يعد الفلسطيني خضر عدنان أول شهيد في عهد الحكومة اليمينية المتطرفة، التي تتضمن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي عبّر صراحة عن استهدافه الأسرى الفلسطينيين بجملة من الإجراءات التي سبق أن أثارت ضجة كبيرة في السجون الإسرائيلية.
عمّ الغضب والحداد الشارع الفلسطيني، بعد فاجعة استشهاد الأسير خضر عدنان، أثناء خوضه معركة الإضراب عن الطعام، منذ 5 فبراير/شباط 2023.
استشهد الشيخ خضر عدنان الثلاثاء، 2 مايو/أيار 2023، بعد تدهور حالته الصحية داخل معتقل "نيتسان"، وسط اتهامات وجهتها هيئة شؤون الأسرى والمحررين والفصائل الفلسطينية، بأن استشهاده تم بقرار من المستوى السياسي، وتحديداً من وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، المسؤول المباشر عن إدارة مصلحة السجون في حكومة نتنياهو الحالية.
هل أعدمت إسرائيل خضر عدنان؟
محمد عدنان، شقيق الشهيد خضر قال في حديث خاص لـ"عربي بوست"، إن "ما جرى هو عملية إعدام بدم بارد، ولدينا ما يكفي من أدلة لإدانة إسرائيل بهذه الجريمة، فالسجل الطبي لشقيقي الشهيد خضر معروف بأدق تفاصيله لدى مصلحة السجون، بالنظر لسنوات الاعتقال التي قضاها في الأسر، وعدد المرات التي خاض فيها إضراباً عن الطعام".
أضاف أيضاً أنه "منذ شهرين وشقيقي الشهيد يقبع في عزل انفرادي داخل معتقل "نيتسان"، بزنزانة ضيقة لا ترى ضوء الشمس، وعديمة التهوية، ودون أي تدخل طبي ولو بالحد الأدنى".
أشار كذلك إلى أن "مصلحة السجون مارست أشكالاً متعددة من القهر لكسر إرادته، مثل إيقاظه المتكرر من النوم، وتناول الطعام أمام أنظاره لزيادة حسرته".
"أنا أموت"
وكشف محمد عدنان أن الشهيد "عانى في الأيام الأخيرة قبل استشهاده من ضعف في السمع والبصر، وتشنجات مستمرة في أطرافه، وضيق في التنفس، وصداع مستمر في الرأس، وآلام في منطقة الكلى. ورغم كل ذلك لم تتخذ مصلحة السجون أي إجراء طبي لإنقاذ حياته".
أوضح شقيق الشهيد أن "مصلحة السجون تعمدت منعنا من زيارة شقيقي داخل المعتقل منذ شروعه بالإضراب، حتى إن المحكمة العسكرية في سجن عوفر رفضت قبل يومين من استشهاده، وتحديداً في 30 أبريل/نيسان 2023، قبول الالتماس الذي قدمه محامو شقيقي، كونه رهن الاعتقال الإداري ووضعه الصحي لا يسمح له بالاستمرار، حتى إنه قال في جلسة المحاكمة: "أنا أموت"، ورددها أكثر من مرة".
اغتيال رمز الحركة الأسيرة
يحظى خضر عدنان (45 عاماً) بتاريخ حافل في حالات الاعتقال من سلطات الاحتلال التي وصل مجموعها لثماني سنوات، قضى معظمها رهن الاعتقال الإداري (دون محاكمة)، ونجح في كثير من الحالات في انتزاع حريته من خلال شروعه بإضراب مفتوح عن الطعام.
في عام 2012، خاض الشهيد خضر عدنان أول إضراب عن الطعام استمر لـ66 يوماً، تلاها إضراب استمر لـ52 يوماً في عام 2015، ثم خاض إضراباً لمدة 59 يوماً في عام 2018، وإضراباً استمر لـ25 يوماً في عام 2021، وخاض آخر إضراب قبل استشهاده استمر لـ86 يوماً في عام 2023.
باستشهاده يكون خضر عدنان أول أسير يتم إعدامه أثناء خوضه معركة الإضراب عن الطعام منذ عام 1992، والسادس في تاريخ الحركة الأسيرة داخل السجون الإسرائيلية، لتقضي إسرائيل على من تصفه بـ"عرّاب معركة الأمعاء الخاوية".
