توصلت اللجنة المشتركة لإعداد القوانين الانتخابية في ليبيا "6+6″، الثلاثاء 23 مايو/أيار 2023، إلى "اتفاق كامل" بشأن الانتخابات، محققة باجتماع في المغرب توافقاً نادراً بخصوص اختيار رئيس البلاد وأعضاء البرلمان، إلا أن مصادر رسمية أكدت لـ"عربي بوست" أن ملف الانتخابات الرئاسية لا يزال محل خلاف كبير، وسط غياب للضمانات لتحقيق نتائج الاتفاق.
لجنة "6+6" مكونة من 6 أعضاء من مجلس النواب الليبي، ومثلهم من المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري)، للوصول إلى قوانين انتخابية "توافقية" تُجرى بموجبها انتخابات ببلادهم في 2023، وتحدث "عربي بوست" مع أعضاء فيهما حول الاتفاق الأخير للجنة.
رغم النتائج التي خرج بها اتفاق لجنة 6+6 الليبية، فإن نقاطاً جدلية لم تُحسم بعد، في مقدمتها موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وإنهاء الأجسام السياسية في البلاد كافة، فهل ينجح الاتفاق، وهل سيكون هذا اللقاء هو الأخير للتوافق الحقيقي الذي طال انتظاره، أم أن الأطراف الأخرى لها رأي آخر؟
أوضحت نعيمة الحامي، عضو المجلس الأعلى للدولة في حديثها لـ"عربي بوست"، أنه لا يزال الغموض يسود الأجواء بشأن مخرجات لجنة 6+6، وذلك قد يعوق تقبلها من الأطراف الأخرى خارج اللجنة.
وأكدت أن الخلاف الأساسي هو ترشح مزدوجي الجنسية والعسكريين للرئاسة، مؤكدة عدم علمها كيف تم حل هذه النقطة المفصلية في اللجنة، لكنها رجحت أنه "ربما لن تكون هناك عرقلة كبيرة نظراً لدور المجتمع الدولي الذي سيقف ضد كل من يعرقل هذا الاتفاق".
أما عن مخرجات اتفاق لجنة 6+6 الليبية، فقالت إن الخلافات بين البرلمان والأعلى للدولة ستنتهي إثره، "ولن تكون هناك خلافات أخرى، وستُجرى الانتخابات في وقتها".
لكنها أشارت إلى نقاط عدة مهمة، قالت إنها يجب أن تكون من أولويات اتفاق لجنة 6+6 الليبية، منها "المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، وعودة المهجّرين والنازحين، وأن يتوفر كل ذلك قبل الانتخابات، وهنا يكمن دور الجهات التنفيذية التي تتمثل في الحكومة، والخلافات التي بالإمكان حلها عن طريق هذه اللجنة المشتركة".
الخلاف على الانتخابات الرئاسية
في هذا الإطار، يرى عضو مجلس النواب الليبي عمار الأبلق، أنه من الصعب الوصول إلى اتفاق حقيقي نهائي بين أعضاء لجنة 6+6، لأن هناك خلافات جوهرية بين أعضاء مجلس الدولة فيما بينهم، وأعضاء مجلس النواب فيما بينهم أيضاً.
لفت أيضاً في حديثه لـ"عربي بوست"، أنه "لم يتم صياغة قوانين الانتخابات بعد، ولم يعلن عن شروط الترشح للانتخابات، والتي من الصعب أن تجرى في الوقت الحالي، بسبب الشخصيات الجدلية التي تنوي الترشح".
أضاف إلى ذلك أنه "يجب سن قوانين تحدد شروط الترشح، وإلا فإن هذه الانتخابات سوف تتم عرقلتها من جديد، بسبب الخلافات حول هذه النقطة".
وقال الأبلق إنه من الممكن إجراء انتخابات تشريعية بسهولة ويسر على كامل التراب الليبي، ولكن العقبة ستكون هي إجراء انتخابات رئاسية.
