لا يختلف اثنان على أن سيمون كانت نجمة التسعينيات من دون منازع؛ فهي صاحبة تجربة فنية فريدة من نوعها، استطاعت من خلالها أن تحجز مكانةً خاصة لها بين نجوم الساحة الفنية العربية، وتستقطب جيل السبعينيات والثمانينيات.
ربما لا يعرف الجيل الجديد من هي سيمون، ولم يتورطوا مع صوتها الرقيق وأغنياتها، كما حدث معنا. لكن تستحق تلك المغنية، التي ابتعدت عن الأضواء، أن نُشير إلى نجاحاتها ونستعيد تجربتها الفنية التي كانت متنوعة وخارجة عن السائد والمألوف.
فمن هي سيمون وكيف دخلت عالم الغناء؟
وُلدت سيمون في منطقة شبرا-القاهرة، يوم 14 يونيو/حزيران 1966، حيث درست في مدرسة "نوتردام" قبل أن تلتحق بمدرسة "الراعي الصالح" في المرحلة الثانوية؛ وهي المدرسة نفسها التي تعلمت فيها "داليدا".
عاشت حياةً أسرية هادئة، وسط عائلة محبة للموسيقى، ما جعلها تهوى الفن والغناء منذ الطفولة، حيث كانت تشارك في حفلات المدرسة وتغني أمام زملائها وأهلهم. لكنها لم تركز على الغناء، وحصلت على ليسانس في اللغة الفرنسية وآدابها من جامعة عين شمس.
في لقاءٍ مع ياسمين عز، ضمن برنامج "حديث المساء" عام 2019، تحدثت سيمون للمرة الأولى عن الدور الذي لعبه مدحت صالح في بداية طريق احترافها الغناء.
وقالت: "قررت مع زميلاتي في الجامعة تنظيم حفلٍ غنائي كبير يحييه مدحت صالح، ويومذاك كان فيه زحمة كتير وتأخر عن موعد الحفل، ما أزعج الجمهور الحاضر. ففوجئت بزملائي يطلبون مني أن أصعد على خشبة المسرح لأغني وأنقذ الموقف، وفعلتها".
وتستعيد سيمون تلك اللحظة، قائلة: "تقولي اتولدت على المسرح. من الخجل الكبير إلى العادي، ويلا نغني. وبالفعل، غنيتُ لنصف ساعة قبل أن يصل مدحت صالح ويستلم الدفة".
كانت تلك الحفلة نقطة اكتشاف لصوتٍ نسائي جديد مع نهاية الثمانينيات، فقدّمها أصدقاؤها إلى الشاعر جمال عبد العزيز، الذي كان على صداقة قديمة مع العائلة، قبل أن تتعرف إلى المنتج الفني طارق الكاشف، وتدخل عالم الغناء سريعاً.
أول ألبوم غنائي لها كان بعنوان "تاني تاني" عام 1987، قدّمت فيه 10 أغنيات أجنبية بكلمات مصرية كتبها كل من: جمال عبد العزيز، ومجدي النجار، وعنتر هلال، ووزعها فتحي سلامة ومحمد هلال.
أغاني سيمون.. نجاحات استثنائية
نجح ألبوم "تاني تاني" ونجحت سيمون في تقديم شكلٍ غنائي جديد على الساحة الغنائية المصرية، والنسائية تحديداً، فكانت أغنية "تاكسي" من أشهر وأنجح أغنيات الألبوم.
هذا النجاح أغرى المنتج طارق الكاشف، الذي أنتج لها ألبوماً ثانياً في العام التالي، مستغلاً تلك الحالة التي استطاعت أن تخلقها سيمون وسط جيل الشباب، مع صوتٍ أقرب إلى الأندرجراوند من الشكل التجاري.
فكان الألبوم الثاني "ميرسي" مشابهاً نوعاً ما لفكرة الأول: أغانٍ أجنبية ناجحة تمّ تعريبها وتقديمها بكلمات شبابية غريبة، مثل "إيشي إيشي". لكن الجديد في ذلك الألبوم أنها قدّمت 3 أغنيات صُنعت خصوصاً لها.
فكانت أغنية الألبوم "ميرسي"، من كلمات جمال عبد العزيز ولحن إبراهيم فهمي، وأغنية "حلوة يا مصر" التي كتبها ولحنها صاحب أغنية "حلوة يا بلدي" لداليدا (مروان سعادة)، إضافةً إلى أغنية "أنا كده" التي نجحت من خلالها في تقديم شخصية الفتاة المتمردة. وتقول كلماتها:
أنا كده متعوّدة أعيش كده
دي خطوتي دي ضحكتي ودي حدودي ودنيتي
عام 1989، قدّمت سيمون الدويتو الأهم في عقد التسعينيات بالكامل مع حميد الشاعري، بعنوان "بتكلم جد". ورغم أنه جاء ضمن ألبوم لم يكن من أفضل ما قدّمت النجمة المصرية، فإن نجاح الدويتو والكليب كان كافياً.
