رغم تصريحات المتحدث باسم الرئاسة المصرية بزيادة الدعم بالموازنة الجديدة، التي تبدأ ببداية يوليو/تموز المقبل بنسبة 49%، والتي كررها وزير المالية بنهاية أيام عيد الفطر، قامت وزارة التموين برفع أسعار كل السلع التموينية التي توزعها على البطاقات التموينية مع بداية شهر مايو/أيار 2023، وهى البطاقات المعمول بها منذ عام 1945 وحتى الآن.
وكانت نسبة الزيادة بالأسعار 20% لكل من السكر والزيت والمسلي الصناعي، و14% للأرز، لكنها زادت إلى 24% للمكرونة و43% للشاي و75% للعدس. إذاً مبرر الزيادة هو انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار، على اعتبار أن معظمها سلع مستوردة، إلا أن الزيادة شملت كل السلع، مستوردة ومحلية، حيث شملت الأرز والبسكويت والخل والصلصة والمربى وغيرها كسلع محلية.
والأهم من ذلك هو تصريح وزير التموين بأن تلك الزيادة تمثل بداية لعدة زيادات ستتم مع السلع الرئيسية خلال الشهور المقبلة، رغم ثبات قيمة الدعم التمويني المخصص للفرد بقيمة 50 جنيها منذ يوليو/تموز 2017 وحتى الآن.
ورغم نمو الرقم القياسي الخاص بالتضخم الذي يعلنه جهاز الإحصاء الحكومي، بنسبة 97% ما بين يوليو/تموز 2017 وحتى مارس/آذار من العام الحالي، وهو ما يعني على المستوى العملي تراجع القيمة الشرائية للقيمة النقدية المخصصة للفرد للشراء بها.
وأسلوب زيادة أسعار السلع المتاحة للبطاقات التموينية سبق اتباعه خلال السنوات الماضية، فعندما بدأ اتباع نظام إتاحة سلع متعددة على البطاقات التموينية وتحديد مبلغ مخصص للفرد للشراء به منها منتصف عام 2014، وقد زاد سعر كيلو الأرز من 4 جنيهات للكيلو حتى وصل إلى 12.6 جنيه حالياً، والزيت من 10 جنيهات للعبوة زنة 800 غرام إلى 30 جنيهاً، والسكر من حوالي 5 جنيهات للكيلو إلى 12.6 جنيه، والدقيق من 4 جنيهات إلى 18 جنيهاً، وهكذا بباقي السلع، مما قلل الكميات التي يمكن شراؤها بنفس القيمة الثابتة منذ منتصف عام 2017.
إلا أن أسلوب زيادة أسعار السلع المتاحة على البطاقات التموينية، لم يكن الأسلوب الوحيد لخفض قيمة الدعم المقرر لها، اتباعاً لمطلب صندوق النقد الدولي، حيث كانت هناك أساليب أخرى، نذكر منها:
أولاً: البيع بأسعار أعلى من السوق
حيث يُتاح لحامل البطاقة التموينية شراء كمية من السلع المحددة، والتي بدأت بعدد 20 سلعة، ثم زادت إلى 31 سلعة حالياً، في إطار القيمة المخصصة له حسب عدد أفراد أسرته المسجلين على البطاقة، بواقع 50 جنيهاً للفرد حتى 4 أفراد، وبعد ذلك بواقع 25 جنيهاً للفرد.
وكانت الأسعار المحددة للبيع السلع داخل المنظومة التموينية هي نفس أسعار البيع بالمجمعات الاستهلاكية، لكن حاملي البطاقات شكوا من ارتفاع أسعار سلع البطاقات عن نفس أسعارها بمحلات القطاع الخاص، وهي شكوى استمرت أعوام 2015 و2016 و2019، مما يحقق أرباحاً للجهات الحكومية، خاصة مع ضم الشركة القابضة الغذائية وشركاتها التابعة لوزارة التموين منذ بداية تفعيل المنظومة.
