تفتيت الحركة المدنية و”التهرب” من الإفراج عن معتقلين.. كتلة معارضة “شكلية” في الحوار الوطني في مصر

عربي بوست
تم النشر: 2023/06/05 الساعة 08:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/05 الساعة 08:48 بتوقيت غرينتش
الحوار الوطني في مصر - توضيحية / الأناضول

تشهد العلاقة بين الحكومة المصرية والمعارضة توتراً متصاعداً رغم انطلاق الحوار الوطني الذي يستهدف التوافق على رؤية موحدة بين قوى الموالاة والمعارضة للتعامل مع المشكلات الداخلية التي تعانيها الدولة المصرية على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما ينعكس على مجموعة من الظواهر بينها تشكيل كتلة معارضة جديدة لكنها تخدم توجهات الحكومة، بالإضافة إلى تحجيم الحركة المدنية أثناء انعقاد جلسات الحوار.

إذ أعلنت مجموعة من الشخصيات السياسية والأكاديمية من المشاركين في "الحوار الوطني" في مصر، تدشين كيان سياسي جديد باسم "كتلة الحوار"، خلال مشاركتهم بإحدى جلسات الحوار الوطني نهاية الأسبوع الماضي، يقوده البرلماني السابق باسل عادل والذي استقال من حزب المحافظين (معارض وأحد أحزاب الحركة المدنية) قبل ساعات من انطلاق الحوار الوطني.

وقال عادل في بيان أصدره عقب تشكيل التحالف المزعوم الأسبوع الماضي، إنه "من رحم فعاليات الحوار الوطني، تم ميلاد مجلس أمناء كتلة الحوار ليكون عنواناً لتحالف بين مجموعة من لبنات الشعب المصري، ليبرالية الهوى، مصرية الثقافة والهوية، تآلف مصري شعبوي نخبوي مستقل، من مثقفين وأكاديميين وتكنوقراط وسياسيين".

وأضاف عادل: "مجلس أمناء "كتلة الحوار" يضم 20 عضواً (اللجنة التأسيسية)، ونسعى لامتدادات للآلاف من الشخصيات الوطنية المخلصة، تلك أولى خطواتنا للانطلاق لمشروعنا السياسي "حزب الحوار" يوماً ما"، مطالباً مجلس أمناء الحوار باعتماده، وهو ما رحب به المنسق العام، للحوار ضياء رشوان، الموالي للسلطات.

كواليس تحالف صوري

كشف مصدر مطلع بالحركة المدنية لـ"عربي بوست" كواليس تأسيس الكتلة الجديدة، مشيراً إلى أن الحركة تعرضت لمحاولات عديدة لتفتيتها عبر مجموعة من قيادات الأحزاب المنضوية داخلها، معتبراً أن التدخلات الأمنية في توجهات الأحزاب تجعل هناك أشخاصاً لديهم مصالح قد لا تتوافق مع التوجهات العامة للحركة.

كان هذا سبباً في غياب التوافق داخل الحركة بشأن مجموعة من الملفات المهمة على رأسها ملف اختيار مرشح رئاسي في مواجهة الرئيس عبد الفتاح السيسي في الانتخابات المقبلة العام القادم، وكذلك الموقف من الحوار الوطني، ونهاية بالحديث عن تشكيل كتلة ليبرالية تضم عدداً من أحزاب الحركة المدنية لكنها لم ترَ النور حتى الآن.

وأضاف المصدر ذاته أن التكتل الجديد الذي يتزعمه باسل عادل لم يكن غريباً وهناك قناعة من الأحزاب الفاعلة داخل الحركة المدنية بأن هناك ترتيبات تجري لتدشين تحالف "صوري" جديد يمكن أن يشغل محل المعارضة في حال اتخذت الحركة المدنية قراراً بالانسحاب من الحوار مع عدم الاستجابة لمطالبها كاملة قبل انطلاق جلساته المباشرة، وأن تلك المحاولات تعددت، وقبل عدة أشهر أقدم مجموعة من أحزاب الموالاة لتدشين "تحالف أحزاب المعارضة".

