في الوقت الذي يأتي فيه نحو 70% من إمدادات العالم من الصمغ العربي من أشجار الأكاسيا في منطقة الساحل الإفريقي التي تمر عبر السودان، ثالث أكبر دولة في القارة السمراء، تمزق البلاد حالة من الاضطرابات والاقتتال بين الجيش والقوات شبه العسكرية.
ولكن ما هو الصمغ العربي، وما أهميته للصناعات العالمية، وما علاقة السودان بكل هذا بالرغم من عدم كونها المصدّر الوحيد للمُنتج؟
الصمغ العربي وأهميته لصناعة المشروبات الغازية
يُعرف الصمغ العربي أيضاً باسم صمغ الأكاسيا أو E414، وهو مستحلب ومثبت من فروع أشجار السنط. ومن بين استخداماته العديدة، يتواجد المستحضر في تلميع الأحذية ويجعل طباعة الصحف أكثر تماسكاً.
يدخل المكون أيضاً كعنصر أساسي في تصنيع الشوكولاتة والحلويات، ولكن الأهم من ذلك هو الدور الذي يلعبه في صناعة المشروبات الغازية، فهو يربط السكر بالمشروب.
وعادةً ما يستخرج البدو السودانيون الصمغ المرصوف بالحصى والعنبر من أشجار السنط، ثم يتم تكريره وتعبئته في جميع أنحاء البلاد. وهو يمثل مصدر رزق الآلاف من الناس ويمكن أن يكلف الطن الأكثر تكلفة حوالي 3000 دولار، وفقاً لموقع (Gum Sudan) السوداني للصمغ العربي.
وبالنسبة لكونه مكوناً طبيعياً مفيداً ومتعدد الاستخدامات، فقط حظي بتاريخ متقلب. ففي عام 1997، فرضت الحكومة الأمريكية عقوبات على السودان -أكبر منتج للصمغ في العالم- بدعوى منحه ملاذاً للإرهابيين الإسلاميين.
لكن بعدما احتجت جماعات الضغط العالمية المستفيدة، كان المنتج الوحيد المستثنى من حظر التصدير هو الصمغ العربي، حيث قالت الولايات المتحدة إن مثل هذا الحظر كان سيضر بصناعة الأغذية في البلاد، وخوفاً من خلق سوق سوداء بديلة.
وفي مؤتمر صحفي عام 2007، رد السفير السوداني في واشنطن على العقوبات التي كانت لا تزال مفروضة على بلاده، مندداً بتدخل الولايات المتحدة في الحرب الأهلية السودانية آنذاك قائلاً: "يمكنني إيقاف الصمغ العربي وكل واحد منا سوف يفقد هذا"، ورفع زجاجة كوكاكولا بيده.
علاقة اضطرابات السودان بصناعات المشروبات
في المقابل، تسبب اندلاع الصراع في السودان في الضغط على صانعي السلع الاستهلاكية الدوليين الذين يتسابقون للحصول على إمدادات الصمغ العربي، وهو أحد أكثر المنتجات المرغوبة في البلاد ومكون رئيسي في كل شيء تقريباً، بداية من المشروبات الغازية، وصولاً إلى الحلوى ومستحضرات التجميل.
وبحسب المسؤولين عن التصدير ومصادر صناعية لوكالة رويترز العالمية، فإن الشركات التي تعتمد على المنتج الإفريقي الثمين، مثل كوكاكولا وبيبسيكو، لديها مخزون من الإمدادات يكفي لما بين 3 إلى 6 أشهر فقط لتجنب النقص.
ومع ذلك، كانت النزاعات السابقة تميل إلى التركيز في المناطق النائية مثل دارفور. إلا أنها هذه المرة طالت العاصمة الخرطوم بسبب القتال الذي اندلع في 15 أبريل/نيسان عام 2023، ما أدى إلى شل الاقتصاد وتعطيل الاتصالات الأساسية وتعزيز مخاوف حركات التجارة.
إذ يتم حصاد معظم الصمغ من "حزام الصمغ" الذي يمتد بمسافة 500 ميل من الشرق إلى غرب إفريقيا، حيث تلتقي الأراضي الصالحة للزراعة بالصحراء، بما في ذلك في إثيوبيا وتشاد والصومال وإريتريا.
لذا بسبب توترات المشهد على الأرض في السودان المصدّر الأكبر لهذا المكون من بين دول حزام الصمغ، قال 12 مصدّراً ومورّداً وموزّعاً، وفقاً لوكالة رويترز، إن التجارة في المنتج الضروري للعديد من صناعات الطعام والشراب والمواد الاستهلاكية، توقفت بالكامل الآن.
إذ بات "من المستحيل" الآن الحصول على مزيد من الصمغ العربي من المناطق الريفية في السودان بسبب الاضطرابات وانسداد الطرق، بحسب العاملين في المجال.
وقد تأزّم الوضع الحالي في السودان نظراً إلى أن التواصل مع جهات الاتصال على الأرض أصبح صعباً، ولأن ميناء بورتسودان -حيث يتم شحن المنتج- بات يعطي الأولوية لعمليات إجلاء المدنيين لا التجارة.
وتوضيحاً لأهمية الصمغ العربي عالمياً، يقول داني حداد، مدير التسويق والتطوير بشركة أجريجوم، أحد أكبر 10 موردين عالميين للمنتج، بحسب الوكالة: "بالنسبة لشركات مثل بيبسي وكوكاكولا، لا يمكن أن يستمر وجودها بدون وجود الصمغ العربي في تركيباتها".
صحيح أن هناك مصادر من المادة العربية الأقل جودة والأقل تكلفة التي يمكن التحصُّل عليها من خارج السودان في الوقت الراهن، لكن المكون الأفضل موجود فقط في أشجار الأكاسيا في السودان وجنوب السودان وتشاد، بحسب حدّاد.
توتر سياسي يهدد استقرار السودان
جدير بالذكر أن الانفجار الحالي للأحداث في السودان يأتي بعد خلاف بين جنرالين بشأن صفقة تم التوصل إليها مؤخراً بوساطة دولية مع نشطاء الديمقراطية، والتي كانت تهدف إلى دمج قوات الدعم السريع شبه العسكرية في الجيش وتؤدي في النهاية إلى حكم مدني.
في عام 2019 ، أطيح بالرئيس عمر البشير في انتفاضة شعبية. وفي وقت لاحق، قام الجيش وقوات الدعم السريع بالاشتراك في انقلاب عسكري عام 2021. لكن العلاقة بين الفصيلين انهارت خلال مفاوضات الاندماج وتشكيل حكومة مدنية.