أعلنت إيران عما وصفته بأنه "أول صاروخ فرط صوتي إيراني الصنع" سرعته القصوى أسرع 13 إلى 15 مرة من الصوت، فهل "فتاح" قادر فعلاً على ضرب إسرائيل؟
كان الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وقائد الحرس الثوري الإيراني العميد أمير علي حاجي زاده، والمرشد الأعلى علي خامنئي، قد حضروا، يوم الثلاثاء 6 يونيو/حزيران 2023، حفلاً للكشف عن صاروخ "فتَّاح-Fattah" الباليستي الجديد متوسط المدى، والذي تقول طهران إنَّ بإمكانه إصابة أهداف على بُعد 870 ميلاً (1400 كم تقريباً)، وهو ما يكفي لضرب أهداف داخل إسرائيل انطلاقاً من غرب إيران.
وتناول تقرير لمجلة Popular Mechanics الأمريكية المتخصصة في الشؤون العسكرية، مواصفات الصاروخ الإيراني وقدراته والمشاكل التي تواجه طهران في جعل الصاروخ فرط الصوتي حقيقة وليس مجرد إعلان دعائي.
كم سرعة الصاروخ الإيراني "فتاح"؟
تم الإعلان عن الصاروخ الأسود ذي الرأس المدبب باعتباره أول صاروخ فرط صوتي إيراني تقول طهران إنه يتمتع بسرعة قصوى تعادل 13-15 ضعف سرعة الصوت، أو نحو 3 أميال في الثانية (4.8 كم/ثانية تقريباً).
وفيما بدا كما لو أنَّها محاولة لإزالة أي شك بشأن الهدف من السلاح، تتباهى لوحة إعلانات متعددة الطوابق أُقيمَت في وسط طهران بأنَّ السلاح الجديد سيكون قادراً على ضرب إسرائيل في غضون "400 ثانية" (6-7 دقائق) من إطلاقه.
كان حاجي زادة قد أعلن أنَّ صاروخاً فرط صوتي قيد التطوير لأول مرة في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2022، خلال فعالية لإحياء ذكرى وفاة محسن فخري زادة، الملقب بأبي البرنامج النووي الإيراني، في عملية اغتيال نفذتها إسرائيل، وفقاً للحكومة الإيرانية وبعض المصادر الغربية.
ومن المفترض أنَّ اسم الصاروخ "فتَّاح" كان من اختيار الرئيس رئيسي نفسه، ولا ينبغي الخلط بينه وبين العديد من الصواريخ الإيرانية التي تحمل اسم "فاتح-Fateh"، مثل صاروخ فاتح 313 الأقصر مدى.
يُقال إنَّ "فتَّاح" يستخدم صاروخاً يعمل بالوقود الصلب، عكس الصواريخ التي تعمل بالوقود السائل، ما يعني أنَّه يمكن تحميله مسبقاً وإبقاؤه في وضع الاستعداد للإطلاق خلال وقت قصير. ويعني أيضاً أنَّ الصاروخ يُحتمَل أن يكون أكثر حركية، لأنَّه لا يحتاج إلى تزويده بالوقود قبل الإطلاق، وهو ما قد يساعد قدرته على النجاة من الضربات. وتُظهِر الصور أنَّ الصاروخ يملك مجموعتين من أربعة أجنحة للمناورة، ويستخدم معززاً صاروخياً كروياً مشابهاً للصاروخ Arash-24 الذي تستخدمه مركبات إطلاق الأقمار الصناعية الإيرانية.
هل يمكن لصاروخ إيران أن يضرب إسرائيل؟
قال حاجي زادة في خطابه، إنَّ الصاروخ "لا يمكن تدميره بأي صاروخ آخر، بسبب الطريقة التي يتحرك بها في اتجاهات مختلفة وعلى ارتفاعات مختلفة". وبحسب تقرير الموقع الأمريكي، فإنه من الملائم دائماً أخذ الادعاءات التكنولوجية الإيرانية ببعض التشكك، لأنَّ البلاد أقامت -في مناسبات عديدة- نماذج بالأحجام الطبيعية لمقاتلات شبحية وقدَّمتها مباشرةً للجمهور باعتبارها طائرة حقيقية تطير، وتُكمِل ذلك بصور مُعدَّلة "للمقاتلات" وهي تحلّق.