لم تستطِع تلك الأحزاب التي جاء على رأسها حزب الجيل الديمقراطي الذي يرأسه ناجي الشهابي، أن تقنع الرأي العام في مصر بأن هناك تحالفاً معارضاً آخر موازياً للحركة المدنية، ووفقاً للمصدر ذاته، فإنها عمدت على اتخاذ مواقف داعمة للحكومة وقرارها ولم تجرؤ على معارضتها، في حين أنها تحمل اسم "المعارضة"، وبالتالي كان التفكير في دفع مجموعات من داخل الحركة المدنية نحو تدشين تحالفات جديدة وتكون أكثر إقناعاً بأن لديها دوراً معارضاً.

بديل جاهز يمثل المعارضة في الحوار

شدد المصدر المطلع على أن التكتل الذي يرأسه باسل عادل جرى الإعداد له منذ أن أصرت الحركة المدنية على الإفراج عن الأسماء التي تقدمت بها قبل انطلاق الحوار، وهو ما رفضته الحكومة التي علمت بنوايا البعض في الانسحاب من الحوار، وجاءت دعوة المنسق العام للحوار الوطني ضياء رشوان لعدد من أعضاء الحركة لحضور اجتماع لا يعلم أحد أهدافه قبل ساعات من انطلاق الحوار، ليعلن هؤلاء بعدها انسحابهم من حزب المحافظين الذي يعد أبرز الأحزاب تأثيراً داخل الحركة كان شاهداً على استضافة غالبية اجتماعاتها.

وفي 29 أبريل/نيسان الماضي، أي قبل ثلاثة أيام من انطلاق الحوار الوطني، قال منسق الحوار الوطني: "عقد المنسق العام للحوار لقاء مع مجموعة من رموز وقيادات العمل السياسي والإعلامي في مصر من مختلف الاتجاهات والأفكار، للتشاور حول مجريات الحوار الوطني، وبحث مشاركتهم الفعالة في كل مراحله كما أوضحوا جميعاً في خلال هذا اللقاء".

وأكد محلل سياسي قريب من الحركة الحكومة لـ"عربي بوست" أن رشوان قصد من وراء هذا الاجتماع الذي ركز على جملة "اقتناع المشاركين فيه بالمشاركة في جلسات الحوار بكل مراحله"، التأكيد على أن هناك مجموعة من المعارضة ليس لديها أي نوايا للانسحاب من الحوار حتى وإن لم تستجب الحكومة لمطالب الحركة المدنية، وأنه في حال انسحابها فإن هناك بديلاً جاهزاً سيتم الإعلان عنه ليمثل المعارضة في الحوار، بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك بعد أن التقى بقادة من الحركات والأحزاب التي لديها توجهات معارضة لا تنتمي للحركة المدنية.

وأشار المصدر ذاته إلى أن الكتلة الجديدة تشكلت من الشخصيات التي شاركت في الاجتماعين الأول المنعقد في 29 أبريل/نيسان، والثاني المنعقد في 2 مايو/أيار قبل ساعات من انطلاق الحوار، وتنتمي إلى مجلس أمنائها، ما يعد رسالة واضحة للمعارضة بأنها لن تستطيع لي ذراع الحكومة، وبعث إشارات على أن الحركة المدنية قابلة لأن تتفتت على نحو أكبر خلال الأيام المقبلة، وبالتالي فإن انسحابها لا يشكل إحراجاً للحكومة سواء كان ذلك أمام الرأي العام المحلي أو الدولي.

ولفت إلى أن التكتل الجديد يعمل على اتخاذ مواقف تتقارب مع اتجاهات المعارضة، لكن دون أن يمارس ضغوطاً قوية على الحكومة لتنفيذ ما تراه المعارضة من رؤى، وأن الهدف من ذلك هو إتاحة الفرصة للجهات التي تهندس الحوار الوطني ألا يخضع الحوار لتوجهات المعارضة مع إمكانية تقديم تنازلات غير مؤثرة في مجمل المشهد السياسي.