عام 1992 انتقلت سيمون إلى مرحلة جديدة، استطاعت أن تؤكد فيها أنها ليست مجرد ظاهرة استثنائية، إنما مغنية تملك الكثير لتقدّمه.
"مش نظرة وابتسامة".. الشخصية المتمردة
فانتقلت للتعامل مع شركة "صوت الدلتا" للإنتاج الفني، وقدمت معها ألبوم "آلو" الذي جاء مختلفاً وحمل كثيراً من النضج الفني، خصوصاً أنها تعاملت مع شعراء وملحنين جدد، أمثال: محمد محيي، وحسام حسني، وإسماعيل البلبيسي.
قدمت سيمون في هذا الألبوم نموذجاً يشبهها، لعله الأقرب إلى شخصيتها المتمردة، والمُحبة للحرية والمساواة، مع أغنية واحدة لحنها أجنبي بعنوان "مبسوطة"، والتي اشتهرت منها الجملة الشهيرة "ماشية وساعتي مش مظبوطة".
حققت الأغنية نجاحاً مدوياً، تماماً مثل الألبوم الذي يُعتبر واحداً من أهم الأعمال التي طرحتها سيمون خلال مسيرتها الغنائية.
تنقلت سيمون بعد ذلك بين شركات الإنتاج؛ من "صوت الدلتا" إلى شركة "ديجيتك"، التي أصدرت معها ألبوم "أحب أقولك" عام 1994، ومن هنا جاء التعاون مع وجيه عزيز ومحمد ناصر في أغنية "ماشيه في حالي".
ورغم تعاونها مع فريق عمل مختلف عن السابق، فإن سيمون استطاعت أن تحافظ على استمرارية النجاح من خلال بصمتها الفريدة وصوتها الخاص، خصوصاً عبر الأغنيات الحزينة مع عصام عبد الله ومودي الإمام، مثل أغنية "عايزة أصرخ".
الانتقال الأخير كان إلى شركة روتانا، التي قدمت معها ألبوم "في حاجة كده" عام 1996 والذي حقق بدوره نجاحاً كبيراً، خصوصاً أغنية العنوان و"مش نظرة وابتسامة" التي لا نبالغ لو قلنا إنها أغنية التسعينيات بامتياز.
حققت "مش نظرة وابتسامة" نجاحاً استثنائياً، لا سيما مع تصويرها فيديو كليب الذي كان أساسياً وقتئذٍ لضمان نجاح أي أغنية، وكانت تلك الأغنية آخر ما تركته سيمون في ذاكرة جيل التسعينيات.
إلى جانب الغناء، قدّمت سيمون مجموعة أعمال سينمائية خلال مشوارها الفني، فقدّمها المخرج خيري بشارة عام 1988 في فيلم "يوم مر ويوم حلو" إلى جانب فاتن حمامة، ومحمود الجندي، ومحمد منير، وعبلة كامل.
ثم في فيلم "آيس كريم في جليم" عام 1992، مع كوكبة من النجوم، مثل: أشرف عبد الباقي، وعمرو دياب، وعلاء ولي الدين، وحسين الإمام. واللافت أن سيمون لم تُقدَّم في هذه الأعمال على أنها مغنية، لأنها غنت بشكلٍ بسيط وسريع فيها.
مسيرة سيمون التمثيلية كانت غنية، فإلى جانب الأفلام السينمائية، قدّمت ما يقارب 15 عملاً في الدراما التلفزيونية؛ كان أبرزها مسلسل "فارس بلا جواد"، الذي قدمت فيه أغنيتها الشهيرة "أتى الحبيب". كما شاركت محمد صبحي في تقديم 3 مسرحيات غنائية حققت نجاحاً كبيراً.
لم تحلم سيمون يوماً بالعالمية، كما صرحت في أحد حواراتها، فهي لم تكن سوى تلك الفتاة التي تحب الغناء والحرية؛ أليست هي من غنت "أنا حرة وأموت في الحرية"؟
ومثلما دخلت عالم الفن عن طريق الصدفة، اختفت بالصدفة أيضاً وبهدوءٍ تام. وحتى عندما قررت العودة من جديد، دخلت بهدوء، ورغم محاولاتها تقديم أغنيات جديدة، فإن سيمون التسعينيات لم ولن تُعوَّض، وستبقى حاضرة في ذاكرة هذا الجيل إلى الأبد.