حول مخرجات اللجنة المشتركة، أكد أن "هناك ألف عذر يمنع كل الأطراف من إجراء الانتخابات، ويأتي في مقدمتها التعديل الدستوري الثالث عشر الذي ربط الانتخابات التشريعية بالرئاسية، وعدم التطرق لمسألة الدستور، وإنهاء المرحلة الانتقالية".
وتابع أن "هناك شبهات حول منظومة الرقم الوطني، وشبهات تزوير تحول دون إجراء الانتخابات، مع اتفاق الأجسام المتصدرة للمشهد حالياً كافة ضمنياً على عدم المغادرة، سواء بالمجلسين أو الحكومتين، بالإضافة لرؤساء المناصب العليا".
وأشار الأبلق إلى أن "الصراع في ليبيا هو صراع دولي في الأساس، وكل طرف له أدواته المحلية، وما يقال في مجلس الأمن وممثلي الدول الفاعلة في المشهد لا يعدو كونه حديثاً للاستهلاك الإعلامي فقط"، وفق تقديره.
ولا يرى النائب الليبي أن هناك حكومة جديدة قريبة تلوح في الأفق، رغم اللقاءات التي تحدث مؤخراً بهذا الصدد، معتبراً أنها "ما هي إلا أمنيات لبعض الأطراف التي خسرت بعض التحالفات، ولم تتحصل على موقع مؤثر في صنع القرار الحكومي".
ما زالت الخلافات السياسية والعسكرية بين الأطراف الليبية مستمرة، فهل ستنهي لجنة 6+6 المشكّلة من مجلسي النواب والدولة هذا الخلاف، ويتم الذهاب لانتخابات قريبة؟
مجيبة عن هذا السؤال، قالت عضو مجلس النواب الليبي أسماء الخوجة إن "البيان الذي أعلنت عنه اللجنة المشتركة 6+6 كان فيه الكثير من الإيجابية والتقدم بخطوات ثابتة، للوصول نحو الانتخابات الليبية المُقبلة".
وقالت: "ورد في البيان الختامي الكثير من النقاط التي كانت تتسم بالموضوعية، وتعالج من المجلسين في الفترات السابقة التي وصلت إلى طريق مسدود في السابق، مؤكدة أن اللجان الحالية تعمل في أجواء أخوية يجمعها حب الوطن، وأن النقاط المتفق عليها هي نقاط مهمة، كانت خلافية في السابق، منها آلية الانتخابات والتوزيع في مجلسي النواب والشيوخ، وشروط الترشح وشروط ازدواجية الجنسية، وزيادة عدد النواب عبر تقسيم المحافظات".
لكنها أوضحت أن البيان لم يوضح هذه الأمور، لكنها تعتقد أن "اللجنة قد نجحت في مهامها، من خلال بيانها، الذي جاء فيه انتخاب حكومة هدفها إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في وقت متزامن، وهذا ما يطمح إليه الشعب الليبي، بأن يكون لديه رئيس واحد"، على حد قولها.
واختتمت بالقول إنهم في مجلس النواب "في انتظار اللجنة، بأن تصدر قانون الانتخابات للمجلسين، وتشكيل حكومة في أقرب وقت".
غياب الضمانات
من جانبه، رأى المحلل السياسي الليبي جمال الفلاح، في قراءته لمخرجات اتفاق لجنة 6+6 الليبية، أنه "من الصعب أن يتم الاتفاق بين المجلسين بهذه السهولة دون ضمانات، ولكن ربما يتم التعويل على البعثة والأمم المتحدة للضغط على المجلسين للذهاب نحو الانتخابات".
وقال لـ"عربي بوست" إنه "من المعروف أن المجلسين لا يريدان ترك المشهد بهذه السهولة، كما أن الأطراف المسلحة التي تتمركز خلفهما تضغط عليهما، ومن الصعب اتخاذ قرار يكون مُرضياً للطرفين، لأن كل طرف يريد إقصاء الآخر، بالتالي فإن الذهاب لاتفاق حقيقي أمر مستبعد".
