بالتحريض والعنف.. كيف أصبحت “مسيرة الأعلام الإسرائيلية” عنواناً للصراع على القدس المحتلة؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/05/18 الساعة 10:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/05/18 الساعة 11:06 بتوقيت غرينتش
كيف أصبحت "مسيرة الأعلام الإسرائيلية" عنواناً للصراع على القدس المحتلة؟ / رويترز

على مدار سنوات طويلة تحولت ما تسمى بـ"مسيرة الأعلام الإسرائيلية" في مدينة القدس إلى عنوان أساسي ومتكرر لصراع السيادة في مدينة القدس بين الاحتلال الإسرائيلي والشعب الفلسطيني، وهذا العام تنطلق المسيرة الاستفزازية تزامناً مع ذكرى احتلال إسرائيل للقدس (7 يونيو/حزيران 1967)، لكن حسب التقويم العبري، يوم الخميس 18 مايو/أيار 2023، بمشاركة 4 وزراء على الأقل في حكومة نتنياهو، وهو أمر غير مسبوق.

ما هي مسيرة الأعلام الإسرائيلية؟

تطلق عليها إسرائيل اسم "مسيرة الأعلام" أو "رقصة العلم"، حيث يحمل آلاف المشاركين الأعلام الإسرائيلية ويرقصون عند باب العامود، أحد أبواب البلدة القديمة، بينما يصفها الفلسطينيون بأنها "مسيرة الأعلام الاستفزازية".

وتعود بداية تنظيم "مسيرة الأعلام" إلى عام 1968، أي بعد عام من نكسة حرب حزيران/يونيو، واحتلال الشطر الشرقي من القدس المحتلة، وهي تسير من أزقة البلدة القديمة وصولاً إلى باحة حائط البراق، التي حولها الاحتلال إلى باحة للصلوات التوراتية الدينية، وأطلق عليها اسم الحائط الغربي، في إشارة حسب الادعاءات اليهودية والصهيونية إلى الجدار الغربي لـ"الهيكل" المزعوم.

صاحب فكرة هذه المسيرة هو تسفي يهودا كوك، الزعيم الروحي والتاريخي للصهيونية اليهودية، الذي يعتبر القائد الروحي حتى للحزب الوطني الديني "المفدال"، الذي ضم كل أجنحة وحركات التيار الديني الصهيوني، بينها "هبوعيل همزراحي"، أولى حركات التيار الديني الوطني، وأصبح لاحقاً يعرف بتيار "الدينية الصهيونية" الذي يشارك في حكومة نتنياهو الآن.

وبدأت هذه المسيرة بمبادرة فردية انطلقت في عام 1968 كمسيرة "متواضعة" في ساعات المساء في الذكرى السنوية (وفق التقويم العبري) لاحتلال الشطر الشرقي من القدس، ومع الوقت تزايدت قوة التيار الديني "الوطني"، الذي يشار إليه اليوم بالتيار الديني الصهيوني، وسيطر على الحكومات المتعاقبة، سواء حزب "العمل" أو اليسار الإسرائيلي، وحتى سيطر على وزارة التربية والتعليم لسنوات طويلة.

ورغم أن مسيرة الأعلام بدأت في سبعينيات القرن الماضي، فإنها لم تكن تمر من باب العامود، إذ كانت تعبر باب الخليل الأقرب لأبواب القدس القديمة، إلى القدس الغربية، ومنذ سنوات، بدأت أعداد المشاركين بالمسيرة المارين من خلال باب العامود تزداد رغم أنها كانت محدودة.

ولاحقاً، أطيل مسار المسيرة لتمر من باب الأسباط، أحد أبواب البلدة القديمة، ولكن منعت الشرطة الإسرائيلية عامي 2010-2016 هذا المسار، بسبب تكرر المواجهات مع الفلسطينيين فتم إلغاء هذا المسار نهائياً.

تصعيد جديد.. وزراء حكومة نتنياهو يشاركون في مسيرة الأعلام 

برز اسم هذه المسيرة بشكل أكبر عام 2021، عندما هددت فصائل فلسطينية بإطلاق الصواريخ من غزة على القدس الغربية في حال السماح بالمسيرة، فتم تأجيلها عن موعدها لعدة أسابيع، قبل أن تتم تحت إجراءات أمنية مشددة.

وفي 2022، أجلت إسرائيل منطقة باب العامود من الفلسطينيين، وفرضت منطقة عازلة في محيط موقعها لتمكين المسيرة بحراسة آلاف من عناصر الشرطة.

والإثنين 16 مايو/أيار 2023، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن المسيرة ستقام بموعدها ومسارها، رغم تحذيرات من إمكانية تفجر الأوضاع في الأراضي الفلسطينية مجدداً، بعد أن دعت فصائل فلسطينية إلى الغائها.

وفي خطوة غير مسبوقة، أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية أن 4 وزراء على الأقل سيشاركون بالمسيرة. والأربعاء الماضي، نشرت الشرطة الإسرائيلية، في بيان، خارطة تشير إلى أن المسيرة ستتم بمسارين: الأول يبدأ من القدس الغربية مروراً بباب الخليل، أحد أبواب البلدة القديمة، ثم قُبالة الحي الأرمني، وصولاً إلى حائط البراق، على أن يبدأ الثاني من القدس الغربية مروراً بباب العامود، ثم طريق الواد وصولاً إلى حائط البراق.

ويعد المسار الثاني إشكالياً للفلسطينيين الذين يعتبرون المسيرة "استفزازية"، كونها تمر من باب العامود وطريق الواد، بالبلدة القديمة. وأشارت الشرطة الإسرائيلية إلى أنها ستنشر قوات معززة من عناصرها في المدينة أثناء المسيرة، في ساعات ما بعد الظهر، وستغلق العديد من الشوارع في محيطها.

