ينتظر عشاق السينما العالمية صدور فيلم أوبنهايمر (Oppenheimer) خلال صيف 2023 على أحرّ من الجمر، خصوصاً أنه سيجمع المخرج كريستوفر نولان بكلّ من كيليان مورفي ومات ديمون وروبرت داوني جونيور.
وبصفته كاتباً ومخرجاً ومنتجاً، يُعتبر كريستوفر نولان أحد أنجح الأسماء في عالم السينما، فهو يصنع أفلاماً ضخمة تتناسب مع حجم كلاسيكيات ستيفن سبيلبرغ وستانلي كوبريك.
فلا شكّ أن أفلام Inception، وMemento، وثلاثية Dark Knight، عبارة عن لوحة فنية متكاملة. لكن فيلم نولان الثاني عشر سيشهد تغييراً في وتيرة أفلامه، لأنها المرة الأولى التي سيقدّم فيها عملاً يروي سيرة ذاتية.
ما نعرفه حتى الآن عن فيلم أوبنهايمر
الفيلم مقتبس من كتاب السيرة الذاتية، الحاصل على جائزة بوليتزر العالمية "انتصار ومأساة جي روبرت أوبنهايمر" الذي ألّفه الكاتبان كاي بيرد ومارتن جاي شروين، عن سيرة الفيزيائي روبرت أوبنهايمر.
من المقرّر عرضه في 21 يوليو/تموز 2023؛ وعلى غرار الكتاب، فهو يقدّم السيرة الذاتية لـلرجل الذي صنع أول قنبلة ذرية في العالم خلال الحرب العالمية الثانية، والملقَّب بـ"أبو الطاقة الذرية".
وفي فيلم أوبنهايمر، يجسّد النجم الإيرلندي كيليان مورفي (نجم سلسلة Peaky Blinders) شخصية روبرت أوبنهايمر، بينما تلعب إيميلي بلانت دور زوجته كيتي أوبنهايمر، إلى جانب مات ديمون الذي يؤدي شخصية ليسلي غروفز (مدير مشروع مانهاتن).
وإلى جانب كل هذه الأسماء اللامعة، يجسّد الممثل روبرت داوني جونيور شخصية لويس ستراوس، في حين يلعب توم كونتي دور ألبرت أينشتين الذي دعم تطوير "مشروع مانهاتن".
أول إعلانٍ للفيلم كانت مدته دقيقة واحدة فقط، وقد عُرض حصرياً في دور السينما قبل عرض فيلم Nope للمخرج جوردان بيل. وبعد أسبوع، في 28 يوليو/تموز 2022، أصبح متوفراً عبر الإنترنت.
أما المقطع الدعائي الكامل للفيلم، فقد عُرض حصرياً قبل فيلم Avatar: The Way of Water قبل أن يُعرض عبر الإنترنت في ديسمبر/كانون الأول 2022. وقد بدا وكأن الفيلم سيكون عاطفياً وإنسانياً أكثر بكثير مما قد يتوقعه البعض من فيلمٍ عن صنع القنبلة النووية الأولى في العالم.
في 8 مايو/أيار 2023، حمّلت شركة Universal (منتجة الفيلم) المقطع الدعائي الثاني عبر قناتها على يوتيوب، ومدته 3 دقائق و8 ثوان. وفي أقلّ من 24 ساعة، استطاع أن يحقق أكثر من 9 ملايين مشاهدة.
من هو روبرت أوبنهايمر؟
ترأس أوبنهايمر "مشروع مانهاتن" خلال الحرب العالمية الثانية، الاسم الرمزي للجهود التي قادتها الولايات المتحدة، وتعاونت معها إنجلترا وكندا، لتطوير سلاحها النووي الأول الذي اتّخذ شكله النهائي في صحراء نيو مكسيكو.