تابع الفلاح أن "كل الاتفاقات بين المجلسين فشلت، وآخرها حكومة باشاغا التي جاءت باتفاق المجلسين، ثم حدث الخلاف وسحب الثقة منها، وغيرها من الاتفاقات التي حدثت في السابق، بالتالي لا نتوقع وجود حل قريب في حال وجود المجلسين، ولا بد من تجاوز هذه الأجسام حتى يتم الذهاب للانتخابات بدونها".
وقال الفلاح إن "هناك ضغوطاً كبيرة على المجلسين من كل الأطراف التي تمتلك السلاح، ولكن هذه الأطراف في حال رأت أنها ستُقصَى من المشهد القادم فسوف تحتكم للسلاح من جديد، وستفسد أي مشروع للانتخابات في حال شعرت بأنها في خطر".
رأى أيضاً أنه "من الصعب الاتفاق والتكهن بالتزام هذه الأطراف أم لا، ما لم تكن هناك أطراف دولية تلزمها بالقبول بالنتائج مهما كانت".
الضغط الدولي والانتخابات
من جهته يرى المحلل والناشط السياسي إسلام الحاجي، أن "اتفاق المغرب لا يأتي بجديد بخصوص شروط الترشح للرئاسة، وهذه خلافات مزمنة لم يتم الاتفاق عليها بشكل واضح، وكانت محل خلاف حقيقي نتيجة لمصالح متضاربة بين المجلسين، بخصوص عملية تقاسم المناصب السيادية أو عملية اختيار حكومة جديدة متفق عليها".
سبق أن احتضن المغرب 5 جولات من الحوار بين الأطراف المتنازعة في ليبيا، تُوجت في يناير/كانون الثاني 2021، بالتوصل إلى اتفاق على آلية تولي المناصب السيادية، بالإضافة إلى لقاء بين وفدي المجلس الأعلى للدولة، ومجلس النواب حول قانون الانتخابات، خلال سبتمبر/أيلول 2021.
وأكد الحاجي أن "هناك مصالح هي التي تحكم، بالتالي فإن هذا الخلاف الطويل لم يتم الاتفاق عليه بين المجلسين اللذين اجتمعا مسبقاً في دول عدة"، وأن الخلاف ليس خلاف مواد قانونية يراد تعديلها، وإنما "مصالح يريد كل طرف الاستحواذ عليها ليدعم مرشحه للانتخابات، بالتالي هي اتفاقات هشة سيتم الوقوف عندها في أي لحظة".
ما خرجت به لجنة 6+6 من ليبيا قبل الوصول إلى المغرب عدة نقاط، وما يعول عليه في المغرب هو الضغط السياسي، ولكن الضغط الأكبر هو الضغط الدولي الذي يلعب دوراً رئيسياً في هذه العملية، وفق الحاجي.
وتابع أن الاتفاق لم يصرّح ما هي النقاط التي تم الاتفاق عليها بخصوص الترشح للرئاسة، وهي أساس المشكلة في الخلاف الذي سيصبح مرهوناً بموافقة الأطراف الفاعلة الحقيقية التي أشرفت على اجتماعات المغرب، "متمثلة في أمريكا وبريطانيا، ومدى موافقتها على الإطار التشريعي الذي سيخرج من اجتماعات 6+6".
في حال وجود موافقة منهما، قال حاجي إنه "سيتم حينها المضي بهذا الاتفاق، ولكن هذا لا يعني وجود انتخابات قريبة"، مؤكداً أن "كل هذا سيأخذ وقتاً طويلاً، مروراً بقضية 88 ألف رقم وطني مزور، واللجنة التي شكلت بالتحقيق من النائب العام، بالتالي إلغاء كل الإجراءات التي بدأتها لإجراء العملية الانتخابية في 2021، والبدء بإجراءات جديدة كلياً، بالتالي لن تكون هناك انتخابات إلا في 2024، هذا إن حدثت انتخابات، لأن كل الأطراف الحالية لا تريد انتخابات قريبة"، بحسب تقديره.
