لفتت مناورات الأسد الإفريقي الأنظار هذا العام، سواء لأنها الأضخم من نوعها ولأنها جرت لأول مرة بمشاركة جنود من الجيش الإسرائيلي، وسط تقارير عن قلق جزائري، ومساعٍ أمريكية لطمأنة الجزائر بأن المناورات التي تعد الأضخم في إفريقيا ليست موجهة لها.
وبينما أعلن الجيش الإسرائيلي مشاركته في النسخة الـ19 من مناورات "الأسد الإفريقي" بالمغرب، فإن الرباط تجنبت الإشارة لمشاركة تل أبيب في المناورات التي بدأت في 6 يونيو/حزيران 2023، وتستمر حتى 16 يونيو/حزيران 2023.
منذ عام 2007، انطلقت أول نسخة من مناورات "الأسد الإفريقي" بين المغرب والولايات المتحدة، وتشارك فيها دول أوروبية وإفريقية، وهي تُجرى سنوياً، لكن أقيمت أحياناً أكثر من نسخة في العام الواحد. وتعد أكبر مناورات عسكرية في إفريقيا.
ووقعت واشنطن والرباط في عام 2020 اتفاقية لتعزيز التعاون العسكري تمتد 10 سنوات، بينما يعتبر المغرب شريكاً وحليفاً كبيراً للولايات المتحدة، وبلداً مستقراً للغاية في قارة ومنطقة تحتاج إلى الاستقرار.
ليست أول مشاركة إسرائيلية ولكنها أول مشاركة فعالة
والمناورات التي تستمر لأسبوعين يشارك فيها 12 جندياً من قوات النخبة في الجيش الإسرائيلي، وهم من لواء "غولاني"، أحد ألوية النخبة في القوات البرية الإسرائيلية.
وفي بيانه لفت الجيش الإسرائيلي إلى أنه "في الأسبوعين المقبلين، سيركز جنودنا على تدريبات في مواقف قتالية مختلفة تجمع بين حرب العصابات في المدن والحرب التحت أرضية، وستختتم بتدريب مشترك لجميع الجيوش المشاركة".
وفي العام الماضي شارك الجيش الإسرائيلي في مناورات "الأسد الإفريقي"، لكن على مستوى مراقبين عسكريين دوليين فقط، أي من دون أية مشاركة لجنوده على الأرض المغربية.
ولكن هذا العام يشارك جنود من كتيبة غولاني الإسرائيلية في مناورات "الأسد الإفريقي 2023" العسكرية بالمغرب "لأول مرة بشكل فعال"، حسب بيان للجيش الإسرائيلي.
ولواء غولاني هو وحدة مشاة من قوات النخبة في الجيش الإسرائيلي تنفذ باستمرار مهام في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تتركز مهام عملها في العمليات العسكرية النوعية في الداخل والخارج، حسب الجيش الإسرائيلي.
وأرجع مصدر إسرائيلي سبب مشاركة هذه الوحدة بالتحديد في التدريبات، إلى أن كتيبة غولاني هي أفضل ما يمثل إسرائيل عسكرياً في الخارج، إذ ستستفيد الكتيبة من وجودها في تضاريس لم يسبق لها تجربتها من قبل.
وقال المصدر لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" إن المغرب لديه خبرة ومعرفة جيدة بهذه الكتيبة العسكرية، التي عادة ما تقوم بمهام عسكرية في الداخل والخارج.
وتعمل إسرائيل من خلال هذه المناورات لتشجيع باقي الدول العربية على مسار التطبيع.
وقال بيان للجيش الإسرائيلي: "خلال الأسبوعين المقبلين، سيركز مقاتلو غولاني على ممارسة تحديات قتالية مختلفة تجمع بين حرب المشاة في المناطق الحضرية والحرب السرية التي يتخصصون فيها، وسيختتمون المناورات في تمرين مشترك لجميع الجيوش".
وتُعتبر هذه المشاركة حجر أساس بالنسبة للجيش لخلق تعاون عسكري تدريجي مع المغرب، وذكرت "بي بي سي" أن سلاح الجو الإسرائيلي قد يشارك العام المقبل في مناورات "الأسد الإفريقي"، والتي تقام بشكل سنوي بمشاركة 18 دولة.
ويعمل المغرب وإسرائيل على تسريع تعاونهما على الصعد العسكرية والأمنية والتجارية والسياحية منذ تطبيع العلاقات بينهما في ديسمبر/كانون الأول 2020، في إطار اتفاقات أبراهام التي توسّطت فيها الولايات المتحدة وأثمرت تطبيعاً للعلاقات بين الدولة العبرية وعدد من الدول العربية.