لكن المؤكد هو أن إيران حققت تقدماً يمكن التحقق منه، في تطوير مجموعة من الصواريخ الباليستية التي تمثل مزيجاً من صواريخ أسرع وأطول مدى وأكثر دقة من سابقاتها. استُخدِمَت تلك الصواريخ الجديدة في هجمات ضد تنظيم الدولة (داعش) والقوات الإسرائيلية والكردية والأمريكية، إلى جانب بعض سابقاتها، مثل صواريخ "عماد-Emad" و"قدر 110–Ghader110″ و"خرمشهر" و"قاسم سليماني" الباليستي متوسط المدى، وهي الصواريخ التي تعادل أو تتفوق على الصاروخ "فتَّاح" في المدى، لكن لديها سلبياتها الخاصة.
يشرف الحرس الثوري الإيراني على القوة الصاروخية الإيرانية، وبالتالي تلعب تلك القوة دوراً استراتيجياً مهماً في استخدام البلاد للقوة العسكرية التقليدية. كما أنَّها تدعم ضمنياً قدرة إيران على استخدام أي سلاح نووي قد تُطوِّره في نهاية المطاف.
ويمثل هذا التطور مصدر قلق خاص لإسرائيل، عدوة إيران. وأكد وزير الدفاع الإيراني، العميد محمد رضا آشتياني، قدرة "فتَّاح" على "استخدام رؤوس حربية مختلفة لمهمات مختلفة"، وهي من شبه المؤكد إشارة غير مباشرة إلى الدور المزدوج التقليدي/النووي، على الرغم من ادعاءات إيران أنَّ البلوتونيوم الذي وصل إلى درجة الاستخدام العسكري والذي تُخصِّبه لمستويات أعلى وأعلى، لا يهدف إلى الحصول على سلاح نووي.
الآن ومع تباهي إيران بأنَّ "فتَّاح" صاروخ فرط صوتي، فإنَّها تنضم إلى مجال لإنتاج أسلحة عصرية بدأته روسيا والصين.
لكن في الوقت نفسه، كثيراً ما يُستخدَم مصطلح "فرط صوتي" بصورة خادعة للإشارة إلى تكنولوجيا أكثر تقدُّماً مما هو موجود حقاً. يشير مصطلح "فرط صوتي"، بحكم التعريف، إلى صاروخ/طائرة يحلّق بسرعة تضاهي أو تزيد على خمسة أضعاف سرعة الصوت، أو ميل في الثانية (1.6 كم/في الثانية تقريباً). وهذا بكل تأكيد سريع، لكنَّ الصواريخ الباليستية تعزز نفسها بسرعات تفوق سرعة الصوت منذ الخمسينيات والستينيات.
مع ذلك، يشير الاستخدام الحديث لمصطلح "السلاح الفرط صوتي" إلى الأسلحة التي يمكنها الاستمرار في التحليق والمناورة بسرعات تفوق سرعة الصوت. وتتمثل إحدى وسائل تحقيق هذا في وجود صاروخ باليستي يُطلِق ما يُسمَّى مركبة انزلاقية تفوق سرعة الصوت إلى الغلاف الجوي الخارجي، وهي مركبة يمكنها حينئذ القفز فوق الغلاف الجوي مباشرةً، والارتداد مراراً وتكراراً عن جزيئات الهواء الكثيفة أدناها. وتتمثل الوسيلة الأخرى في تطوير صاروخ كروز بمحرك نفاث يعتمد على الهواء المحيط لحرق الوقود ويمكنه الحفاظ على سرعات تفوق سرعة الصوت داخل الغلاف الجوي.