رأى أيضاً أنه لن يكون هناك اتفاق داخل لجنة "6+6″، في حال لم يتماشَ مع الدول المتدخلة في ليبيا، مؤكداً أنه "لا حل إلا بوجود إرادة وطنية ليبية يرضخ لها المجتمع الدولي لتقاسم المصالح بما يعود على ليبيا بالخير، وهذا لن يسمح بحدوثه الغرب، بأن يكون هناك اتفاق حقيقي في البلاد"، وفق قوله.
التلويح بالعقوبات
عن إمكانية التزام الأطراف المسلحة بمخرجات الاتفاق، أكد في هذا الجانب الحاجي أن أغلب الأسماء الجدلية المرشحة للانتخابات لديها قوى مسلحة وقاعدة شعبية ودعم إقليمي ودولي؛ لذلك "ليس بالسهولة ضمان عملية رضا الجميع بالخروج بهذه النتائج، وبالقوانين المنظِّمة للعملية الانتخابية؛ ما يعني أنه لا يمكن أن يكون هناك تقارب حول الموافقة على المخرجات".
وتابع أنه لم يرَ أي عقوبات دولية حقيقية حول معرقلي أي توافق مسبق، إلا من لا يتماشى مع استراتيجيات الدول الخارجية المتدخلة في ليبيا، وربما سنرى تلويحاً حقيقياً في الفترة القادمة حول معرقلي هذا الاتفاق، في حال وجود الرغبة من أمريكا بإجراء الانتخابات في موعدها.
ولفت إلى أن المبعوث الأممي عبد الله باثيلي والسفير الأمريكي في ليبيا لم يتطرقا لأي حديث عن النقطتين المختلف عنهما حتى الآن، ولم يطرحا حتى أي حلول بهذا الخصوص، لا سيما بشأن إقامة الانتخابات في فترة قريبة.
وختم بالقول إن "هذا العزوف منهما يدل على أن الملف الليبي ليس من الملفات الساخنة على الطاولة الأمريكية حالياً، وذلك لانشغالهم بالحرب في شرق أوروبا، وانتظارهم لمن ستميل الكفة له بعد الحرب في أوكرانيا".
يُشار إلى أن الأمم المتحدة ترعى حواراً بين الليبيين بهدف الوصول إلى انتخابات في 2023، تُنهي أزمة سياسية مستمرة في البلاد تحولُ دون إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، وتُفضي إلى حكومة جديدة.
منذ الإثنين 22 مايو/أيار 2023، يستضيف المغرب اجتماعات لجنة "6+6" التي أعلنت أنها حققت توافقاً كاملاً بخصوص النقاط المتعلقة بانتخاب رئيس الدولة، وأعضاء مجلس الأمة، علاوة على كيفية إشراك الأحزاب في انتخابات مجلس النواب عبر قوائم حزبية أو ترشيحات فردية.
وأضاف بيان للجنة أن "هناك تقدماً في تحديد وتوزيع مقاعد مجلسَي النواب والشيوخ، حسب الدوائر الانتخابية، والإجراءات الخاصة بتشكيل واعتماد قوائم الترشيحات وتمثيل المرأة وضبط الجرائم الانتخابية"، وأن "السلطة التشريعية القادمة (مجلس الأمة) ستُشكل من غرفتين: مجلس النواب، ومجلس الشيوخ، وهو ما يستغرق بعض الوقت في صياغة وضبط التشريعات الخاصة بهما"، ولم يقدم البيان أي تفاصيل إضافية حول طبيعة التقدم في هذه الملفات.