على سبيل المثال فإن الحكومة سوف تمرر مطالب الأحزاب بإعادة تمويلها لكنها في الوقت ذاته ترفض أن تتنازل عن إجراء انتخابات البرلمان بالقائمة النسبية المغلقة وتصر على القائمة المغلقة المطلقة.

وكانت أولى جلسات الحوار الوطني في مصر، انطلقت يوم 3 أيار/مايو الجاري، بمشاركة سياسيين وأحزاب وشخصيات عامة وبرلمانيين، لمناقشة قضايا محددة قُسمت إلى ثلاثة محاور، سياسية واقتصادية ومجتمعية.

تشكل الحركة المدنية الديمقراطية التي تضم 12 حزباً معارضاً، التكتل المعارض الأكبر والأبرز في الحوار، وجاءت مشاركتها عقب إجراء تصويت داخلي، انقسم فيه ممثلو الأحزاب بين مؤيد ومعارض، ووافق على المشاركة 13 صوتاً، مقابل 9 أصوات أعلنت رفضها.

المعارضة في موقف الضعف

وفي المقابل دافع أحد أعضاء المجلس التأسيسي لكتلة الحوار، عن رؤية التكتل الجديد، مؤكداً أن المنتمين إليه جرى إرغامهم على الاستقالة من الحركة المدنية، وأن حزب المحافظين رفض مجرد حضور أعضائه جلسة نقاشية عقدها المنسق العام للحوار الوطني قبل انعقاده، ورغم أن المدعوين للاجتماع أخطروا قيادة الحزب به، غير أنهم اشترطوا مشاركة كافة قيادات الحركة المدنية، وهو أمر ليس منطقياً.

وأوضح أن الحركة المدنية تركت القضايا الفاعلة في الحوار وتفرغت للمطالبة بالإفراج عن عدد معين من المحبوسين على ذمة قضايا رأي، في حين أن ذلك يشكل تفرقة بين المواطنين؛ لأن هناك محبوسين آخرين بعيداً عن القائمة التي قدمتها يستحقون إطلاق سراحهم.

كما أنها حشرت نفسها في زاوية إما استجابة الحكومة لكافة مطالبها أو الانسحاب من الحوار دون أن تضع نقاطاً تفاوضية عديدة من الممكن أن تحقق ورءئها مكاسب سياسية، وحينما أصرت الحكومة على موقفها ظهرت المعارضة في موقف الضعف، على حد تعبيره.

وأشار إلى أن الكتلة ترى أن أداء المعارضة يمكن تطويره بما يساهم في إثراء الحياة السياسية وأنه طوال العام الماضي كانت هناك فرصة لأن تبلور المعارضة مطالب الشعب المصري بما يساهم في تقوية شعبيتها على الأرض لأن هناك قضايا جوهرية وذات ارتباط مباشر بمصالح المواطنين في الملفين الاجتماعي والاقتصادي، كما أن تهديدها المستمر بالانسحاب من الحوار يجعلها تغفل عن أحد أبرز أهداف تأسيسها والذي يتمثل في المقاومة السياسية السلمية والمشاركة الفاعلة في المجال العام.

تطور إيجابي ومهم

وشدد على أن الكتلة الجديدة تعبر عن تطور سياسي مهم يرتبط بانطلاق أول حوار حقيقي بين الحكومة والمعارضة وأن الارتباط بالحوار أمر إيجابي ويعزز من توجهات الحكومة نحو تقبل وجود رأي آخر لها، كما أن الكتلة منفتحة على جميع الآراء وليس لديها غضاضة من انتماء أي شخصيات أو أحزاب سياسية إليها، كما أنها تؤمن بالتنافس الحر تحت مظلة الدستور وتستهدف التأسيس لمرحلة جديدة من النضج والوعي السياسي في منطقة وسط بين معارضة متشددة لآرائها وجهات حكومية تؤمن برأيها فقط.

وأثار ترحيب المنسق العام للحوار الوطني بتأسيس الكتلة وسط وجود أحزاب مؤيدة ومعارضة تساؤلات عديدة حول دوره في تأسيسها، وهو ما وضعه أمام سهام انتقادات عديدة من شخصيات مؤيدة ومعارضة ترى أن الحوار لا ينبغي أن ينحاز لتحالف أو حزب على حساب آخر.

