كيف سيكون شكل العلاقة بين تركيا وإسرائيل بعد فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بولاية جديدة، حيث كانت التوتر سمة علاقته بإسرائيل خلال السنوات الماضية قبل أن تشهد العلاقة بعض التهدئة والتحسن.
ونجحت تركيا وإسرائيل في تحقيق قدر من التهدئة خلال العامين الماضيين، وتحولت فترة التوترات الحادة بين عامي 2009 و2020 بسرعة لتقريب العلاقات.
ومع ذلك، قد تكون هذه العلاقات وثيقة على السطح فقط؛ لأنه لا تزال هناك تحديات كبيرة، وغالباً ما تُلمِّح وسائل الإعلام في أنقرة إلى مؤامرات وفضائح أخرى يمكن أن تزعزع الوضع الحالي. كما تلتزم قيادة إسرائيل اليوم الحذر أيضاً في علاقتها مع أنقرة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية.
منافسة بين تركيا وإسرائيل في ظل نمو قوتيهما بالمنطقة
وتنمو القوة الاستراتيجية لكل من إسرائيل وتركيا، وهما تدركان كيف تعمل هذه السياسة الجديدة، التي لا تمثل فقط جزءاً من عالم ما بعد الحرب الباردة، بل أيضاً جزءاً من نظام عالمي متحول.
ولا تُعَد نتيجة الانتخابات التركية مفاجأة كبيرة في إسرائيل. فقد مرت السياسة الإسرائيلية نفسها بلحظات مماثلة على مدار العقد ونصف العقد الماضيين، عندما بدا أنَّ ائتلافاً كبيراً من أحزاب الوسط واليسار واليمين قد يدفع الزعيم القديم بنيامين نتنياهو جانباً.
جذور التوترات متعددة الطبقات بين الدولتين
كانت تركيا واحدة من أوائل الدول الإسلامية التي أقامت علاقات مع إسرائيل بعد عام 1948. وتحسنت هذه العلاقات بشكل عام خلال أواخر التسعينيات، ووصلت إلى أوجها آنذاك. ومع ذلك، فقد شهد العقدان الماضيان المزيد من التوترات والخلافات.
وتتسم التوترات بين إسرائيل وأنقرة بأنها متعددة الطبقات. تقوم أصول الحزب الحاكم في أنقرة على القيم الإسلامية السياسية. وهو لا يسعى إلى دور أكبر في العالم الإسلامي فحسب، بل يريد أيضاً الدفاع عن القضايا التي يعتقد أنها تحظى بشعبية في العالم العربي والإسلامي. ولتحقيق هذه الغاية، دعمت أنقرة حركة حماس سياسياً في الماضي واستضافت قادتها.
لكن لم تسِر الأمور دائماً على هذا النحو. فقد أرادت أنقرة، في وقت من الأوقات، أن تسهم بدور في عملية السلام بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وحتى السلام بين إسرائيل وسوريا. لكن ولّت تلك الأيام التي كانت تتبع فيها أنقرة سياسة "تصفير المشكلات"، وأمضت عدة سنوات، وتحديداً خلال إدارة ترامب، في الدفاع عن مصالحها في مواجهة منافسيها بالمنطقة، بما في ذلك إسرائيل واليونان والخليج والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرها.
ولكن الشرق الأوسط يتغير والجميع يتصالح
كانت سياسة تركيا تقوم على التصعيد، ثم تخفيف التوتر والتأكيد على أنَّ التوترات تؤدي إلى الاحترام.
وقد كانت تلك السياسة من أعراض حقبة بدا فيها دور الولايات المتحدة يتراجع، وأرادت أنقرة اتباع سياسة استراتيجية أقوى، تحاول من خلالها إقامة علاقة مع موسكو وتأكيد استقلاليتها أمام أمريكا، والعمل مع إيران ودول أخرى، مثل الصين.
ولكن في الأجواء الجديدة في الشرق الأوسط، الأمر مختلف.
اليوم، تتغير الرياح السياسية، والشرق الأوسط يتصالح الجميع. وصارت الدبلوماسية هي المعيار الجديد، وتعمل دول مثل المملكة العربية السعودية الآن مع إيران وسوريا.
