مع كل صاروخ يرسَل إلى الفضاء، يحمل على متنه حيوانات أو حشرات. فهذه المخلوقات سبقت البشر إلى استكشاف الفضاء، ولم تعد تتصدر العناوين بعدما وطئت أقدام الإنسان سطح القمر وتوجهت العيون إلى المحطة المقبلة على المريخ.
وبعدما كانت السبّاقة إلى الخروج من الغلاف الجوي للأرض، يتم إرسالها الآن حصراً لأهداف علمية.
وكما يوجد رواد فضاء من البشر، يوجد أيضاً رواد فضاء من الحيوانات الأليفة، التي ضحَّت بحياتها في سبيل العلم، وخلّدتها الذاكرة العلمية؛ منها ما دفع حياته ثمن حب الاستكشاف الأزلي للإنسان، ومنها من عاند الجاذبية والظروف وعاد على قيد الحياة.
نتعرَّف في هذا التقرير على أبرز المغامرين الصغار:
التجارب الأميركية: من الذباب إلى القردة حيوانات تدفع ضريبة النجاح
بدأت الولايات المتحدة الأميركية في 20 فبراير/شباط 1947، أولى تجاربها في مجال الفضاء على الحيوانات، عندما أطلقت الصاروخ "nazi V-2" وعلى متنه مجموعة من ذباب الفاكهة.
بعد ارتفاع الصاروخ في الجو انتُشل الذباب وهو على قيد الحياة على ارتفاع 108 كم، أي إنه جرى انتشاله في الفضاء الخارجي الذي يبدأ من خط كارمان على ارتفاع 100 كم فوق مستوى سطح البحر، وهو خط وهمي يستخدمه العلماء في مراكز الفضاء باعتباره نقطة التقاء الغلاف الجوي والفضاء الخارجي.
وفي 4 يونيو/حزيران 1947، أرسلت أميركا أول قرد إلى الفضاء الخارجي وهو القرد ألبرت الأول الذي تُوفي مختنقاً، ثم في أواخر يونيو/حزيران 1949، عادوا وأرسلوا ألبرت الثاني، الذي تُوفي نتيجة انفجار الصاروخ الفضائي.
من الجدير بالذكر أن القرود كانت تُخدر في أثناء الطيران بزراعة أجهزة استشعار داخل أجسامها؛ لقياس علاماتها الحيوية في أثناء الرحلة.
تتابعت المحاولات بعد ذلك، ففي 15 أغسطس/آب 1950، أُرسلت أول فأرة على متن قمر اصطناعي يحمله صاروخ إلى الفضاء ووصلت لارتفاع 137 كم، لكنها تُوفيت نتيجة انفجار الصاروخ أيضاً.
بعد ذلك في 28 مايو/أيار عام 1959، سجلت الولايات المتحدة الأميركية حدثاً بارزاً؛ إذ استعادت قردين على قيد الحياة من رحلة إلى الفضاء الخارجي، وهما القرد بيكر ورفيقة آبلي اللذان أُرسلا في رحلة استغرقت 16 دقيقة على متن صاروخ باليستي وصل إلى ارتفاع 483 كم.
عاد الاثنان في حالة صحية جيدة، لكن لسوء الحظ توفي آبلي بعد 4 أيام من عودته، خلال عملية إزالة قطب كهربائي كان قد زُرع تحت جلده من أجل إرسال البيانات في أثناء الرحلة، وبقي بيكر على قيد الحياة حتى توفي في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1984 وعمره 27 عاماً؛ جراء إصابته بالفشل الكلوي.
ثم أُرسل في 31 يناير/كانون الثاني 1961، شمبانزي كاميروني، عمره 4 سنوات، يدعى "هام"، في رحلة شبه مدارية مدتها 16.5 دقيقة، على ارتفاع 253 كم، وكانت رحلة "هام" ضرورية لتحديد ما إذا كان بوسع البشر البقاء على قيد الحياة أم لا في كبسولة زئبقية على متن مركبة فضائية صغيرة.
