مقطع شهير على اليوتيوب لمدرب يقف في منتصف غرفة تغيير الملابس، ويلتف حوله لاعبوه، يُلقي عليهم بعض الكلمات الحماسية، التي كان لها مفعول السحر عليهم، لينزل هؤلاء اللاعبين لأرضية الميدان ويأكلوا الأخضر واليابس.
هذا الرجل يُدعى تيد لاسو، بطل أحد المسلسلات الأمريكية الشهيرة، والتي تحمل نفس اسمه، وتدور أحداثها عن مدرب كرة قدم أمريكية، تسوقه الصدفة البحتة لتولي قيادة فريق كرة قدم، وفي أقوى بطولات العالم، الدوري الإنجليزي الممتاز.
إذاً المعطيات التي نمتلكها، رجل يبرع في تدريب كرة القدم الأمريكية، ولا يعرف شيئاً عن كرة القدم، وربما لم يشاهد مباراة في الدوري الإنجليزي الممتاز من قبل، وإذا سألناك الآن إذا حدثت هذه القصة في الحقيقة، هل تتوقع أن ينجح تيد؟
قبل أن تجيب دعنا نأخذك إلى منطقة فرعية بعيدة عن إجابة السؤال، لكنها ربما تؤثر على قرارك في النهاية.
20 خطاباً حماسياً بإمكانها إثارة حميتك
في كأس العالم الماضية، وبالتحديد في مباراة منتخبي الأرجنتين والسعودية، وبينما كانت تشير مجريات اللقاء إلى فوزٍ سهل لرفقاء ميسي على الأخضر السعودي، بعدما انتهت نتيجة الشوط الأول بتقدم منتخب الأرجنتين بهدف مقابل لاشيء، مع إلغاء 3 أهداف أخرى بداعي التسلل، عاد المنتخب السعودي ليقدم شوطاً ثانياً مثالياً، ويقلب تأخره بفوزٍ بهدفين مقابل هدف.
ما السبب وراء هذا التغير المفاجئ في أداء المنتخب السعودي؟
الإجابة كانت في مقطع فيديو نُشر على حساب المنتخب السعودي الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي، تويتر، يظهر فيه رينارد، أثناء إلقاء خطبة حماسية على اللاعبين، كان من شأنها تغيير نتيجة اللقاء.
المدرب التاريخي للمنتخب المصري في فترته الذهبية "حسن شحاتة"، والحائز على 3 ألقاب متتالية لأمم إفريقيا مع المنتخب المصري، كان قد تحدث عن استخدامه ذات مرة لأغنية شيرين عبد الوهاب "مشربتش من نيلها" لتحفيز اللاعبين قبل نهائي الكاميرون 2008، ويعتقد أنها كانت سبباً في إلهام اللاعبين للفوز بعد ذلك.
في لُعبة كرة اليد مثلاً، يُوجد ما يُعرف بقانون الوقت المستقطع، والذي يمنح المدرب فرصة التحدث مع اللاعبين لمدة 60 ثانية 3 مرات خلال المباراة الواحدة، قد تتضمن هذه الأحاديث تعليمات فنية من المدرب، وقد تشتمل على بعض الكلمات الحماسية التي من شأنها شحذ همم اللاعبين.
20 خطاباً حماسياً بإمكانها إثارة حميتك، هو عنوان لأحد المقالات المنشورة في موقع "Bleacher Report"، عن عدة خطابات حماسية كان من شأنها تغيير نتائج مباريات في رياضات مختلفة، مثل الهوكي وكرة القدم والسلة وغيرها.
وسؤالنا الآن، هل من الممكن أن تُغير كلمة نتيجة مباراة؟
أتعرف ما معنى الكلمة؟
"الكلمة نور، وبعض الكلمات قبور
بعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشري
الكلمة فرقان ما بين نبي وبغي".
لطالما كان الحديث عن أهمية الكلمة وتأثيرها محط أنظار الأدباء والشعراء في مختلف العصور.
تعود الكلمات الماضية للكاتب الكبير عبد الرحمن الشرقاوي في مسرحية "الحسين ثائراً"، عن أهمية الكلمة ودورها في حياة البشر.
في قاموس أوكسفورد الإنجليزي يُعرَّف الإلهام بأنه بمثابة تسريب فكرة ما لشخص أو لمجموعة أشخاص، وما إلى ذلك في العقل الباطن؛ أو هو اقتراح أو إيقاظ وخلق شعور ما أو نبضة شديدة داخل قلوب من يتم إلهامهم".
يتفق علماء الطب وخبراء الأنشطة البدنية مع ذلك، مستندين لأهمية الصحة النفسية ودورها على النشاط البدني للبشر، وتحديداً للرياضيين.
في بحثٍ أُجري في جامعة آزار في طهران على 168 طالباً في جامعات التربية الرياضية، عن تأثير الخطب الحماسية على المجهود البدني الذي يقوم به هؤلاء الطلاب، سواء في التمارين أو المباريات الخاصة بالرياضات التي يشاركون بها، أشارت النتائج إلى أنه كلما زاد عدد سنوات خبرة هؤلاء اللاعبين، زاد تأثرهم بالخطب الحماسية.