ومقابل تطبيعه علاقاته مع إسرائيل حصل المغرب من الولايات المتحدة على اعتراف بـ"السيادة المغربية" على الصحراء الغربية المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عبر ما يعرف باتفاق سلام أبراهام، ورغم أن إدارة بايدن تبدو غير متحمسة للاتفاق، وتتجنب غضب الجزائر، ولكن لم تغير القرار الخاص بالاعتراف بمغربية الصحراء.
وتأتي المشاركة الإسرائيلية بالتزامن مع زيارة مثيرة للجدل لرئيس الكنيست أمير أوحانا إلى المغرب، أثارت اعتراضات من المعارضة المغربية.
ومؤخراً، قال مسؤولون إسرائيليون إن مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زار الرباط، يوم الأربعاء، في الوقت الذي تدرس فيه حكومته إمكانية إعلان الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية المتنازع عليها، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Monitor الأمريكي.
8 آلاف جندي من 18 دولة يشاركون في مناورات الأسد الإفريقي
ويشارك في مناورات الأسد الإفريقي ما يقرب من 8 آلاف عسكري من 18 دولة.
وأوضحت هيئة الأركان المغربية أنّ المناورات هذا العام تشمل خصوصاً "تدريبات تكتيكية برية وبحرية وجوية ومشتركة، ليلاً ونهاراً، وتمريناً مشتركاً للقوات الخاصة، وعمليات محمولة جواً، ومستشفى عسكرياً ميدانياً يقدم خدمات جراحية – طبية لفائدة السكّان، وتمارين مكافحة أسلحة الدمار الشامل".
وتجرى مناورات "الأسد الإفريقي 2023" في 7 من مناطق المملكة، بحسب هيئة الأركان العامّة للقوات المسلحة الملكية المغربية، وهي أكادير وطانطان والمحبس وتزنيت والقنيطرة وبن جرير وتفنيت.
وقال البيان تعد المناورات موعداً سنوياً يُسهم في توطيد التعاون العسكري المغربي الأمريكي، وكذا تقوية التبادل بين القوات المسلحة لمختلف البلدان، من أجل تعزيز الأمن والاستقرار بالمنطقة.
المناورات، وهي الأكبر التي تنظم سنوياً في القارة الإفريقية، جرى معظمها في المغرب، وكذلك في تونس والسنغال وغانا. وهدف التدريبات أساساً هو "تطوير مستوى التحضير وكفاءات الجيوش المشاركة وتعزيز قدرات شركاء أمريكا"، وفق ما قال قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) الجنرال ستيفن ج. تاونسند.
وخلال افتتاح المناورات يوم الإثنين الماضي، تم عرض موضوع التمرين ومختلف الأنشطة المدرجة في برنامج هذه الدورة الـ19، ولا سيما تمرين التخطيط العملياتي لفائدة أطر هيئات الأركان بـ"فريق العمل" "Task Force"، والتدريبات التكتيكية البرية والبحرية والجوية والمشتركة، ليلاً ونهاراً، والتمرين المشترك للقوات الخاصة، والعمليات المحمولة جواً، والمستشفى العسكري الميداني الذي يقدم خدمات جراحية – طبية لفائدة السكان، وتمارين مكافحة أسلحة الدمار الشامل.
سبق أن تضمن برنامج "الأسد الإفريقي 2022" عدة مناورات عسكرية برية وجوية وبحرية، وتمارين للتطهير البيولوجي والإشعاعي والنووي والكيميائي، بالإضافة إلى تدريبات في الإسعاف الطبي والتدخل لأغراض إنسانية.
تستهدف مواجهة المتطرفين ومرتزقة فاغنر
ومنذ العام الماضي أصبح مرتزقة فاغنر هدفاً رسمياً للمناورات، حسب التصريحات الرسمية الأمريكية، رغم أن المغرب حرص على النأي بنفسه عن الخلاف الروسي الغربي الذي تفاقم بسبب حرب أوكرانيا، حيث حذر آنذاك قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) الجنرال ستيفن ج. تاونسند، من أن الولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة مدعوة لمواجهة انتشار جماعات متطرفة عنيفة، فضلاً عن مرتزقة روس في منطقة الساحل التي تشهد عدم استقرار متزايداً.