في العام 1943، عُيّن عالم الفيزياء النظري الأمريكي من أصل ألماني روبرت أوبنهايمر (وهو أيضاً أستاذ فيزياء في جامعة كاليفورنيا) في إدارة المشروع Y في مختبر لوس ألاموس، إلى جانب مجموعة من العلماء العباقرة.
أُسندت إلى أوبنهايمر مهمّة قيادة فريقٍ مؤلّف من نحو 1500 عالم فيزيائي وكيميائي وعسكري، بهدف إنجاز تصميم أوّل قنبلة ذريّة.
جمع هؤلاء – مع علماء آخرين عملوا على تطوير الهندسة الكهربائية وإنتاج البلوتونيوم وغيرها من المهمّات التقنية- النظرية والتطبيق، ونجحوا في بناء أوّل قنبلة ذريّة قابلة للاشتعال في التاريخ.
كانت ألمانيا الهدف الأساسي، لكنّها استسلمت. وفي غضون ذلك، حدّد القادة العسكريون لمشروع مانهاتن هيروشيما في اليابان كهدفٍ مثالي لقنبلة ذريّة.
فحقيقة عدم وجود أسرى حرب أمريكيّين في المنطقة، بالإضافة إلى حجم القنبلة، عاملان ساهما في اعتبار هيروشيما مدينة مثالية لإرغام اليابان على الاستسلام في الحرب.
وفي 6 أغسطس/آب 1945، أسقطت قاذفة إينولا جاي قنبلة Little Boy التي لم يكن قد تمّ اختبارها بعد من على ارتفاع 1900 قدم فوق هيروشيما. فتسبّبت بدمارٍ غير مسبوق، على مساحة 5 أميال مربّعة، وموت مئات آلاف المدنيّين.
وبعد 3 أيام، ومع رفض اليابان إعلان استسلامها، ألقت الولايات المتّحدة قنبلتها الثانية Fat Man فوق مدينة ناغازاكي، موقع مصنع لبناء الطوربيد، فدمّرت أكثر من 3 أميال مربّعة من المدينة.
جاسوس للسوفييت
بعد سنوات، في العام 1953، شُكّك بولاء أوبنهايمر للولايات المتحدة من خلال رسالة وصلت إلى FBI من المحامي وليام بوردن -الذي كان عضواً في لجنة القنبلة الذرية- ادّعى فيها أنّ أوبنهايمر كان على الأرجح جاسوساً سوفييتياً.
لاحقاً، برّأته اللجنة من تهمة الخيانة، لكنها حرمته الوصول إلى مزيد من الأسرار العسكرية، وأُلغي بذلك تعاقده مع وكالة الطاقة الذريّة مستشاراً لها. كما دافع اتحاد العلماء الأمريكيّين عنه، مؤكدين أنه ضحية حملة.
بقي أوبنهايمر حتى آخر حياته يدير حلقات بحثٍ نظرية حول الطاقة الذرية ويشجّع العلماء الشباب، وانشغل في إيجاد العلاقة المناسبة بين العلم والمجتمع والأخلاق قبل أن يتوفى جرّاء إصابته بسرطان الحلق في العام 1967.
في كتاب مذكراته Timebends a life، يروي الكاتب المسرحي الأمريكي آرثر ميلر تفاصيل لقاء أجراه مع عالم الذرة الأمريكي روبرت أوبنهايمر أوائل الستينيات، قبل أعوام قليلة من وفاته.
يقول ميلر إنه وجد أوبنهايمر شديد المرارة والحزن، ويائساً من كلّ شيء. ولم يكن ذلك بسبب مرضه، بل لأنّ الرجل لم يتخلّص من الاكتئاب الذي أصابه بعد أن أسقط الأمريكيون سلاحهم النووي الفتاك على مدينتي هيروشيما وناغازاكي.
فأوبنهايمر- كما يروي ميلر- كان يشعر أنه صاحب مسؤولية في ما حدث. وكان يرى أن حالته تستدعي بحثاً معمّقاً حول مسؤولية العالم إزاء النتائج التي يسفر عنها علمه.