انزلقت ألمانيا إلى حالة الركود الاقتصادي خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام، إذ خفضت الأسر في البلاد من الإنفاق تأثراً بالارتفاع الحاد في أسعار الطاقة والغذاء، فيما توصف حالة الركود في تعريفها التقني بأنها انكماش الاقتصاد لربعين متتالين، وهو ما حدث للاقتصاد الألماني على مدى الربعين الماضيين، منذراً بالانكماش الاقتصادي في منطقة اليورو ككل خلال الربع الأول من هذا العام، حسب ما نشرته صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.
لا يؤثر هذا الانكماش الطارئ بتغيير جوهري في آراء الاقتصاديين بشأن التوقعات القريبة لاقتصاد البلاد، ومن المرجح أن أي انخفاض في الإنتاج شهدته المنطقة عموماً كان انخفاضاً محدوداً، ومع ذلك فإن الركود في منطقة اليورو من شأنه أن يقلل من قدر التفاؤل الذي تراكم بشأن الآفاق الاقتصادية للمنطقة في الأشهر الأخيرة.
كما يمكن أن يُزيد مقدار الحذر بين صانعي السياسات في البنك المركزي الأوروبي، بعد أن كانوا يستعدون لمزيد من رفع أسعار الفائدة كبحاً للتضخم.
وقال بيرت كولين، الخبير الاقتصادي في مؤسسة "آي إن جي" المالية: إن "الركود التقني تغييرٌ في السردية العامة التي مالت إلى مرونة اقتصاد منطقة اليورو خلال الأرباع الأخيرة".
ارتفاع أسعار المواد الغذائية
وكشفت وكالة الإحصاء الألمانية، الخميس 25 مايو/أيار 2023، أن الناتج المحلي الإجمالي -وهو مقياس واسع لإجمالي السلع والخدمات التي ينتجها الاقتصاد- قلَّ بنسبة 0.3% في الأشهر الثلاثة حتى مارس/آذار عن نظيره في الربع الأخير من العام الماضي. وكانت التقديرات السابقة لوكالة الإحصاء قد توقعت استقرار الاقتصاد في الربع الأول، بعد أن انكمش بنسبة 0.5% في الربع الأخير من العام الماضي.
فيما قالت الوكالة إن انخفاض استهلاك الأسر بنسبة 1.2% كان السبب الرئيسي للانكماش، فقد تآكلت القوة الشرائية لكثير من الأسر بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وزادت قيمة مدفوعات الأسر الألمانية مقابل مشترياتها من المواد الغذائية في مارس/آذار بنسبة 21.1% عما كانت عليه في الشهر نفسه من العام السابق.
كان الاقتصاديون قد حذروا في الأشهر التي أعقبت الغزو الروسي لأوكرانيا مباشرة، من أن ألمانيا معرضة بقدرٍ كبير لخطر الانزلاق إلى الركود، بالنظر إلى اعتمادها على الإمدادات الروسية من الغاز الطبيعي. ولكن البيانات الاقتصادية التي صدرت في مطلع العام أوحت بأن ألمانيا ستتجنب هذا المصير.
في المقابل، أكدت الأرقام المنقحة للربع الأول أن رابع أكبر اقتصاد في العالم قد دخل في حالة الركود، لكن على نحو أقل حدة مما كان يُخشى عندما قطع الكرملين إمدادات الغاز في صيف 2022.
تواصل الانكماش الاقتصادي في ألمانيا
وتوقعت استطلاعات الأعمال أن تعود ألمانيا إلى النمو الاقتصادي خلال الربع الثاني، لكن تأثير ارتفاع تكاليف الاقتراض، وضعف التوسع في كثير من أسواق التصدير الرئيسية، يشيران إلى إمكان تواصل الانكماش في الربع الثالث الممتد من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول.
وقالت فرانزيسكا بالماس، الخبيرة الاقتصادية في شركة "كابيتال إيكونوميكس" -التي توقعت حدوث انخفاضات في الناتج المحلي الإجمالي خلال الربعين الثالث والرابع- إن "ارتفاع أسعار الفائدة سيواصل التأثير في كل من الاستهلاك والاستثمار، وقد تعاني الصادرات أيضاً وسط الضعف الاقتصادي في الأسواق المتقدمة الأخرى".
وعلى الرغم من أن تقديرات النمو لبقية الدول الأعضاء في منطقة اليورو لم تتغير، فإن المقياس الجديد للناتج المحلي الإجمالي لألمانيا يشير إلى أن اقتصاد منطقة العملة ككل قد تقلص على نحو طفيف في الربع الأول. وتشير تقديرات وكالة إحصاءات الاتحاد الأوروبي حالياً إلى أنها نمت بمعدل سنوي قدره 0.3%، بعد تقلصها بنسبة 0.2% في الربع الأخير من العام الماضي.
ومع أن هذا التغيير في الناتج الإجمالي المقاس سيكون صغيراً، فقد يكون له تأثير مباشر في قرارات البنك المركزي الأوروبي بشأن سعر الفائدة خلال الأشهر القادمة. فقد رفع الاقتصاديون في البنك المركزي الأوروبي توقعاتهم للنمو لهذا العام والسنوات اللاحقة في مارس/آذار، ورجعت بعض أسباب ذلك إلى الصورة المبشرة التي كان عليها اقتصاد منطقة اليورو في مطلع العام، والتي يبدو الآن أنها كانت مفرطة في التفاؤل.