وبالفعل، أثبت "هام" أيضاً أنه من الممكن تأدية المهام المعتادة تحت ضغط الطيران؛ فقد دُرب على التقاط الموز وأكله في أثناء الرحلة، واستطاع فعل ذلك.
التجارب الروسية.. وكلبة الشارع "لايكا" التي توفيت بعد ساعات ثم 42 فأراً عادت سالمة!
فاجأ السوفييت العالم في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 1957، بإطلاقهم أول قمر اصطناعي يحمل اسم "سبوتنيك 2″، وعلى متنه الكلبة "لايكا"، التي التُقطت من شوارع موسكو؛ إذ كان العلماء يعتقدون أن الكلاب الضالة هي الأقدر على مواجهة الظروف القاسية؛ كالجوع الشديد، أو درجات الحرارة المنخفضة.
لكن لسوء الحظ، كانت رحلة لايكا في اتجاه واحد فقط ولم ينتظر العلماء عودة "لايكا"؛ لسبب بسيط، وهو أنهم لم يكونوا قد توصلوا بعدُ إلى معرفة نظام إعادة الأقمار الاصطناعية التي تُطلق، فكانت الأقمار تنطلق على الصواريخ في رحلة ذهاب دون عودة.
ورغم أنهم وضعوا ما يكفي من الطعام والماء لإبقاء "لايكا" مدة 7 أيام على قيد الحياة، فإن الإشارات التي التقطوها أثبتت أنها فارقت الحياة بعد 6 ساعات من الانطلاق نتيجة الإجهاد والحرارة.
عاد السوفييت في 20 أغسطس/آب 1960، وأرسلوا كلبين هما "بيلكا" و"ستريلكا"، بالإضافة إلى أرنب و42 فأراً وعدد كبير من ذباب الفاكهة.
نجحت التجربة وعادت جميع الحيوانات بسلام، وبعد وفاة "بيلكا" و"ستريلكا" حُنطت جثتيهما وعُرضتا في متحف التذكارات شمال موسكو.
ويبدو أن التجارب الروسية الفضائية على الحيوانات ارتبطت بشكل كبير بالكلاب؛ ففي 16 مارس/آذار 1966، أُطلقت مركبة فضائية تحمل الكلبين "فيتوك" و"أوغوليوك" في رحلة فضائية استمرت 22 يوماً، وسُجلت كأطول رحلة فضائية ناجحة حملت كائنات حية.
ثم في عام 1968، أطلق السوفييت المركبة "Zond 6" وهي أول مركبة فضائية تدور حول القمر، وحملت على متنها سلاحف وذباباً فاكهة وديداناً ونباتات وبذوراً وبكتيريا، لكنها تعطلت في رحلة العودة، واحترق كل شيء على متنها بعد انفجارها.
التجربة الفرنسية: "فيليسيتي".. القط الذي هرب من المركبة الفضائية يوم الانطلاق!
تأخرت إسهامات فرنسا في مجال الفضاء عن أميركا وروسيا حتى أعلنت في 18 أكتوبر/تشرين الأول عام 1963، إرسال القط "فيلكس" في رحلة مدارية أُطلقت إلى الفضاء الخارجي، استغرقت 15 دقيقة، على ارتفاع 160 كم.
لكن لسوء الحظ، استطاع القط الهروب من المركبة الفضائية المقرر إطلاقها من القاعدة الموجودة في الصحراء الجزائرية. تم استبداله في اللحظة الأخيرة بالقطة "فيليستي"، التي نجحت في تحمُّل رحلة بلغ علوها 209 كم قبل أن تعود سليمة للأرض.
وفي 24 أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، أرسل الفرنسيون قطة أخرى إلى الفضاء، لكنهم استعادوا هذه المرة كبسولةً متأخرين يومين، ليجدوا أن القطة تُوفيت.
ووقتها، قرر الفرنسيون تكريم القطتين فطُبعت صورهما على طوابع البريد؛ لتخليد فصل هام من قصة الإنسان مع استكشاف الفضاء.