أفكار مُسممة تُعشّش في خلايانا.. لماذا كل هذا الجدل حول فيديو أخت العريس؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/06/13 الساعة 09:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/13 الساعة 09:54 بتوقيت غرينتش
لقطة شاشة من فيديو أخت العريس الذي أثار الجدل على وسائل التواصل الاجتماعي/ الشبكات الاجتماعية

بلا شك فإنّ أكثر تريندات السوشيال ميديا ما هي إلا تفاهات ومقالب وفضائح، بغرض المشاهدات لكسب المال ونيل الشهرة، إلا أنّ بعضها يستحق منّا أن نقف أمامه متأملين، لنرى ما يستتر خلف النفوس، وما وصل إليه حالنا، وكم تغيرنا قلباً وقالباً عبر الزمن.

بعد حادثة القرش المؤلمة، انتشر سريعاً فيديو آخر ليصبح هو التريند الجديد، والذي يقولون عنه، ساخرين بالطبع، بأنّه أكثر صعوبة منه حتى، وهو الفيديو الذي جلب لصاحبته الكثير من الدعاية السلبية، والتي لا أعتقد أنّها كانت تسعى إليها، بهدف التريند كما يُقال عنها. 

يحتوي مضمون الفيديو القصير باختصار على ظهور أخت العريس أثناء فرح أخيها، وهي تتحدث من خلال المايك وأمام جميع المدعوين، بصوتٍ متهدّج وكلمات مؤثرة، موجهة كلامها إلى العروسة، موصية إياها على أخيها، في جمل قصيرة مكررة ، خلاصتها بأن تحافظ عليه، ولا تحرم أهله منه، لأنّه "ابن قلبها" على حسب قولها.

لم أتبين شرّاً مُختبئاً في كلمات أخت العريس، التي يبدو عليها القلق والخوف بشكلٍ أكبر من اللازم، ولم أستشعر خُبثاً مُضمراً في صورة تهديدٍ للعروسة كما ذكر بعض الناس في التعليقات، ولكنّي رأيت فيه ما جعلني أشعر بالأسف والشفقة على أطراف هذه القصة الثلاثة، بخلاف إحساسي بالكثير من اليأس حيال الأمر الواقع الذي يقول بأنّنا فعلاً نواجه ظاهرة مرضية تعمّقت كثيراً داخل مجتمعاتنا الشرقية، وهي ظاهرة الهيمنة النفسية للمرأة على الرجل.

هل الأمر بهذا التعقيد فعلاً؟ نعم هكذا أراه.

لم تُخطئ أخت العريس في حديثها، بقدر ما أخطأ المجتمع كله من قبل أن تفعل هي ذلك بسنواتٍ طويلة. متى وكيف كانت البداية؟ لا أعرف حقاً، ولكنّي أعرف ما آل إليه الأمر الآن، ونحن حالياً من نجني ثماره الفاسدة، في هذه اللحظة.

لماذا كل ذلك الجدل حول فيديو أخت العريس؟

تكلم الكثيرون عن فيديو أخت العريس بشكلٍ مؤسفٍ في الحقيقة، وكالعادة، طغت فكرة الاستهزاء والمبالغة في السخرية من خلال التعليقات على أي كلام عقلاني آخر.

كلامي هذا ليس حُكماً قاسياً على كلمات امرأة شابة في لحظة عاطفية خاصة ومؤثرة، وإنما هو تحليل عقلاني وموضوعي كما أتمنى، لتلك الكلمات التي انتشرت بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي، صانعة "تريند" جديداً، ومثيراً للجدل كالعادة.

هل أخطأت أخت العريس حينما وجّهت بعض النصائح لزوجة أخيها في العموم؟ أم أخطأت لأنها فعلت ذلك أمام الملأ وكان من الممكن أن تخبرها ما قالته سراً؟ هل كان حديثها تلقائياً أم كان الأمر أقرب إلى مشهد تمثيلي مُعدّ بعناية من قبل؟ هل بالغت في استخدامها لبعض العبارات والألفاظ أم خرجت الكلمات منها مدفوعة بحبٍ شديد كالسيل الجارف؟

من أجل أن أًُجيب على كل تلك الأسئلة، قمت بتحليل خطاب  أخت العريس، ولفتت هذه الكلمات نظري أكثر من غيرها، خاصة أنّها تكررت أكثر من مرة، مثل: "ابن عمري، ابن قلبي، عاوزاكي تحافظي عليه، ولا مننا تحرميه، بس عشان خاطري أوصيكي، في عمرك ما تحوشيه عننا ابداً، ماليش غيره، هو ابني وحبيبي، ابني البكري، بس عشان خاطري، هو ابن قلبي".

