عندما قبل السلطان العثماني سليم الأوّل طلب أعيان مدينة الجزائر تعيين خير الدين بربروس والياً عليهم سنة 1519، بدأت الجزائر تدريجياً تفرض نفسها كواحدة من أقوى دول البحر المتوسط، ومع دخول القرن السابع عشر، كان الأسطول الجزائري هو القوة الأولى في المتوسط، لكنّ تلك الصورة بدأت تتضرر فعلياً، عندما بدأت مرحلةٌ جديدة من نظام الحكم بالجزائر، وهو عهد الأغوات الذي بدأ في سنة 1659، ولم يستمرّ سوى 11 سنة فقط.
وعلى الرغم من كونه أقصر فترات الحكم العثماني في الجزائر، فإن تأثيراته كانت الأكبر والأهم في تلك المرحلة، فقد دخلت البلاد في اضطرابات سياسية كبيرة، من انقلابات واغتيالات وفساد مستشرٍ، وكاد خلالها الحكم العثماني للجزائر أن ينهار بعد أن عجز الأغوات عن فرض الأمن والاستقرار، خصوصاً مع تضاعف التهديدات الخارجية التي كانت تتربص بالجزائر من قبل فرنسا وإنجلترا.
كيف وصلت الجزائر إلى عهد الأغوات؟
منذ أن انضمت الجزائر رسمياً إلى كنف الدولة العثمانية سنة 1519، كان الولاة العثمانيون المعينون من قبل السلطان العثماني هم وحدهم من يديرون نظام الحكم بإيالة الجزائر، فكان خير الدين بربروس أوّل والٍ عثماني للجزائر، وإن كان قد سبقه أخوه عروج، لكن في تلك الفترة كان حكمه صورياً ولا يتبع للباب العالي، وذلك بحسب مقالٍ أكاديمي بعنوان "طبيعة الحكم العثماني في الجزائر".
وعلى هذا النحو استمر حكم الجزائر من قبل الولاة العثمانيين الذين كان يطلق عليهم لقب البايلرباي، وعلى هذا النحو سميّت المرحلة بمرحلة البايلربايات التي امتدت حتى سنة 1587، وكان آخر ولاتها العلج علي، وكانت سمتها البارزة تأسيس طائفة رياس البحر والبحرية الجزائرية التي فرضت قوتها في المتوسط.
وأمام التوجس الذي أصاب الباب العالي من خشية انفصال حكام الجزائر عن الدولة العثمانية، تقرر اعتماد نظام حكمٍ جديدٍ، أطلق عليه نظام الباشاوات، ومن خلاله يتمّ تعيين باشا عثماني على الجزائر لمدة ثلاث سنوات فقط، وهي الفترة التي بدأ فيها الصراع على الحكم يظهر إلى السطح بين رياس البحر والانكشارية، وذلك حسب كتاب "الجزائر خلال الحكم التركي" للمؤرخ الجزائري صالح عبّاد.
مع ذلك نجح الباشاوات في الانفراد بالحكم حتى سنة 1659، وهو العام الذي انتفض فيه رياس البحر على آخر باشا للجزائر وهو إبراهيم باشا الذي زجّ به الرياس في السجن، لكن انقلاباً مضاداً كان يُدبّر في الخفاء كان أبطاله رجال الانكشارية الذين استغلوا فراغ منصب الباشا، وأعلنوا أحد قادتهم في مكانه تحت اسم الآغا، وكان ذلك القيادي هو خليل بالكباشي الذي عيّن أوّل آغا للجزائر سنة 1659.
عهد الأغوات.. حين قتل كلّ من حكم الجزائر!
بعد نهاية مرحلة الباشاوات وانفراد الانكشارية بالحكم في الجزائر، اعتمد عهد الأغوات رسمياً بجلوس خليل بالكباشي على عرش الجزائر وأصبح يعرف باسم خليل الآغا، كان نظام الأغوات يعتمد على بقاء الآغا في منصبه لشهرين فقط، على أن يتمّ استخلافه برجلٍ آخر من الانكشارية وذلك عن طريق الانتخابات، ويخلفه في مهامه أكثر العسكريين أقدمية.
أسالت الفترة القصيرة التي يمكث فيها الآغا في منصبه، لعاب كثير من جنود الانكشارية، الذين كان يطمعون في الوصول إلى منصب الآغا، فعلى الرغم من أنّ هذا النظام اعتُمد لوضع حدٍّ لاستفراد الآغا بالحكم واستبداده، فإنه فتح باباً للصراع على الحكم كان الأكثر دمويةً في تاريخ الجزائر العثمانية، فقد قتل خلال تلك الفترة كل من جلس على عرش حكم الجزائر، وذلك وفقاً لمذكرة جامعية بعنوان "ظاهرة الاغتيالات في الجزائر العثمانية".
