومن المثير للاهتمام، أن مبلغ الانتقال الذي دفعه مانشستر سيتي من أجل أسطورتي النادي (ديفيد سيلفا ويايا توريه)، هو نفس المبلغ الذي أنفقه مؤخراً خصمه في نفس المدينة مانشستر يونايتد لشراء فريد لاعب خط الوسط من نادي شاختار دونيتسك الأوكراني. يصل البرازيلي ذو الـ25 عاماً إلى ملعب أولد ترافورد وقد لعب 92 مباراة في الدوري الأوكراني، وسجَّل 9 أهداف، وصنع 7 أخرى من منتصف خط الوسط.
لعلها تذكرةٌ واضحة لمدى تضخم المبالغ التي أصبحت عليها صفقات انتقال اللاعبين.
لا يبدو أن جنون أسعار الانتقال سيتوقف في أي وقت قريب، ويبدو أنها مجرد مسألة وقت، إلى حين كسر الرقم العالمي الحالي مرة أخرى. ربما على رومينيغيه الاعتياد على دفع مبالغ طائلة من أجل نجوم مسنين، لأن حركة انتقال رونالدو ليست ومضة لن تتكرر، ولكنها ستشكل اتجاهاً مستمراً أوسع.