في ظنّي أنّ ذلك الحديث كان تلقائياً تماماً، لأنّه ببساطة يُعبّر عن الفكر والنظرة السائدة لزوجة الأخ، التي تدرك أية أنثى أخرى في محيط الرجل، قُدرتها على قيادة ذلك الرجل أو إدارته تحت هيمنتها هي، لذلك هي تخشى حدوث ذلك بشدة، وهو الشيء الذي استشعرته في حديث أخت العريس فعلاً..

هل يستحق الأمر كل ذلك الخوف؟ 

أمرٌ طبيعي أن يشعر أهل الفتاة بالقلق حول مصيرها حينما تتزوج، لقدرة الزوج عليها ولوقوعها تحت سيطرته، ولكن لماذا صرنا نرى العكس يحدث الآن؟ لماذا يُخشى على الرجل حينما يتزوج من أن "تحرمه" زوجته من أهله أو "تحوشه" عنهم؟  

منذ متى وصارت النساء يوصين النساء على الرجال، وكأنّ الرجل هو من يقع تحت جناح المرأة، وفي حمايتها، وكأنها هي من تستطيع أن تحرمه من أهله إن أرادت، بلا حول منه أو قوة؟

هل انقلبت الآية لتلك الدرجة؟

لم تُخطئ أخت العريس، الخطأ هنا يعود للموروثات الاجتماعية القديمة التي ما زالت تُعشّش في قلوب الأمهات، اللاتي يربين الآن كما تربين هن قديماً،  بذلك المزيج العجيب وغير المُتجانس من الأفكار الظالمة، التي تجعل القيادة للرجل شرفاً زائفاً بلا مسؤولية، وتُكلف النساء بسلطة مستترة، وعبء حقيقي وثقيل، لم تُخلق المرأة لتحمله.

ما وراء كلمات أخت العريس في الفيديو الشهير؟

رأيت في كلمات أخت العريس ما يغلب على حال مجتمعنا بالكامل، حال رجاله ونسائه، الذين تبدلّت أدوارهم، وتشوّهت فطرتهم، فظلم كل منهما الآخر، وفسدت حياتهما معاً.

رأيت فيه انتشار التعلق المرضي من قِبل الأمهات والأخوات بأبنائهن أو بإخوانهنّ الذكور، كما رأيت فيه نظرة النساء القاصرة والمُجحفة للرجال، ونظرة الأم أو الأخت المُتعلقة بالأخ تعلّق الأم بابنها، لزوجة ابنها المُستقبلية، وكيف تنظر هي لابنها نفسه، فترى زوجته مركزاً للقوة ومصدراً للخطر، لأنها  تملك جميع مفاتيح زوجها في يدها، وترى ذلك الزوج أو ابنها نفسه، رجلاً "خائباً" يُمكنه أن ينقاد بسهولة، أو يخضع تحت ضغط أنثوي من أي نوع.

 هكذا تمت تربيته، هكذا بدأت  النساء في حياته بالنظر إليه، وهكذا أصبح فعلاً.

أسأل نفسي من جديد، هل الأمر يدعو لكل ذلك الخوف البادي على الرجل من "سطوة" المرأة عليه؟ في رأيي نعم، لأنه صحيح أنّ الحرب الدائرة بين الرجل والمرأة على مر العصور في التاريخ هي حرب شرسة جداً، ولكنّ تظل حرب الإناث مع بعضهنّ هي الحرب الأكثر توحشاً على الإطلاق.

لذلك تخشى المرأة من المرأة على الرجل بأكثر مما تخشى الرجل نفسه؛ لأنها تدرك قدرتها الهائلة على قيادة الرجل كيفما أرادت، فقط إن سمح لها هو بذلك، وكثير من الرجال يفعل للأسف، لأنّ اعتاد على أن يُسلم قيادته لأمه أو لأخته الكبرى أو لكلتيهما معاً، وهو ما سيفعله بالتبعية مع زوجته.

هذا هو ما استشعرته بشكل شخصي فيما وراء الكلمات التي قالتها أخت العريس لزوجته، خصوصاً مع استخدامها لكلمات عاطفية فيها من المبالغة الكثير، للدلالة على العلاقة القوية التي تربط الأخت بأخيها، وتشبيه الأخ بالابن عكس نوعاً من السيطرة الخفية وحباً للتملك زائداً عن الحد.