وطيلة فترة عهد الأغوات تناوب على حكم الجزائر أربعة أغوات فقط، والغريب أنّهم جميعاً قتلوا شرّ قتلة من قبل جنود الانكشارية، وذلك بسبب محاولة احتفاظهم بمنصب الآغا أكثر من المدة القانونية المحددة لهم، أو لعجزهم عن دفع رواتب الجنود.
فقتل خليل الآغا بعد أن حاول تمديد فترة حكمه، لينقلب عليه جنود الانكشارية الطامعين في الحكم ويغتالونه سنة 1660.
وفي نفس يوم اغتياله نصّب الانكشاريون رمضان الآغا حاكماً على الجزائر، وعلى الرغم من رشوته لجنود الانكشارية للاستمرار في الحكم، فإنه قُتل هو الآخر شرّ قتلة من قبل الانكشارية الذين شنقوه وسط إحدى الأسواق ورموا جثته إلى الكلاب وذلك بعد سنةٍ واحدةٍ من حكمه.
خلف رمضان الآغا، قائد آخر من قادة الانكشارية وهو شعبان آغا الذي استمر حكمه حتى 1665، لكنه لقي مصير أسلافه نفسه بعد أن اغتاله الانكشارية سنة 1665.
أمّا آخر حكام عهد الأغوات فكان العلج البرتغالي الآغا علي، الذي بقي في الحكم إلى غاية 1671، بعدما اغتيل من قبل جنود الانكشارية، وذلك بعد أن أغضب علي الآغا طائفة رياس البحر، وبموته انتهى رسمياً عهد الأغوات، على الرغم من محاولة الانكشارية تنصيب 7 أغواتٍ في يومٍ واحدٍ لكنهم اغتيلوا جميعاً، بعد سيطرة رياس البحر على الحكم وبداية عصر الدايات.
عهد الأغوات.. حروب خارجية وأخرى داخلية
يجمع المؤرخون على أنّ عهد الأغوات كان الفترة التي لم تعرف فيها الجزائر الاستقرار الداخلي، فعلاوةً على صراع الحكم ومؤامرات قادة الانكشارية للوصول إلى الحكم، شهدت الجزائر عدة اضطرابات داخلية، فاشتد الصراع بين القوتين العسكريتين البارزيتن في البلاد وهما الانكشارية ورياس البحر، كما اندلعت العديد من الثورات الشعبية التي خاضها الجزائريون ضد الأغوات، وذلك وفقاً لمذكرة أكاديمية بعنوان "الجزائر في عهد الأغوات".
لكن الخطر الأكبر الذي كان يهدد الجزائر في تلك الحالة كان تعرضها للغزو الخارجي، وبالفعل كانت فترة الأغوات واحدةً من أكثر المراحل التي تعرضت فيها الجزائر للغارات الأوروبية بغية إسقاطها.
فكانت الجزائر في حالة حرب مع فرنسا خلال عهد الأغوات، حيث أرادت فرنسا استغلال الوضع غير المستقر من أجل تنظيم حملات عسكرية ضد الجزائر، كان أهمها الحملة العسكرية التي قادها الجنرال الفرنسي بوفور في عام 1663 للاستيلاء على مدينة الجزائر، ولكن تلك الحملة باءت بالفشل، فنظمت حملة أخرى في 23 يوليو/تموز 1664 استهدفت من خلالها مدينة جيجل، رياس البحر أجبروا الحملة الفرنسية على الانسحاب بعد معركة دموية خسرت فيها فرنسا العديد من بواخرها وجنودها.
مع ذلك كرَّر ملك فرنسا لويس الرابع عشر عام 1665، هجوماً آخر فاشلاً على كل من مدن شرشال والقل وجيجل، ولم يعد السلم بين الدولتين إلا بإبرام اتفاقية جديدة مع فرنسا، في 7 مايو/أيّار 1666، والتي نصت على إطلاق الأسرى من الجانبين.
من جهتهم دخل الإنجليز على خط استهداف إيالة الجزائر خلال عهد الأغوات، فقامت إنجلترا عام 1669 بشن هجوم على الجزائر، وفي سنة 1671 هاجم الإنجليز ميناء بجاية وأضرموا النار في 12 مركباً جزائرياً، كما هاجموا ميناء الجزائر وأضرموا النار في ثلاثة مراكب.
وإلى جانب الفرنسيين والإنجليز، كان للهولنديين والإسبان تحرشاتٌ ضد الجزائر، كادت تتحوّل إلى تحالفٍ أوروبي ضد البلد العربي، إلا أنّ الجزائر عقدت صلحاً مع الهولنديين عام 1663 لمحاربة فرنسا، وصالحت فرنسا لتحارب الإنجليز والهولنديين، وفي عام 1671 صالحت الإنجليز لتعود إلى الحرب مع فرنسا، وتفوّت بذلك فرصة تحالف الجميع ضدها.