واليوم، تبدو أنقرة أكثر ثقة في أنَّ سياساتها قد حققت النجاح والاحترام الذي تريده. وما قد يعنيه ذلك هو أنه يمكن لتركيا وإسرائيل تحقيق تسوية مؤقتة، حيث لا تتشارك حكومتا نتنياهو وأردوغان في القيم ولا تتفقان بالضرورة، لكنهما تستطيعان المناورة مع قدر أقل من الجدل مما كان في الماضي.
ومن المهم أن نفهم ما دور العلاقات مع الغرب في ذلك. فقد تأثرت علاقة تركيا مع واشنطن من خلال الهجمات على قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، والحصول على نظام "إس-400" الروسي المضاد للصواريخ وتهديدات الولايات المتحدة لأنقرة بشكل عام. وتتشدق الدول الغربية بالكلام، وتتظاهر بتهنئة أردوغان بفوزه، لكن في الغالب لأنها لا تريد المزيد من المشكلات وسط حرب أوكرانيا والتوترات مع الصين وروسيا.
وتفترض أنقرة أنَّ دور الغرب آخذ في الانحدار، وأنَّ العالم صار متعدد الأقطاب، مع تبخر الهيمنة الأمريكية. وتتشارك أنقرة هذا الرأي مع روسيا والصين وباكستان وإيران. ولا تشاركها إسرائيل هذا الرأي، لكنها تدرك كيف أنَّ هياكل القوة المتغيرة تجبر الدول على اتخاذ قرارات معقدة؛ مثل مصالحة الرياض مع طهران.
تركيا استغلت فترة ترامب لتعزيز مصالحها وقوت علاقتها بحماس
وخلال عهد ترامب، استغلت أنقرة العلاقات الوثيقة مع واشنطن، والشعور بأنَّ الولايات المتحدة كانت انعزالية؛ لتحقيق مصالحها مثل الهجوم على الأكراد في عفرين بسوريا وأجزاء أخرى من شمالي سوريا، ودعم حكومة الوفاق المعترف بها دولياً في ليبيا وأجزاء من إفريقيا والقوقاز.
ومن الغريب أنَّ حقبة ترامب أدت إلى استضافة أنقرة لحركة حماس أكثر، في حين أنَّ المرء قد يفترض أنَّ وجود إدارة موالية لإسرائيل في الولايات المتحدة، ومُقرَّبة أيضاً من أنقرة، كان من الممكن أن تسحَب البساط الأحمر من تحت أرجل حماس. وبدلاً من ذلك، غيرت أنقرة لغتها عندما تولى بايدن منصبه، مُفضِّلَة المصالحة، على أمل أن تساعد العلاقات مع إسرائيل في تحسين موقفها مع واشنطن.
هل تستمر معادلة "لا توترات ولا دفء" مع أنقرة أم تفسدها الممارسات الإسرائيلية؟
والآن، عاد الوضع لسابق عهده. فالولايات المتحدة لديها دورة انتخابات العام المقبل. ويبدو أنَّ نتنياهو مستقر في السلطة. وبدوره، يبدو أردوغان راسخاً في الحكم لنصف العقد المقبل. ويمكن أن يتغير الكثير في غضون 5 سنوات. إذ سترغب أنقرة في المضي قدماً في تنفيذ التغييرات؛ مثل الاستثمار في صناعة الأسلحة وربما المصالحة مع النظام السوري.
وسيحدد الوقت ما إذا ستستمر العلاقات الحالية مع أنقرة القائمة على سياسة "لا توترات، لكن ليس الدفء"، أم تعود للتوتر بسبب الأحداث في قطاع غزة والضفة الغربية وتطورات أخرى غير متوقعة.
وفي الوقت الحالي، يخفف الاتجاه العام نحو الدبلوماسية في المنطقة من حدة تراجع العلاقات. ومع ذلك، لا توجد رياح قوية تدفع نحو أي تحسن عام في العلاقات؛ لأنه من غير المرجح أن يستفيد نتنياهو أو أردوغان من أي نوع من الود العلني.
بالطبع ما لم تشر له الصحيفة الإسرائيلية، أنه إذا عاد التوتر بين تل أبيب وأنقرة سيكون بسبب الانتهاكات الإسرائيلية سواء بحق الأقصى أو عبر عودة الاعتداءات على غزة.