وجاءت النتائج كالتالي:
من لديهم خبرة 1-3 سنوات في الرياضة كانت نسبة تأثرهم 14.9%، ومن 8-11 سنة كانت نسبة تأثرهم 15.5%، ومن 12- 15 سنة 23.8%.
وفي دراسة أخرى بعنوان "تأثير الخطب الحماسية في إلهام الرياضيين"، أجراها كلٌّ من "ستيفن ب. جونزاليس وجوناثان إن. ميتزلر وماريا نيوتن" أساتذة علم النفس الرياضي في جامعة يوتا، قسم العلوم الرياضية بالولايات المتحدة، على 151 لاعب كرة قدم جامعياً من القسم الأول في جامعات المنطقة الجنوبية الشرقية للولايات المتحدة، عن تأثير إلهام الخطب والكلمات الحماسية على أدائهم الرياضي، كانت النتائج إيجابية بمقدار 93%.
أستروس يخبرك أن البيانات وحدها لا تكفي
يعرف عشاق لعبة البيسبول أهم علم البيانات ودوره الرئيسي في صنع بطل لبطولة ما؛ إذا ما استُخدم بطريقة صحيحة. يُتحدث "جيف لونو" المدير العام لفريق البيسبول "هويستون أستروس" الأمريكي، وبطل العالم عام 2017، أنه في خضم إنشاء فريقه لم تكن البيانات وحدها كافية لصنع بطل.
يذكر جيف أن البيانات مكنت فريقه من وضع كل لاعب في مكانه المناسب داخل الملعب، لكنهم افتقدوا إلى الرابط الذي يجمع هؤلاء اللاعبين بعضهم بعضاً؛ لذا قرر جيف أن يتعاقد مع 3 لاعبين مخضرمين بتكلفة بلغت 70 مليون دولار، ليس لمساعدة الفريق داخل الملعب فقط، وإنما دورهم كقادة وموجهين للاعبين الأصغر سناً.
أُطلق على اللاعبين الثلاثة اسم "نبض القلب" لفريق أستروس. واستخدموا ما يسميه الأكاديميون "الإقناع اللفظي" لضخ الطاقة في زملائهم في الفريق. على سبيل المثال، لم يصل أستروس تقريباً إلى نهائي بطولة العالم.
لقد خسروا 3 مرات متتالية أمام "نيويورك يانكيز" في سلسلة بطولة الدوري الأمريكية، وكانوا على بعد مباراة واحدة من الإقصاء. بعد الخسارة الثالثة، وقف كارلوس بيلتران، أحد اللاعبين المخضرمين، وألقى "خطاباً حماسياً" ذكّر اللاعبين بقدراتهم، وأعاد تنشيط حافزهم. قال أحد اللاعبين: "كنت أعلم أننا سنعود ونقوم بأشياء خاصة".
طبقاً لما ذكرته مجلة "فوربس" الأمريكية لم تكن قصة هيوستن أستروس لعام 2017 مفاجأة بالنسبة "لتيفاني فارغاس"، الأستاذة المشاركة في علم النفس الرياضي في جامعة ولاية كال، لونج بيتش.
تخبرنا فارغاس، حول قوة الكلام لرفع الكفاءة الذاتية للشخصن ببساطة، الكفاءة الذاتية هي الإيمان بنفسك. كان عالم النفس بجامعة ستانفورد ألبرت باندورا رائداً في دراسة الكفاءة الذاتية. ووجد أنه إذا كان الشخص يعتقد أنه يستطيع إنجاز مهمة – صدقها بكل ذرة من كيانه – فمن المرجح أن ينجزها.
أظهرت نتائج البحث الذي أجرته فارجاس أن الرياضيين الذين تعرضوا لخطاب مشحون عاطفياً قبل مباراة البطولة حققوا أعلى درجات الفعالية، مقارنة بأولئك الذين تعرضوا للخطابات الأخرى.
لكن السؤال الآن إذا كانت الخطابات الحماسية بهذا القدر من التأثير على الرياضيين، لمَ لا يستعملها كل المدربين؟
أحدهم يحب الراب والآخر يعشق الهيب هوب
ليس هناك شك في أن الخطب الحماسية يمكن أن تؤثر على السلوك الشخصي. كان لدى ونستون تشرشل وجون كينيدي وباراك أوباما وأبراهام لنكولن ومارغريت تاتشر القدرة على التأثير في السياسة العامة من خلال خطابهم الشخصية. لكن بالنسبة لكل من هؤلاء القادة، كان خطابهم مصحوباً بالحسم والخبرة السياسية والإرادة الشخصية.
يجب أن يكون الهدف من أي نشاط مسبق هو مساعدة الرياضي على الاستعداد للمنافسة. من المؤكد أن التحفيز والتفعيل عنصران مهمان في هذا الإعداد يجب على المدربين الناجحين التفكير في أفضل طريقة لمساعدة الرياضيين على الاستعداد.
