في خطوة مفاجئة أعلنت الحكومة الفرنسية عن انطلاق إجراءات خطتها الواسعة لضبط ما أسمتهم "المستفيدين زوراً من التقديمات الاجتماعية"، وأيضاً الذين يحصلون على معاشات الأجانب في فرنسا ومخصّصات الأسرة والحد الأدنى للشيخوخة.
وأعلن غابريال أتال، الوزير المسؤول عن الحسابات العامة والناطق الرسمي باسم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في حوار مع جريدة لوباريزيان الفرنسية، أن الحكومة تعتزم تشديد شروط الاستفادة من التقديمات الاجتماعية.
ويُعتبر شرط الإقامة داخل فرنسا لمدة لا تقل عن 9 أشهر في السنة ضرورياً لأي شخص يُريد الاستفادة من أموال التقديمات الاجتماعية التي تمنحها فرنسا للفرنسيين باختلاف أصولهم، حسب الوزير الفرنسي.
ومن المتوقع أن يتأثر بالخطة، التي أعلن عنها الوزير الفرنسي، مواطنون من أصول عربية، خصوصاً المغاربيون، إذ تُشير إلى أنهم لا يستوفون شروط الاستفادة من معاشاتهم، لكنهم يحصلون عليها خارج القانون.
لا معاشات فرنسية خارج الاتحاد الأوروبي
وفي إطار الخطة الفرنسية الجديدة، التي تُعارضها أحزاب اليسار، كشف غابريال أتال، الوزير المسؤول عن الحسابات العامة، والناطق الرسمي باسم الرئيس الفرنسي أن هناك أشخاصاً يتقاضون معاشاتهم من فرنسا، لكنهم يعيشون خارج الاتحاد الأوروبي.
وأضاف الوزير في تصريح للجريدة الفرنسية لوباريزيان، أن أولئك بعض الأشخاص الذين توفوا لكنّ معاشاتهم ما زالت تُرسَل من الميزانية الفرنسية إلى حساباتهم خارج أراضي الجمهورية، وذلك خلافاً للقانون.
وبلغة الأرقام قال الوزير الفرنسي إن هناك أكثر من مليون متقاعد يتلقون معاشاتهم من فرنسا، لكنهم يعيشون خارجها، نصفهم خارج الاتحاد الأوروبي، 300 ألف منهم يعيشون في الجزائر وحدها.
وبحسب الوزير المتحدث باسم الرئيس الفرنسي، فإن الحكومة الفرنسية تُضيع ما بين 6 مليارات و8 يورو من أموال التقديمات الاجتماعية تذهب سنوياً إلى غير مستحقيها بسبب ما وصفها بعمليات الاحتيال.
وحسب الحكومة الفرنسية، فإن المعاشات والمعونات الاجتماعيات لن تصل إلى أي حساب بنكي خارج الاتحاد الأوروبي، انطلاقاً من فاتح يوليو/حزيران 2023، على أساس أن يدفع المخالفون للقرار غرامات انطلاقاً من فاتح يناير/كانون الثاني 2024 نسبتها 10%.
عضو حزب فرنسا الأبية اليساري، محسن يوسف، يرى في هذه المبادرات الحكومية محاولة للتضييق على المهاجرين، وسعي الحكومة الحالية لمغازلة اليمين التقليدي والسير على خطى اليمين المتطرف.
فيما يخص محاربة الاحتيال، قال المتحدث إن الحكومة الفرنسية لجأت إلى هذه القرارات لسد عجزها المالي وتغطية نفقاتها، عوض البحث عن بدائل حقيقية، كما أن المهاجرين والفئات الهشة باتت الحلقة الأقرب للتغطية على الفشل، ما صرف الاهتمام الشعبي بشأن موضوع إصلاح نظام التقاعد الذي ما زال يثير الجدل.