الأمر المهم في هذه الأسلحة ليس سرعتها القصوى، بل تنبع جاذبيتها من حفاظها على سرعتها، ومسارها الأكثر انبساطاً -وبالتالي الأكثر شبحياً- والقدرة على المناورة وتجنُّب الدخول في مجال نصف قطر الاشتباك الأمثل للدفاعات الجوية. كل ذلك يُعقِّد مهمة إصابتها بالصواريخ الاعتراضية.
مع ذلك، استفادت روسيا من الضجة الفرط صوتية من خلال وصف صواريخ إسكندر وكينجال الباليستية باعتبارها صواريخ فرط صوتية. بالتأكيد هذا صحيح وفق التعريف الضيق، فصواريخ إسكندر التي تُطلَق من البر يُزعَم أنَّ بإمكانها أن تبلغ سرعة 6 ماخ (7350 كم/ساعة تقريباً)، ويُزعَم أنَّ صواريخ كينجال التي تُطلَق من الجو يمكنها الوصول إلى سرعة 10 ماخ (12250.4 كم/ساعة تقريباً) أو أعلى. وكي نكون منصفين، تملك مركبات إعادة دخول الغلاف الجوي لهذين الصاروخين المعنيين قدرة مناورة محدودة يمكن استخدامها لتحسين الدقة، وربما تفادي نيران الدفاعات الجوية، وهو تقدُّم مقارنةً بالصواريخ الباليستية الأقدم.
لكنَّها لا ترقى لكونها مركبات انزلاقية، لأنَّه لا يمكنها الحفاظ على سرعة قريبة من سرعتها القصوى وليست قادرة على المناورة بالدرجة نفسها. ويبدو صاروخ "فتاح" أشبه بصاروخ من طراز إسكندر -صاروخ باليستي ذي مركبة إعادة دخول قادرة على المناورة جزئياً- أكثر من كونه صاروخاً ذا مركبة انزلاقية فرط صوتية.
وسائل الإعلام الإسرائيلية تكهنت أيضاً بإمكانية تعديل الصاروخ "فتَّاح" لكي يمكن إطلاقه من الجو -مثلما تطلق روسيا صواريخ كينجال من مقاتلات MiG 31- من الـ24 مقاتلة من طراز Su-35 ذات المحركين التي يبدو أنَّ إيران تتفاوض لشرائها من روسيا. نظرياً، يمكن للمقاتلة الحاملة للصاروخ أن تمنحه ارتفاعاً كبيراً وتعزيزاً للسرعة، الأمر الذي يسمح له بالتحليق بسرعة أكبر ومسافة أطول.
هل يمكن إسقاط الصاروخ الإيراني؟
ادَّعى المسؤولون الإيرانيون أنَّ صاروخ "فتَّاح" الجديد لا يمكن إيقافه بواسطة الدفاعات الجوية الموجودة حالياً، بل يشيرون إلى أنَّه يمكن استخدامه لاستهداف وتدمير مثل هذه الصواريخ الدفاعية كي "تُمهِّد الطريق" أمام الصواريخ التالية الأقل تقدُّماً.
مفهوم "لا يمكن إيقافه" ليس أكيداً بالمعنى الحرفي، وإن كان هذا السلاح سيُشكِّل تحديات لأنظمة الاعتراض. فصاروخ كينجال الروسي "فرط الصوتي" كان يُوصَف أيضاً بأنَّه لا يمكن إيقافه. وحين بدأت روسيا إلقاء تلك الصواريخ على أوكرانيا في 2022، بدا أنَّ تلك السمعة مستحقة، لأنَّ الدفاعات الجوية الأوكرانية التي تعود إلى الثمانينيات خلال الحقبة السوفييتية كانت عاجزة عن وقف صواريخ كينجال، على الرغم من إسقاطها معظم صواريخ كروز والصواريخ الباليستية الروسية الآتية.