ثانياً: تقليل وزن عبوات السلع الموزعة
حيث بدأت عبوات الزيت الموزعة بواقع كيلو غرام، ثم تم خفضها إلى 800 غرام للعبوة بنفس الثمن، وعبوة المربى زنة 400 غرام تم خفضها إلى 350 غراماً، ومرقة الدجاج تم إنقاص عدد مكعباتها، وعبوة مسحوق الغسيل، سواء للغسالات الأوتوماتيك أو العادية تم خفضها من كيلو إلى 800 غرام.
ثالثاً: نقص السلع الأساسية وتأخر وصولها
حيث اعتاد حاملو البطاقات على شراء 3 سلع رئيسية، هي السكر والزيت والأرز، حيث كانت البطاقات تقتصر عليها لسنوات طويلة قبل منتصف 2014 والعمل بالمنظومة الجديدة، لكن عندما يذهب صاحب البطاقة إلى مكان استلام السلع، سواء كان فرعاً لمجمع استهلاكي أو بقال تمويني أو منفذ لمشروع جمعيتي، والتي توجد بها ماكينات صرف إلكترونية متصلة بالنظام الرئيسي للبطاقات.
يفاجأ بنقص بعض السلع الرئيسية، فإما أن يقوم بشراء سلع أقل أهمية له وتحقق ربحا أكثر للمنظومة، أو يعود مرة أخرى بعد عدة أيام، وهو ما يقلل كميات توزيع السلع الرئيسية المستوردة مثل الزيت والسكر والشاى والعدس، وحتى عندما تتوافر تلك السلع فقد وضعت وزارة التموين حدا أقصى لكل منها، فلا يمكن لحامل البطاقة شراء الأرز أو الزيت بكامل قيمة الدعم المخصص لأسرته، حيث يوجد حد أقصى مقرر للفرد وللبطاقة من كل من السكر والزيت والأرز.
رابعاً: تقليل عدد أفراد البطاقات التموينية
حيث تقوم وزارة التموين بمراجعة مدى استحقاق البطاقات، من خلال شروط تضعها كحد أقصى لدخل صاحب البطاقة التموينية، أو حد أقصى لقيمة معاشه إذا كان قد خرج للمعاش، أو قيمة استهلاكه من الكهرباء أو قيمة مكالمات التليفون المحمول الخاص به أو غير ذلك، إلى جانب استبعاد العاملين بالخارج وبعض الفئات الأخرى.
كذلك تصريح مستشار وزير التموين لشؤون نظم المعلومات في يوليو/تموز 2020، بأنه تم وقف 10 ملايين بطاقة وهمية ومكررة منذ عام 2018 وحتى وقت تصريحه، ومع اضطرار الوزارة إلى التمهل في إجراءات الاستبعاد من البطاقات التموينية بعد مظاهرات سبتمبر/أيلول 2019، وإعادة عدة آلاف جرى استبعادهم، فقد تم التحول إلى ما يشبه الاصطياد الفردي بتطبيق شروط استحقاق البطاقات، مع كل من يتعامل مع المكاتب التموينية المنتشرة بالمحافظات، سواء لتغيير محل الإقامة أو فصل الابن المتزوج، أو نحو ذلك من إجراءات، بالإضافة إلى حذف المتوفين تلقائياً بالربط مع السجل المدني.
ويأتي في ذلك السياق تصريح الحاكم المصري في ديسمبر/كانون أول 2021، باستهداف خفض عدد المقيدين على البطاقات بحد أقصى فردين فقد للبطاقة، ومنع إصدار بطاقات تموينية للمتزوجين الجدد.