صراع على السيادة في القدس المحتلة

يقول زياد الحمّوري، مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، إن "إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال، تعتبر أن مسيرة الأعلام الاستفزازية هي مظهر من مظاهر ما تسميه توحيدها للقدس بشطريها وسيطرتها على القدس الشرقية".

وأوضح الحموري لوكالة الأناضول: "بالنسبة لنا كفلسطينيين فإن هذا مظهر من مظاهر انتهاك قرارات الشرعية الدولية، التي تؤكد على أن القدس الشرقية هي جزء لا يتجزأ من الأراضي المحتلة عام 1967، وهي بالنسبة لنا مدينة محتلة وعاصمة للدولة الفلسطينية".

وتابع: "يريد اليمين الإسرائيلي أن يدعي من خلال هذه المسيرة أنه صاحب البلد والأرض وهذا بطبيعة الحال مرفوض من قبلنا كفلسطينيين".

أشار الحموري إلى أن "السلطات الإسرائيلية اعتادت أن تفرض على أصحاب المحال التجارية الفلسطينيين في المنطقة التي تمر من خلالها المسيرة، وخاصة البلدة القديمة، إغلاق محالهم التي غالباً ما تتعرض لاعتداءات وتخريب من قبل المتطرفين أثناء المسيرة".

وأضاف: "يتخلل المسيرة استفزازات، بما فيها الرفع الكثيف للأعلام الإسرائيلية، وترديد الشعارات العنصرية والبغيضة، والاعتداءات على السكان، إضافة إلى إخلاء سكان القدس من منطقة باب العامود".

ويلفت الحموري إلى أنه "منذ احتلال القدس الشرقية عام 1967، قامت إسرائيل بحملة محمومة لتهويدها، وهو ما نلاحظه عاماً بعد آخر في أنحاء المدينة من خلال الاستيطان وتغيير المعالم وأسماء الشوارع والاستيلاء على المنازل، خاصة بالقدس القديمة ومحيطها".

غير أنه استدرك: "ما تقوم به إسرائيل من إجراءات، خاصة خلال المناسبات اليهودية، يثبت أن القدس الشرقية مدينة محتلة، وإلا فما معنى نشر آلاف عناصر الشرطة لتأمين هذه المسيرة؟". وختم بالقول: "تحويل القدس الشرقية إلى ثكنة عسكرية في كل مناسبة إسرائيلية يُثبت أن المدينة محتلة، وأن وجودهم فيها بقوة السلاح".

مسيرة التحريض والعنف

تقول مؤسسة "عير عميم"، وهي مؤسسة يسارية إسرائيلية تعنى بشؤون القدس، إن "موكب الأعلام هو عرض من التحريض والعنصرية والعنف". المؤسسة التي يعني اسمها مدينة الشعوب باللغة العبرية، ذكرت في "ورقة موقف"، أنه "كما هو موثق منذ سنوات عديدة، فإن المسيرة ليست احتفالاً بحرية التعبير، بل بالتحريض والعنصرية والعنف وسحق حقوق السكان الفلسطينيين وأصحاب الأعمال على طول الطريق التي يمر بها".

ولفتت إلى أنه تم توثيق عنف المتظاهرين في لقطات مصورة للمسيرات منذ عام 2010، وتتضمن عنفاً لفظياً وهتافات مثل "الموت للعرب"، و"سيقام المعبد" في إشارة الى الهيكل، و"ستحرق قريتكم" و"محمد مات"، في إشارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وقالت المؤسسة إن "التحريض والعنصرية يتجسدان أيضاً في النقوش على القمصان، والنشرات الموزعة، والملصقات الملصقة في كل مكان". وأضافت: "تم أيضاً توثيق العنف الجسدي من بين أمور أخرى، من خلال البصق، والدفع، ورمي الأشياء، والاستخدام العنيف للأعلام".

أشارت الجمعية اليسارية الإسرائيلية، إلى أن المتظاهرين خلال المسيرة "يقرعون أبواب المنازل (الفلسطينية) بقوة، وتعرضت المتاجر في الشارع أكثر من مرة للتخريب، بما في ذلك وضع الغراء على أقفال المحلات، وإتلاف اللافتات، والمصابيح، وكتابة شعارات بغيضة".

"مسيرة العار على إسرائيل"

تصف صحيفة Haaretz الإسرائيلية في افتتاحيتها صباح الخميس، 18 مايو/أيار 2023، مسيرة الأعلام بـ"مسيرة العار"، خصيصاً بعد مشاركة وزراء فيها. وتقول الصحيفة إن جوهر المسيرة الإمعان في وخز جروح سكان المدينة الفلسطينيين، لإذلالهم وإثبات أن القدس بشطريها هي عاصمة دولة إسرائيل.

لكن في الواقع، تؤكد هذه المسيرة هشاشة السيادة الإسرائيلية على القدس الشرقية، كما تقول هآرتس، فهي تجري في ظل حراسة مشددة يؤمنها آلاف من ضباط الشرطة، بعد أن فرضت الشرطة قيوداً مشددة على الجمهور والتجار الفلسطينيين.

مضيفة أن المسيرة بما فيها من مظاهر العنصرية والكراهية والعنف تعكس بدقة شكل المجتمع الإسرائيلي اليوم، والمؤشر على الاتجاه السائد للأيديولوجية الدينية الصهيونية. وفي ظل الحكومة الحالية، لا أمل في تغيير مسار المسيرة أو أن تبذل القيادة اليمينية أي جهد لتهدئة الأمور.

تحميل المزيد