لكنَّ كل ذلك تغيَّر بشكل كبير هذا الربيع، حين نشرت أوكرانيا أولى بطاريات باتريوت Patriot أمريكية الصنع بصواريخ PAC-2 وPAC-3 في منطقة كييف. باختصار، بدأت هذه المنظومات –التي تستخدم صواريخ القرن الحادي والعشرين وتملك مستشعِرات تتبُّع رادارية مُدمَجة مُصمَّمة للدفاع الصاروخي منخفض المستوى- تسقط الصاروخ تلو الصاروخ من طراز كينجال، والتي كانت تحاول في الواقع ضرب منظومة باتريوت نفسها.
ويجب أن لا يمنح ذلك الثقة بأنَّ الصاروخ "فتاح" بحد ذاته مضمون لاختراق الدفاعات الإسرائيلية. والتفاخر من جانب المسؤولين الإيرانيين بأنَّ منظومة القبة الحديدية الدفاعية الإسرائيلية ستكون غير فعَّالة في مواجهة صواريخ "فتَّاح" ليس في الواقع مثار إعجاب، لأنَّ القبة الحديدية مُصمَّمة لإسقاط الصواريخ البسيطة غير المُوجَّهة، وليس الصواريخ الباليستية.
في الواقع، تُعَد القبة الحديدية طبقة منخفضة المستوى من الدفاعات الجوية الإسرائيلية متعددة الطبقات. ويشمل ذلك أيضاً بطاريات باتريوت والعديد من الدفاعات الجوية المكافئة، أو حتى الأقوى منها، لاسيما "مقلاع داود-David Sling" (الذي سيحل محل باتريوت)، وصاروخ "باراك 8-Barak 8" البحري، ومنظومتي Arrow 2 وArrow 3 الاعتراضيتين.
علاوة على ذلك، تُطوِّر إسرائيل منذ عام 2014، منظومة صواريخ Arrow 4 الدفاعية، التي تُوصَف بأنَّها مُحسَّنة من أجل التغلُّب على الأسلحة والصواريخ فرط الصوتية المتقدمة التي تطلق رؤوساً حربية متعددة.
قال وزير الدفاع الإيراني آشتياني، إنَّ الصاروخ "فتَّاح" يملك مقطعاً رادارياً صغيراً. وفي حين أن أبسط تقليص للمقطع الراداري يمكن نظرياً أن يساعد في تأجيل زمن الرصد الراداري، تميل الصواريخ الباليستية عالية التقوس إلى أن تكون مرئية بصورة كبيرة للرادارات الأرضية بصفة عامة.
يؤدي إطلاق صاروخ باليستي أيضاً إلى وميض إطلاق كبير، يمكن رصده بواسطة مستشعرات الأشعة تحت الحمراء الخاصة بأقمار الإنذار المبكر الصناعية في مداراتها حول الأرض. يعني هذا أنَّ الدفاعات الإسرائيلية ستكون على علم بهجوم صاروخ "فتَّاح" الآتي، بصرف النظر عن وقت ظهور الصاروخ القادم على الرادارات.
وستعتمد فائدة الصاروخ "فتَّاح" بالنسبة لمهمات الضربات التقليدية أيضاً على دقة نظام توجيهه، الذي لم يتم تناوله بالتفصيل بعد في التصريحات الإيرانية.
مع ذلك، يبدو أنَّ الصاروخ "فتَّاح" يُنذِر بتهديد صاروخي أكثر تطوراً على المستوى الإقليمي من جانب إيران، وسيتطلَّب دفاعات جوية متكاملة إقليمياً بدرجة أفضل من ذي قبل. ولم تكن القوات الأمريكية في العراق محمية بأي دفاعات جوية من طراز باتريوت أو "ثاد-THAAD" لإسقاط الصواريخ الباليستية الإيرانية الأقل تطوراً التي استهدفت قاعدتين أمريكيتين في يناير/كانون الثاني 2020، ولو أنَّ القوات تلقَّت تحذيراً مبكراً بما يكفي للاختباء في الملاجئ ومنع وقوع وفيات في الهجوم. ويمكن أن يقل وقت التحذير ذاك بصورة أكبر بكثير مستقبلاً إذا ما كان الصاروخ "فتَّاح" بالسرعة التي تتباهى بها إيران فعلاً.