مع بدء القتال في السودان بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، أُجلي في غضون أيام، الآلاف من الرعايا الأجانب والدبلوماسيين وعمال الإغاثة على متن سفن وطائرات عسكرية. وفرّ أيضاً أكثر من 100 ألف سوداني من البلاد، معظمهم سيراً على الأقدام إلى الدول المجاورة، لكن بعض السودانيين ما زالوا محاصرين؛ لأنَّ السفارات الغربية أفرغت مبانيها، بينما جوازات سفرهم لا تزال بداخلها. وبدون جوازات سفر سارية المفعول، لن تقبلهم أية عملية إجلاء دولي ولا أية دولة مجاورة.
تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية، إن هبة الشيخ تنتظر منذ أكثر من أسبوعين جواز سفرها للفرار من الحرب؛ إذ تحتفظ السفارة البريطانية بجواز سفرها، وليس لديها مخرج من السودان.
وكانت المواطنة السودانية، البالغة من العمر 34 عاماً، تنتظر أن تعيد السفارة البريطانية جواز سفرها وعليه تأشيرة المملكة المتحدة عندما اندلع القتال في 15 أبريل/نيسان بين الجنرالين السودانيين المتحاربين، ومع اندلاع عمليات القصف والمعارك بالأسلحة النارية، أغلقت السفارات الأجنبية فجأة.
سودانيون عالقون وسط الحرب!
فيما قال 5 سودانيين، ظلت جوازات سفرهم لدى السفارات البريطانية والألمانية والهندية، لصحيفة The Washington Post، إنهم تلقوا ردوداً مقتضبة أو معدومة فيما يتعلق بحالة جوازات سفرهم، ولم يتلقوا أية إجابة حول متى ستُعَاد إليهم. وأضافوا أنَّ هذا الوضع يدل على مدى السرعة التي يشعرون بأنَّ المجتمع الدولي قد تخلى بها عن السودان.
المعز مصطفى (45 عاماً)، وهو مهندس تقطعت به السبل في العاصمة الخرطوم، قال: "عليهم أن يفكروا فينا… نحن محاصَرون". وتعيش زوجته وأطفاله، وهم جميعاً من مواطني المملكة المتحدة، في بريطانيا. وكان قد سلّم جواز سفره في إطار عملية التقدم بطلب للحصول على تأشيرة مرافق الزوج/الزوجة في المملكة المتحدة.
وبالنسبة لهبة الشيخ، صارت بالفعل مسألة موت، فقد أرسلت هبة، المستشارة المتخصصة في الهجرة، بريداً إلكترونياً إلى مركز المعالجة في المملكة المتحدة بعد وقت قصير من بدء القتال، تطلب فيها جواز سفرها حتى تتمكن من الرحيل مع والديها المُسنَّين والمريضين. وبعد أيام، تلقت رداً من مركز المعالجة يطلب منها "تحملوا معنا".
لكن سرعان ما فات الأوان. فقد توفي والدها في 26 أبريل/نيسان، بينما ينتظر سريراً في المستشفى. وقالت هبة، في مكالمة هاتفية من الخرطوم؛ حيث دارت أسوأ معارك قتال شهدتها الدولة: "كان من الممكن تجنب موته لو لم تحدث هذه الحرب".
ومع كل يوم يمر، تتعمق الأخطار واليأس. كان من المقرر أن يبدأ فارس البدوي، 39 عاماً، العمل طبيباً في بريطانيا هذا الشهر، وهي الوظيفة التي كان يحلم بها. وكان يعتزم إحضار زوجته وأطفاله الثلاثة الصغار في يوليو/تموز. وقُبِل طلبه للحصول على تأشيرة المملكة المتحدة الذي قدمه الشهر الماضي، وكان ينتظر الموافقة على استرداد جواز سفره عندما بدأت الحرب.
فيما قال ياسر العباس، 26 عاماً، إنه حاول الاتصال وإرسال بريد إلكتروني إلى السفارة الهندية بخصوص جواز سفره، لكنه لم يتلقَّ رداً. وكان يخطط لدراسة الماجستير في الهند. وعبرت عائلته البحر الأحمر وصولاً إلى المملكة العربية السعودية. وبدون جواز سفر، لا يستطيع العباس الوصول إليهم.
الحكومات الغربية تتجاهل استغاثات السودانيين!
فيما لا يزال من غير الواضح عدد السودانيين الذين وقعوا في هذا المستنقع الخطير، نظراً لغياب الوضوح من الحكومات. ولم يرد المتحدثون باسم وزارتي الخارجية البريطانية والفرنسية على سؤال حول عدد جوازات السفر السودانية التي بحوزتهم. كما لم تردّ وزارة الخارجية الهندية على طلبات التعليق.
ومع رحيل الموظفين الأجانب من السفارات، يقع على عاتق السودانيين المجازفة لإيجاد حل. وقال عامل سوداني في السفارة الصينية، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته؛ لأنه غير مخول بالتحدث إلى وسائل الإعلام، إنَّ السفارة كانت لديها نحو 300 جواز سفر عندما أغلقت وألغت الحصول على التأشيرات الإلكترونية عبر موقعها. لكنه أردف أنَّ من واجبه أن يعيد للناس وثائقهم. وقد ضغط هو وزملاؤه للحصول على إذن بفعل ذلك.
وأوضح الرجل أنه خلال الفترات التي هدأت فيها حدة القتال، طلب من الناس الحضور إلى نقاط الالتقاء حول المدينة. وبحلول مساء الثلاثاء، 2 مايو/أيار في السودان، قال إنهم أعادوا أكثر من 100 جواز سفر. لكن معظم الناس ما زالوا ينتظرون.