خامساً: عدم قيد المواليد الجدد منذ 18 عاماً
كان المعتاد مسبقاً أن من يُرزق بمولود يقوم بقيده بالبطاقة التموينية كي يحصل على حصة له من الدعم، لكنه منذ عام 1988 توقف ذلك القيد واستمر ذلك لسنوات طويلة،، حتى كانت مظاهرات الخبز عام 2008 وسقوط ضحايا بها، فقررت الحكومة السماح بقيد المواليد من عام 1988 حتى 2005، ومن ذلك الوقت ولا يوجد قيد للمواليد الجدد لأصحاب البطاقات التموينية.
وفي خلال عرض بيان الحكومة بالبرلمان في الثالث من يوليو/تموز 2017، وعد رئيس الوزراء بقيد المواليد الجدد بداية من شهر أكتوبر/تشرين أول من نفس العام، وأعلن فتح الباب لأصحاب البطاقات لتسجيل مواليدهم للفترة من 2005 وحتى 2016، وبالفعل تم التقدم بأكثر من 7 ملايين مولود للقيد، لكن وزارة التموين ظلت تسوف في الأمر ، حيث وضعت حدا أقصى لدخل صاحب البطاقة التموينية، بألا يتعدى دخله 2500 جنيه كي يمكن قيد مولوده.
ثم التصريح بأن الأمر يحتاج لموازنة جديدة، ثم سيتم الإعلان عن محددات لاستحقاق القيد للمواليد، وظل التسويف من قبل وزير التموين يتم عاماً بعد عام، ليتعطل تنفيذ ما وعد به رئيس الوزراء حتى الآن.
سادساً: عدم تحقق الاعتمادات الواردة بالموازنة للدعم
فمع عرض وزارة المالية للموازنة الجديدة قبل بداية العام المالي الذي يبدأ مطلع شهر يوليو/تموز من كل عام، تعلن عن أرقام لمخصصات الدعم بأنواعه، ومنها ما يخص دعم البطاقات التموينية، ويظل وزير المالية ووزير التموين ورئيس الوزراء وغيرهم يرددون أرقام الدعم المعلنة، كدلالة على اهتمام الدولة بالدور الاجتماعي وحماية الفقراء، لكنه عندما يتم إعلان البيانات الختامية للموازنة تظهر أرقام أقل للإنفاق على الدعم.
ففي ختامي موازنة 2020/2019 بلغت نسبة انخفاض ما تم توجيهه للدعم 10%، عما تم الإعلان عنه عند وضع الموازنة وتم تداوله إعلامياً، وبالعام المالي 2021/2020 كانت نسبة الانخفاض 2% عما تم الإعلان عنه عند وضع الموازنة.
وأشارت النتائج الأولية لأداء الموازنة خلال النصف الأول من العام المالي الحالي 2023/2022، إلى انخفاض قيمة ما تم تخصيصه للدعم بنسبة 22% عما تم الإعلان عنه بالموازنة للدعم بتلك الفترة.
ومن ناحية أخرى، فإن مخصصات دعم البطاقات التموينية، مع ما تمثله من تحقيق للهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة عالمياً والخاص بالقضاء على الجوع، تمثل نسبة محدودة من الإنفاق بالموازنة، ففى موازنة العام المالي الحالي 2023/2022 والمستمرة حتى نهاية الشهر المقبل، بلغت مخصصات البطاقات التموينية 36 مليار جنيه، تمثل نسبة 1.2% من مجمل الاستخدامات بالموازنة البالغة 3.066 تريليون جنيه، وحتى بإضافة دعم الخبز والدقيق، لذلك لنصل إلى 90 مليار جنيه، فإن ذلك يمثل نسبة أقل من 3% من الاستخدامات، ومع ذلك تتجه جهود الدولة لخفضها رغم فوائدها المجتمعية مع ارتفاع نسبة الفقر، في حين لا تتجه الجهود بنفس القدر لخفض فوائد الدين الحكومة بالموازنة، والبالغة 690 مليار جنيه، أي ما يمثل نسبة 22.5% من الاستخدامات، والتي أشارت نتائج النصف الأول للموازنة إلى زيادتها بنسبة 14% عما سبق إعلانه لها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.