من جهة أخرى، وارتباطاً بموضوع المتقاعدين المهاجرين الذين تسعى الحكومة لأن تفرض عليهم شروطاً للاستفادة من تعويضاتهم كاملة، فوفق محسن يتنافى مع مبدأ حقوق الإنسان الذي تنادي به الجمهورية الفرنسية، متسائلاً في هذا السياق: كيف لفرنسي متقاعد أن يستفيد من تعويضه كاملاً، ويعيش حيثما شاء في حين لا يُسمح للمهاجر بذلك؟
ما الذي تراه فرنسا احتيالاً؟
تُبرر الحكومة الفرنسية الخطة الجديدة التي أعلنت عنها، بكون فرنسا تتعرض للاحتيال على المساعدات والمعونات الاجتماعية، وأيضاً المعاشات من طرف مستفيدين من أموالها دون تحقيقهم للشروط المطلوبة.
وحسب المعلومات التي علمها "عربي بوست"، فإن الحكومة الفرنسية ترى على لسان وزيرها، غابريال أتال، أن هذا الاحتيال مثل التهرب الضريبي، ويحرم الفرنسيين من عائدات مهمة، خصوصاً في ظل الأزمة التي يشهدها العالم.
ومن بين أوجه هذا "الاحتيال" تقول الحكومة الفرنسية إن هناك من غادر أراضي الجمهورية باتجاه بلاده، ويشتغل، ولديه راتب، لكنه لا يُصرح بذلك ويتقاضى راتبين الأول في بلاده، والثاني يأتي من فرنسا.
أيضاً ترى الحكومة الفرنسية أن هناك من يتلاعب بوضعيته الاجتماعية، فتجد الشخص غير متزوج، لكنه يأتي بأوراق مزورة تقول إنه متزوج، وتجد من طلق ولم يعد مسؤولاً عن أسرة، لكنه لا يُخبر الدولة بذلك ويستفيد من الإعانة الاجتماعية شأنه شأن المواطن المتزوج.
أما بخصوص الأطفال الذين تدفع الدولة مبالغ مالية مساعدة لأسرهم، فالحكومة الفرنسية تقول إن هناك أسراً لا تملك أطفالاً وتعيش خارج فرنسا، لكنها تأتي بأوراق غير شرعية تُبرر بها وجود أطفال.
وطلبت فرنسا من الدول التي يوجد بها أكبر عدد من المستفيدين الذين لا يستوفون الشروط، حسب تعبيرها، تسليم معلومات خاصة للحكومة الفرنسية، وهذا الطلب مُوجه بشكل كبير إلى دول المغرب العربي خصوصاً المغرب والجزائر.
ومن بين هذه المعلومات تسعى الحكومة الفرنسية للحصول على كشف الحسابات البنكية للمستفيدين من أموال الدعم والمعاشات، بالإضافة إلى الحصول على تفاصيل الحالات الاجتماعية لمعرفة ما إذا كان المستفيد متزوجا أو لا.
أموال فرنسا تُرسَل للمغرب العربي
خطة الحكومة الفرنسية لضبط شروط الاستفادة من التعويضات الاجتماعية خلقت مواجهات سياسية بين أحزاب اليمين المدافع عن الخطة واليسار الرافض لها داخل البرلمان الفرنسي.
من جهته، خرج وزير المالية الفرنسي، برونو لومير، بتصريحات في لقاء إعلامي اتهم من خلالها أشخاصاً بـ"الاحتيال" عبر "إرسال المعونات الاجتماعية التي تُعطيها فرنسا إلى دول المغرب العربي"، في إشارة منه للمغرب والجزائر.
وقال لومير لقناة "بي إف إم تي في" "سئم مواطنونا من الاحتيال.. لا يرغبون بتاتاً بأن يروا أشخاصاً يستفيدون من مساعدات ويرسلونها إلى المغرب العربي، في وقت لا يحق لهم ذلك.. النموذج الاجتماعي ليس مصمَّماً لهكذا أفعال".
من جهتها، اعتبرت سعاد شويح، المتحدثة باسم جمعية مغاربة فرنسا، تصريحات وزير المالية الفرنسي، برونو لومير، مساساً خطيراً بالحريات الفردية، ونظرة استعمارية لشريحة من المواطنين هم في حاجة لحقوقهم.
وقالت المتحدثة في تصريح لـ"عربي بوست" إن هذه التصريحات بمثابة إجهاض لحق آلاف المهاجرين الذين وهبوا حياتهم وشبابهم للرفع اقتصاد فرنسا، ولن تساهم بشكل إيجابي في مكافحة العنصرية وستفتح المجال لليمين المتطرف في الانتخابات المقبلة.