سياسات بن غفير الانتقامية
حدد وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، كسر إرادة الأسرى والانتقام منهم، كأحد الأهداف التي روج لها في دعايته الانتخابية، كما شرع منذ أن تولى منصبه لتنفيذ سلسلة إجراءات انتقامية استهدفت الأسرى، منها تلويحه المستمر بفرض قانون الإعدام على الأسرى الأمنيين داخل الكنيست، وإغلاق المخابز داخل أقسام السجون، وتقليص مدة الاستحمام للأسرى، وغيرها من الإجراءات التي أخذت منحى تصعيدياً في الأسابيع الأخيرة.
يربط كثير من المراقبين المختصين بشؤون الأسرى حادثة استشهاد الأسير خضر عدنان بإهمال متعمد مارسه رأس الهرم السياسي في إسرائيل، وتحديداً من بن غفير، لفرض معادلات جديدة داخل المعتقلات، عنوانها مزيد من التنكيل بالأسرى.
أحمد الفليت، مدير مركز نفحة لدراسات شؤون الأسرى قال لـ"عربي بوست"، إن "ما جرى مع الشهيد خضر عدنان هو استكمال لنهج بن غفير لثني وتدمير الروح المعنوية داخل السجون، فمسلسل المضايقات والإجراءات التي طبقت ضد الأسرى بقرار من بن غفير في الأسابيع الأخيرة، يشير إلى وجود قرار من المستوى السياسي في إسرائيل، لوضع الأسرى في قلب معادلة الصراع".
تابع الفليت، وهو نفسه خاض تجربة الاعتقال لأكثر من عقدين، أن "الأسرى الذين استطاعوا في السابق من خلال سلاح الإضرابات وقف الإجراءات الانتقامية بحقهم، وفرض شروطهم على مصلحة السجون، سيكونون الآن أمام اختبار حقيقي لاستخدام هذا السلاح في المستقبل، لأن إسرائيل بإعدام خضر عدنان تريد أن توصل رسالة بأنها لن تخضع مرة أخرى لمطالب الأسرى، حتى لو كلف ذلك استشهادهم".
الإضراب خيار الأسرى الاستراتيجي
عادة ما يلجأ الأسرى لسلاح الإضراب عن الطعام لوقف الإجراءات الذي تمارسها مصلحة السجون بحقهم، أو لانتزاع أحد الحقوق التي سُلبت منهم، كما بات هذا النهج أسلوباً يلجأ إليه المعتقلون الإداريون دون محاكمة، الذين يقضون أشهراً وسنوات طويلة داخل المعتقلات الإسرائيلية، دون توجيه تهم مباشرة أو إدانتهم بارتكاب جرم يستحق أن يخضعوا للاعتقال، وفقاً لما دأبت عليه السياسات الإسرائيلية.
كان شهر رمضان الماضي مع موعد لبدء أكبر إضراب عن الطعام داخل الحركة الأسيرة، لكنه توقف في اللحظات الأخيرة بعد أن خضعت إسرائيل لمطالب الأسرى، وتراجعت عن جزء من الإجراءات الانتقامية التي كان يطالب بها الأسرى، وهو ما مثل انتصاراً للحركة الأسيرة بمجرد التلويح بخيار الإضراب عن الطعام قبل أن يبدأ عملياً.
من جهته، يشير المختص في الشؤون الإسرائيلية عصمت منصور، إلى أن "ما جرى مع الشهيد عدنان هو إعلان مواجهة مباشرة مع الحركة الأسيرة، عبر رفع سقف التحدي في وجههم، فخيار الإضراب عن الطعام هو سلاح استراتيجي لدى الأسرى، رغم تكلفته العالية التي تصل لحد الاستشهاد، لعدم قدرة الجسد على تحمل العيش لأيام دون غذاء أو ماء، ويلجأون إليه حال تعنت مصلحة السجون في تنفيذ مطالبهم".
وأضاف لـ"عربي بوست"، أن "نية إسرائيل بالانتقام كانت واضحة، بالنظر لما جرى في المسجد الأقصى في شهر رمضان الماضي، أو في انتصار الحركة الأسيرة في إجبار بن غفير على التراجع عن إجراءاته، التي لطالما لوح بها، وبالتالي نحن أمام جريمة مكتملة الأركان بمصادقة المستوى السياسي في إسرائيل عليها".
ولم يصدر تعليق إسرائيلي حتى الآن على الاتهامات ضدها بما يتعلق باستشهاد الشهيد خضر عدنان، وتعمدها تجاهل مطالبه رغم أنه معتقل إداري دون تهمة أو محاكمة.