أفكار مُسممة تُعشّش في خلايانا

كما بدا من حديثي، أثار فيديو أخت العريس الكثير بداخلي فعلاً، ولامس منطقة مظلمة، تزداد حجماً وقتامة يوماً بعد يوم، في مجتمعي هذا ذي المرجعية الدينية المتينة، أو هكذا من المفترض.

لم يكن ذلك الفيديو إلا إضافة جديدة لأفكار مُسمّمة كثيرة صارت جزءاً من تكوين الكثيرين منّا، أفكار تمنح للمرأة مسؤوليات لا تليق إلا بصلاحيات القوامة الحقة للرجل، لمن يُدركها، وفي نفس الوقت تمنح تلك الأفكار حق الرجل في الخطأ وإمكانية خضوعه لمن هو قادر على أن يستغل ضعفه، الذي لا يمكنه مقاومته طبعاً، والتسامح مع فكرة وقوعه في الزلل،  لأنه مسكين، وضعيف، ويُمكن لأية امرأة كانت أن تُسيطر عليه، وأشهر مثال على ذلك هو المصطلح المنتشر "خطّافة الرجالة"، وهي المرأة التي تغوي الرجال وتخطفهم من أحضان زوجاتهم، فيصبح الرجل الخائن لزوجته، رجلاً مسكيناً تم "الضحك عليه" واختطافه، دون أي تهديد يُذكر.

تلك الأفكار المسممة نعرفها جميعاً، فمنها أمثال شعبية ومنها مقولات منتشرة يتناقلها الجميع رجالاً ونساء.. منها مثلاً:

"الست الشاطرة هي التي تعرف كيف تتحكم في الرجل، بدون أن يدري ذلك حتى".

"الست عمود البيت"، "الست تعشّش والراجل يطفّش".

"الراجل عيّل كبير"، "خدي الراجل على قد عقله".

"حاسبي على جوزك ليتخطف".

"تُبنى البيوت على صبر النساء"، "كل راجل وليه مفتاحه"، "جوزك على ما تعوديه".

والأمثلة الأخرى كثيرة، وفي فيديو أخت العريس وجدت عدة أفكار مُسممة، أوضحها هي أنّ الزوجة قادرة على أن تحرم الرجل من أهله، وكأننا نتحدث عن طفل صغير أمره ليس بيده، وليس رجلاً رشيداً وقوّاماً على زوجته، بخلاف مبدأ الطلب نفسه، بشكلٍ أقرب إلى التوسل والرجاء، من امرأة إلى امرأة أخرى من أجل مراعاة الله في رجل بالغ وعاقل.. 

إنّه لأمرٍ مثير للغضب والحزن معاً..

قد لا يراه البعض كذلك؛ لأنه للأسف اعتاده، كما وجدت في بعض التعليقات التي كانت ترى أنه لا بأس في أن تنصح أخت الزوج أو الأم، زوجة الابن وأن توصيها على زوجها، ولكنّي رأيت في ذلك خللاً واضحاً، مُكمّلاً لسلسلة من المعتقدات والأفكار لا تُمثلنا نحن كمسلمين أو كعرب حتى..

لم تتعلم النساء في مجتمعاتنا بعد، كيف يصنعن رجلاً، بدون أن يحملن في أيديهنّ مفاتيح السيطرة عليه، لم تتعلم كيف يخرج من بين أياديهنّ رجلاً مكتمل الرأي والفكر، حر الإرادة، يُدرك قيمته العظمى كرجل، يقود ويسود ويحمي ويُكلَّف، لا يُخشى عليه ولا يُخشى منه أيضاً.

القليل من النساء من يصنعن رجالاً كباراً لا أطفالاً كباراً، رجالاً نُوصيهم بأن يستوصوا بالنساء خيراً، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وليس العكس.

في النهاية، لا يُمكنني أن ألوم أخت العريس على أي شيءٍ مما سبق، فأنا موقنة أنها لم تُدرك أبداً تأثير كلماتها على الكثير من الناس، وأنا واحدة منهم، بل على العكس، أشكرها لأنها أتاحت لي تلك الفرصة للتعبير عن رأيي، ولطرح القضية العامة على عدد كبير من الناس مثلما حدث.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سارة يوسف
دارسة للأدب الإنجليزي، ومهتمة بالفنون والسينما
أنا سارة يوسف، زوجة وأم، مُحبة للقراءة والسينما، درست الأدب الإنجليزي، وعملت في وظائف عدة، حتى توصّلت لشغفي الحقيقي وهو كتابة المقالات الفنّية والأدبية.
تحميل المزيد