ورحب ضياء رشوان، المنسق العام للحوار الوطني، بتأسيس كتلة الحوار، معقباً: "نأمل في أن يكون الكيان نبراساً للتحالفات ذات وجهات النظر القريبة.. وسنراعي وجود هذه الفكرة في مجلس الأمناء".

الحركة المدنية الديمقراطية الحوار الوطني مصر
من اجتماع الحركة المدنية الديمقراطية/ فيسبوك

اللعب على جميع الحبال

وقال محلل سياسي من الحركة المدنية  لـ"عربي بوست" إن الكتلة بمثابة اختراق لأسس وقواعد إقامة الحوار؛ لأنها ارتبطت به وحظيت بدعم المنسق العام، وهو ما يشير لوجود مشكلات عديدة يعانيها الحوار جراء عدم قناعة الرأي العام بما يدور داخله، وأن أهدافه التي تتمثل في إنتاج مخرجات تساعد على لمّ الشمل السياسي لم تتحقق حتى، وعلى العكس من ذلك فإن الحوار يدعم التفرقة بين الأحزاب المشاركة فيه.

وأوضح أن المشاركين في التكتل الجديد اعتادوا اللعب على جميع الحبال وساهموا في حالة الفوضى السياسية التي أعقبت اندلاع ثورة يناير/كانون الثاني وهدفت لتفتيت قوى الثورة، وبينهم باسل عادل مؤسس الكتلة الذي شارك في تجارب حزبية عديدة منذ العام 2005 حينما انضم لحزب الغد قبل أن يستقيل منه مروراً بعدد من الأحزاب بينها الوفد والمصريين الأحرار والمحافظين.

ويمنح تأسيس تكتل سياسي جديد فرصة لتفتيت أصوات القوى المشاركة في جلسات الحوار والتي تستخدم حق التصويت تجاه القضايا الخلافية، ووفقاً للسياسي ذاته، فإن أصوات المعارضة ستكون مفتتة؛ وهو ما يسمح بأن تأتي غالبية التوصيات النهائية للحوار في صالح الحكومة التي تحظى بالأساس بتمثيل واسع عبر عشرات أحزاب الموالاة التي ليس لديها حضور على الأرض لكنها تدافع عن رؤى الحكومة.

وقد يكون إرجاء جلسات الحوار الوطني لمدة أسبوع دافعاً نحو إعادة ترتيب أوراق القوى السياسية وكيفية إتاحة مساحة سياسية له للتحرك، وبحسب المصدر ذاته، فإن توقيف الحوار ليس منطقياً بعد أن دارت عجلته، وكشف عن أن نما إلى علمه أن جهات حكومية تستهدف إدخال تعديلات على طريقة إدارته أو إتاحة الفرصة للتكتل الجديد من أن يرتب مواقفه السياسية.

وأقرَّ مجلس أمناء الحوار الوطني، بدء جدول أعمال جلسات الأسبوع الثالث للحوار، يوم الأحد 4 يونيو/حزيران، لكنه تم تأجيله بسبب الطقس وعدم عقد جلسات خلال الأسبوع الماضي، وذلك بعد التشاور مع مقرري العموم والمقررين المساعدين لمحاور الحوار الثلاثة، وفق ما أعلنه الكاتب الصحفي ضياء رشوان، المنسق العام للحوار الوطني.

وقال رشوان إن الحوار يستلزم أن تتم صياغة الخلاصات والمقترحات الناتجة عن جلساته العامة لكي تعرض على مجلس الأمناء لمناقشتها وإقرارها بصورتها النهائية لرفعها لرئيس الجمهورية، وهو ما يتطلب بدوره عقد عدد من الاجتماعات المصغرة المتخصصة تعبر عن كل الاتجاهات بعد كل عدة جلسات عامة، لأنه من المستحيل عقدها في نفس أسابيع جلسات اللجان.

تحميل المزيد