وفي العام الماضي، قدمت فرق عسكرية عرضاً يحاكي هجوماً جوياً وبرياً متزامناً ضد أهداف معادية في منطقة صحراوية قرب مدينة طانطان جنوبي المغرب. وشاركت في العملية طائرات إف 16 مغربية ومروحيات أباتشي ودبابات إم 1 وآليات أخرى ضمن فريق مدرعات مشترك مدعوم بنظامين للقذائف، بينها قذائف هيمارس التي حصل عليها الجيش الأوكراني.
تشمل مناطق من الصحراء.. فهل تستهدف مناورات هذا العام الجزائر؟
مناورات الأسد الإفريقي، ستشمل منطقة المحبس في الصحراء على الحدود الجزائرية، حسب الإعلام المغربي.
وهذه هي المرة الثالثة على التوالي التي يتم خلالها ضمّ منطقة "المحبس" في الصحراء، التي تقع على خط التماس عند الحدود مع الجزائر، ما اعتبره البعض تكريساً للاعتراف الأمريكي بسيادة الرباط على الإقليم الصحراوي المتنازع عليه، بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر.
وتعتبر المحبس منطقة حساسة عسكرياً بحكم وجودها على بعد أقل من 40 كيلومتراً عن مخيمات تندوف، حيث توجد معاقل جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، وتطالب بتأسيس دولة في الصحراء.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، تعرضت منطقة المحبس لهجوم لجبهة البوليساريو، ما أشعل أزمة في ذلك الوقت.
واللافت احتفاء الإعلام الإسرائيلي بأن المناورات تجرى في مناطق بالصحراء، وإشارته لما زعم أنه فشل لمحاولات ما وصفه باللوبي الجزائري في واشنطن لوقف هذه المناورات، خاصة السيناتور الجمهوري جيمس إينهوف، والذي وصفه موقع i24news الإسرائيلي بزعيم اللوبي المؤيد للجزائر في واشنطن.
تقارير عن مناورات جزائرية مضادة بالذخيرة الحية
واستبق الجيش الجزائري مناورات الأسد الإفريقي بإطلاق مناورات جديدة بالذخيرة الحية، تحديداً بالمنطقة العسكرية الثالثة والقطاع العملياتي الجنوبي، المعروفين بوجودهما ببشار وتندوف، المتاخمتين للحدود المغربية الشرقية وحدود الصحراء؛ وذلك قبل 11 يوماً على انطلاق مناورات "الأسد الإفريقي"، حسب وسائل إعلام مغربية.
وقال موقع "هسبريس" المغربي "إن سائل الإعلام الجزائرية تناقلت صور المناورات، التي شملت وحدة الفرقة 40 للمشاة الميكانيكية ومختلف الوحدات العسكرية الأخرى، باستخدام مختلف الأسلحة قصيرة ومتوسطة المدى، مع استعمال الذخيرة الحية.
وأفادت تقارير إعلامية زعمت أنها تنقل عن المخابرات المغربية أن هناك انتشاراً هائلاً غير مسبوق على الحدود من القوات الجزائرية بناءً على أوامر رئيس أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة بعد الاجتماع الأخير لمجلس الأمن الأعلى، الذي انعقد في جلسة عقدت في 1 يونيو/حزيران 2023.
تم تبرير سبب إعادة التسلح على الحدود من قبل شنقريحة في سياق العمليات العسكرية للرباط ضد جبهة البوليساريو وراء الجدار المغربي، والتوغلات المزعومة للمجال الجوي الجزائري من قبل طائرات مسيرة مغربية ومعدات جوية جديدة والتي، وفقاً للجزائر، تهدف لمراقبة الوحدات العسكرية الجزائرية.
ومع ذلك، ليست هذه هي المرة الأولى التي تحشد فيها الجزائر قواتها على الحدود الشرقية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، نفذت الجزائر وروسيا مناورات عسكرية مشتركة في منطقة بشار، القتال السابق لما يسمى بحرب الرمال بين الجزائر والرباط.
توترت العلاقات بين الجارتين بعد أن قطعت الجزائر العلاقات الدبلوماسية مع المغرب في أغسطس/آب 2021 بسبب ما وصفه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بـ"الأعمال العدائية المتكررة"، كما ينخرط البلدان خلالها في سباق تسلح خاص بهما.
ويعقّد الوضع التحالفات استراتيجية لكلا البلدين، بينما تعمل الجزائر على تعزيز تحالفها مع روسيا، فإن المغرب يفعل الشيء نفسه مع أهم شريك له؛ الولايات المتحدة.
