تخيِّم على النخبة الروسية حالة من التشاؤم الشديد إزاء عواقب الحرب التي بدأها الرئيس الروسين فلاديمير بوتين، في أوكرانيا، حتى إن أكثرهم تفاؤلاً صار يرى أن "تجميد" الصراع أفضل خيار متاح للكرملين في هذه الحرب.
كشف 7 أشخاص مطلعين، تحدثوا لوكالة Bloomberg الأمريكية، دون الكشف عن هويتهم، أن كثيرين في النخبة السياسية والتجارية الروسية سئموا الحرب وصاروا يريدون توقفها، إلا أنهم يستبعدون رغبة بوتين في إيقاف القتال. فيما قال 4 أشخاص إنه لا أحد لديه الاستعداد لمعارضة الرئيس الروسي ومطالبته بإنهاء الغزو، لكن الإيمان المطلق بزعامته للبلاد قد تزعزع بسبب هذه الحرب.
وقال مصدران إن أفضل احتمال ممكن هو التفاوض في وقت لاحق من هذا العام، ومن ثم "تجميد" الصراع، والسماح لبوتين بإعلان انتصار ما للروس -وإن كان باهظ الثمن- والاحتفاظ ببعض الأراضي الأوكرانية التي استولت القوات الروسية عليها.
معضلة عصيّة في روسيا!
كيريل روجوف، مستشار الحكومة الروسية السابق، الذي غادر البلاد بعد الغزو ويرأس الآن مركز Re: Russia البحثي في فيينا، قال إن "النخبة الروسية واقعة في معضلة عصية على الحل"، "فهم يخشون التضحية بهم في حرب لا معنى لها"، و"من المدهش مدى انتشار الرأي الذي يميل إلى أن بوتين لن ينتصر في هذه الحرب بين النخبة الروسية".
ومن المرجح أن يؤدي تفاقم اليأس إلى تزايد التلاوم بين المسؤولين الروس على تعثر الغزو، خاصة أن الخلافات الحادة بين المتشددين القوميين ووزارة الدفاع الروسية قد بدأت تظهر في العلن بالفعل. وبالنظر إلى أن الكرملين مقبل الآن على مواجهة هجوم مضاد أوكراني، تدعمه الولايات المتحدة وأوروبا بأسلحة قيمتها مليارات الدولارات، فقد تقلص استبشار المسؤولين الروس بقدرة القوات على تحقيق أي تقدم كبير في ساحة المعركة بعد شتاء لم تحرز فيه قوات موسكو تقدماً يُذكر، بل تكبدت خسائر فادحة.
فيما أدى الانهيار الكارثي لسد كاخوفكا العملاق في أوكرانيا يوم الثلاثاء، 6 يونيو/حزيران -والذي اتهمت الحكومة الأوكرانية روسيا بالمسؤولية عنه، وأنكرت روسيا- إلى زيادة تعقيد الصراع، فقد اجتاحت مياه الفيضانات مساحات شاسعة من المناطق التي تدور فيها المعارك.
وتُقلل الهجمات داخل روسيا من شعور المواطنين الروس بالأمن، فقد تعرّضت موسكو الأسبوع الماضي لأكبر هجمات بالطائرات المسيّرة منذ بداية الحرب، وامتد القتال إلى منطقة بيلغورود الروسية المتاخمة لأوكرانيا، ويقدح كل ذلك في زعامة بوتين القائمة على حماية أمن روسيا.
وقد تسرّب الشك كذلك إلى بعض المناصرين للغزو، والمتشددين في تأييدهم لتكثيف الحملة العسكرية على أوكرانيا، فقد تناقصت ثقتهم بقدرة روسيا على بلوغ الانتصار في هذه الحرب التي كان من المفترض أن تنتهي في غضون أيام، إلا أنها صارت الآن في شهرها السادس عشر.
خطط روسيا لم تنجح!
وأدت الإخفاقات العسكرية إلى تصريح بعض القوميين -مثل يفغيني بريغوزين، مؤسس مجموعة مرتزقة "فاغنر"- بانتقاداتهم العلنية لوزير الدفاع سيرغي شويغو، وقائد الجيش الروسي فاليري غيراسيموف، وبدأوا في الحث على إعلان الأحكام العرفية، وتنفيذ تعبئة واسعة النطاق لتجنب الهزيمة المحدقة في الأفق.
فيما قال سيرغي ماركوف، وهو مستشار سياسي لديه علاقات وثيقة مع الكرملين: "لقد وقعت أخطاء فادحة"، فقد "كانت التوقعات السائدة قبل وقت طويل أن روسيا ستُسيطر على غالبية أوكرانيا، لكن هذه التوقعات لم تتحقق".
ويصرّ بوتين وكبار مسؤوليه على أن روسيا ستنتصر، على الرغم من التباس صورة الانتصار المتوقع، بعد أن فشل الجيش في الاستيلاء على كييف في بداية الحرب. ومع ذلك، لا توجد بوادر على وجود معارضة لزعامة بوتين من داخل دائرته القريبة.
وقالت 4 مصادر مطلعة إن معظم أفراد النخبة يتجنبون معارضته ويواصلون عملهم، مقتنعين بأنهم عاجزين عن التأثير في مسار الأحداث. وقال 5 أشخاص إن بوتين لم تصدر عنه أي بادرة تشير إلى رغبته في إنهاء الحرب.
في هذا السياق، قالت ألكسندرا بروكوبينكو، الصحفية السابقة في روسيا والباحثة غير المقيمة حالياً في مركز كارنيغي، إن "المسؤولين الروس قد تكيفوا مع واقع أنه لا ضوء في نهاية النفق، ويغلب عليهم التشاؤم حيال المستقبل"، وقد "صارت أقصى طموحاتهم أن تخسر روسيا من دون إذلال".