يجب أن يكون الهدف من أي نشاط مسبق هو مساعدة الرياضي على الاستعداد للمنافسة. من المؤكد أن التحفيز والتفعيل عنصران مهمان في هذا الإعداد يجب على المدربين الناجحين التفكير في أفضل طريقة لمساعدة الرياضيين على الاستعداد.
من المحتمل أيضاً أننا جميعاً مررنا بتجربة الشعور بالحماس والإثارة بعد سماع خطاب إيجابي. سواء في العمل أو قبل المباراة أو خلال الأوقات الشخصية الصعبة، يمكن للجميع تقريباً أن يتذكروا الوقت الذي سمعوا فيه خطاباً وغادروا وهم منتشين بالشعور بالحماس. هذا رائع، لكن هل هو مستدام؟ إلى متى يستمر هذا الشعور، وما هو تأثيره على الأداء؟ هي أسئلة يجب على المدربين الإجابة عليها.
يتحدث عالم النفس التربوي "ألفي كون" عما يسميه "مشكلة المديح". وهو يقدم الحجة القائلة بأن المديح والدافع الخارجي "يقوضان بشكل فعال الدافع الداخلي الذي يقود الناس إلى بذل قصارى جهدهم". يقدم أمثلة لطلاب الصف الخامس والسادس في إحدى جامعات المملكة المتحدة الذين طُلب منهم العمل في مهمة تتطلب منهم أن يكونوا مبدعين.
وُجد أن الطلاب الذين تمت الإشادة بهم لم يؤدوا أداءً جيداً مثل زملائهم الذين تلقوا تعليقات أكثر حيادية من معلمهم. ما هو أكثر إثارة للاهتمام، هو أن الطلاب الذين تمت الإشادة بهم شهدوا انخفاضاً في أدائهم في مهام مماثلة قبل أن يتم الإشادة بهم.
كرر الباحثون تجربتهم مع طلاب الجامعات الأمريكية ورأوا نتائج مماثلة. هذا الثناء يؤدي بشكل فعال إلى ضعف ملموس في الأداء. خلص البحث إلى أن "الطريقة الأكثر فعالية لعرقلة الأداء الجيد هي مجاملة المؤدي مباشرة مسبقاً".
هل ما زلت تريد إجراء حديث حماسي قبل المباراة؟
الدكتورة نيكول فورستر، هي لاعبة الوثب العالي الكندية التي سجلت أرقاماً قياسية لا تزال قائمة في بطولات Big Ten وBig Ten Conference Championship. وهي بطلة كندية 8 مرات، وعضو في 20 فريقاً وطنياً، وحائزة على الميدالية الذهبية في ألعاب الكومنولث، ولاعبة أولمبية. وهي حاصلة أيضاً على درجة الدكتوراه في علم النفس الرياضي.
استخدمت الدكتورة فوريستر الموسيقى قبل كل مسابقة كبرى، لكنها كانت تستمع دائماً إلى موسيقى الأوبرا قبل أن تقفز. للوهلة الأولى، لا يبدو أن الاستماع إلى أندريا بوتشيلي هو النوع المثالي من الموسيقى التي يتم سماعها قبل المنافسة، لكن الدكتورة فوريستر أوضحت أنها "علمت أنه سيتم تنشيطها من خلال شدة المنافسة والأوبرا ساعدتها على الهدوء".
من الواضح أن التنشيط السابق للعبة فردي للغاية. إذا احتاج أحد الرياضيين إلى الأوبرا للتحضير، وكان آخر يرغب في الاستماع إلى موسيقى الهيب هوب، فمن الصعب على أي مدرب تلبية هاتين الحاجتين في خطاب واحد. كما أن قيمة الخطب التي تسبق المباراة تعتمد بشكل كبير على الرياضة التي تستعد لها.
بالنسبة للرياضات التي تتطلب قدراً كبيراً من التنشيط مثل لعبة الركبي أو كرة القدم الأمريكية، فإن التنشيط منطقي جداً. ومع ذلك، بالنسبة للرياضات التي تتطلب الصبر والدقة، يبدو الأمر في غير محله. هذا المستوى من التنشيط يبدو غير مناسب وغير مفيد للاعب غولف أو رياضي ثنائي يحتاج إلى تنظيم معدل ضربات قلبه.
نهايةً، ربما نجح تيد لاسو في إثارة حمية لاعبيه في لعبة لا يعرف عنها شيئاً، لكن الأمر في الواقع يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير. لكننا سنترك لك حرية الإجابة عن السؤال الذي طرحناه في البداية.
وقبل أن ننتهي، ننصحك بمشاهدة تيد لاسو إذا لم تكن قد شاهدته، وندعوك لتدبر المبدأ الذي اتخذه في الحياة؛ ألا وهو "Believe"، صدّق نفسك وثق بقدراتك.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.