كما يمثل المغرب أهمية كبرى للدول الأوروبية باعتباره معبراً للهجرة غير الشرعية، خاصة بالنسبة لإسبانيا التي تدهورت علاقتها مع الجزائر، بسبب اعتراف مدريد بمقترح المغرب للحكم الذاتي للصحراء، وردّت الجزائر بعقوبات اقتصادية على مدريد في وقت ازدادت حاجة مجمل البلدان الأوروبية للغاز الجزائري بسبب الحرب الأوكرانية.
كما يزداد قلق الجزائر من التطبيع المغربي مع إسرائيل، الذي يعتقد أنه يشمل أوجه تعاون في مجالات الاستخبارات ومبيعات السلاح، في وقت ترفض الجزائر التطبيع وتعد من أقوى الدول العربية في دعم حقوق الفلسطينيين.
هل هي رسالة أمريكية للجزائر؟
سبق أن قال قائد القوات الأمريكية بإفريقيا الجنرال تاونسند، العام الماضي، إن التدريبات "ليست موجهة ضد بلد معين، بل تسعى إلى رفع مستوى التحضير المشترك في مواجهة تحديات مشتركة"، مشيراً إلى أن "الرهانات المطروحة داخل حلف شمال الأطلسي وفي أوكرانيا تؤكد قيمة وجود حلفاء أقوياء وشركاء يعملون معاً للدفاع عن مصالحنا المشتركة".
من جانبه، قال قائد مشاة البحرية الأمريكية، الجنرال مايكل لانجلي، في إحاطة صحفية رقمية حول أفريكوم وتحديات الأمن الإقليمي في إفريقيا نشرت في مارس/آذار 2023:" إن هناك عدداً من الأشياء المشتركة عبر شمال إفريقيا. أعلم أن لديهم بعض الخلافات، لكن هذا في المجال الدبلوماسي، ولدي ثقة كاملة بأنهم سوف يسعون إلى طريق للمضي قدماً".
وأشار لانجلي إلى إنه قد ذهب مؤخراً إلى الجزائر، وإلى اتصاله برئيس أركان الجيش الجزائري بعد ذلك، معرباً عن تقديره لجهود الجزائر في مكافحة الإرهاب ودعم الاستقرار الإقليمي من خلال مبادراتها لتدريب قوى الجوار.
وتتسم العلاقة بين الجزائر والدول الغربية، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، بالحساسية، كانت الجزائر، تاريخياً، حليفاً للاتحاد السوفييتي، ومؤيداً متحمساً لحركات التحرر ولاسيما القضية الفلسطينية، ولكن علاقتها ظلت أقل توتراً مع الغرب من دول مثل ليبيا والعراق وسوريا وغيرها من الدول العربية الاشتراكية.
وفي العقود الماضية، تحسنت العلاقات الجزائرية مع الغرب خاصة بسبب الحرب على الإرهاب، كما ازدادت أهميتها، بسبب ثروتها من الغاز، ولكن في المقابل، ظلت شريكاً لروسيا، خاصة في مجال صفقات السلاح، ورغم أنها لم تعد داعماً لحركات المقاومة الفلسطينية المسلحة، إلا أنها تظل من أكبر الداعمين العرب مالياً للسلطة الفلسطينية، وتتجنب التطبيع قبل استعادة الحقوق الفلسطينية.
ولذلك تسعى الولايات المتحدة لتعزيز علاقتها مع المغرب حليفها الأقرب للمنطقة دون إغضاب الجزائر، ولكن صفقة الاعتراف الأمريكية بالصحراء التي عقدها ترامب مقابل التطبيع أخلت بهذا التوازن، وكانت الجزائر تتوقع من إدارة بايدن التراجع عن الاعتراف بمغربية الصحراء، ولكن هذا لم يحدث، ولكن في المقابل حرصت واشنطن على التأكيد على أن علاقتها مع المغرب ليست موجهة ضد الجزائر، عكس حليفتها إسرائيل التي يبدو أنها تحاول التلميح إلى أن تعزيز علاقتها مع المغرب في جزء منها استهداف للجزائر.
ويبدو أن الجزائر بدورها، حريصة على عدم توتير العلاقة مع الولايات المتحدة، مع الاحتفاط بعلاقتها بروسيا، ولذا نظمت في نوفمبر/تشرين الثاني المناورات العسكرية مع موسكو قرب حدودها الشرقية، فيما يبدو أن ردة فعلها على مناورات الأسد الإفريقي، أقرب للتجاهل بصرف النظر عن التقارير عن الانتشار العسكري الجزائري على الحدود بالتزامن مع المناورة.