عاش المسلمون قروناً من الزمن وهم يتربعون على عرش العالم، وصالوا صولتهم دهوراً طويلة، حتى دارت عليهم الدوائر، وعادوا ضعافاً ومشتَّتين، تقاذفهم الأمم وتهزهم الهزائم تلو الأخرى، فأمسوا بعد عزٍّ أذلَّة، وبعد قوة ضعافاً، وبعد سداد الرأي غثاء كغثاء السيل، لا رأي ولا وزن بين الناس.
منذ سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية التي كانت سداً منيعاً ضد الغرب لقرون، لم يجد المسلمون من قوة ترفع رأسهم بين الأمم، فكل دولهم من الخليج إلى المحيط، لا رأي لها، وهي إما في معسكر الشرق أو معسكر الغرب.
وقد هانت الأمة الإسلامية حتى سمحت للغرب بتأسيس كيان سياسي بين أضلعها وفي خير بقاعها؛ في أرض الأنبياء والصالحين، حيث سيطرت الصهيونية العالمية وبدعم من بريطانيا والولايات المتحدة على فلسطين، لتعمق جراح المسلمين وتزيد من فرقتهم وهوانهم، خاصة بعد هزيمة جيشهم، بجيشها الحديث، فأزاحت عنهم ما كان بقي لهم من هيبة.
انظر حولك اليوم، في كل بقعة من بقاع الدنيا ستجد المسلمين مستضعفين، تنالهم أيادي العابثين والمتطرفين، ففي الهند والصين، كما في ميانمار كما في ألمانيا والسويد، وإن كانت الدول الأوروبية تنافق المسلمين وتدعي ترحيبها بهم، إلا أن شواهد عديدة تدل على أنها تحاربهم وتحارب ثقافتهم بكل قوة، بل تعمل على تشتيت شمل أسرهم بسرقة أطفالهم.
في السويد ومنذ أمد بعيد، يعمل السوسيال على سرقة أطفال المسلمين وإعطائهم للشواذ والعجزة، بل أصبح اختطاف الأطفال المسلمين من ذويهم، وتقديمهم للأسر السويدية، تجارة قائمة بذاتها يديرها مسؤولون في "السوسيال".
ولما ظننا أن الأمر مرتبط بالسويد فقط، خرج علينا البارحة مقطع فيديو يدمي القلب، لطفل يصرخ ويبكي بينما يتم سحبه من طرف الشرطة الألمانية، وذلك بسبب أن المدرسة أخبرتهم بأن الأسرة تعلم الطفل أموراً إسلامية ضد المثلية الجنسية!
فهل يصدق أولئك الذين لطالما تغنوا بالحرية الغربية وبالعلمانية التي لا تتدخل في معتقدات الناس، أن العلمانية الغربية باتت اليوم تفرض على الناس الإيمان القطعي الذي لا تشوبه شائبة كفر بالمثلية الجنسية؟ وهذا لا يقتصر على ألمانيا فكل الدول الغربية باتت تنص على أن أي شخص يرفض المثلية الجنسية فهو ضد المواطنة، وضد العلمانية.
أليست العلمانية والليبرالية تعنيان حسب ما يروج له، أن للأفراد الحق في اتخاذ مواقف حرة من أي ظاهرة أو مفهوم، فكما يحق للشخص أن يؤمن بأن المثلية الجنسير أمر فطري مع أن العلم ينفي ذلك، يحق لشخص آخر أن يراه انتكاسة أخلاقية، فلطالما هناك علمانية وليبرالية فالكل حر في اختياراته، أليست هذه هي المنظومة التي تتغنون بها؟
هذه السرقات التي تحدث في الغرب، يراها الكل ويشهد عليها السياسيون العرب، لكنهم أبداً لا يتخذون موقفاً منها ولا يراسلون هذه الدول بصفتهم يمثلون المسلمين، بل نجد أن دولنا توطد علاقتها معها، كأن شيئاً لم يكن، ولو أنهم وقفوا وقفة رجل واحد، ووقفة مسلم حقيقي لما تجرأت على المسلمين هذه الدول التي كانت في الأمس القريب تتزلف المسلمين.
بإمكان دول الخليج التدخل وشل أركان السويد وألمانيا وأوروبا بأسرها، وذلك لأنها تمتلك سلاح البترول والغاز، خاصةً أن الوضع الأوروبي غير مستقر ولن يتحمل حملة مقاطعة أخرى من المواطنين المسلمين، فكيف إذا كانت المقاطعة من الدول؟
عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "توشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت".
هذا الحديث النبوي الشريف نعيشه بكل حرف فيه، فقد تداعت علينا الأمم جميعها وليس لنا من قوة ولا ناصر، ومع أن عددنا كمسلمين يتجاوز اليوم الملياري مسلم، لا نساوي في ميزان الدول شِسْعَ نَعْلٍ.
والأدهى أن سرقة الأطفال ليست الأمر الجلل فحسب، بل هناك ما هو أسوأ، ففي دول تدعي الحرية تنتهك حرمة القرآن ويُسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويُتطاول عليه، وليس هناك من رادع يردع المتطاولين، بل تحميهم الحكومات وتدعمهم، تحت شعار حرية التعبير، والعجيب أنّ عرض حرية التعبير يصبح غير صالح إذا ما تعلق الأمر بديانات أخرى، ويعمل بشكل غير محدود مع شريعة المسلمين، كأن الأمر متعمد، ولا شك في أنه متعمد، فكيف لا وهم أشد خوفاً من أن يعود المسلمون كما كانوا سادة للعالم.
يعتقد هؤلاء أن تعريض المسلمين لأنواع العذاب سيعجل بانهيار المنظومة الإسلامية لكنهم لا يدركون أنهم يزيدون المسلمين تعلقاً وتشبثاً بدينهم، بل يعرّفون غير المسلمين بالإسلام، ويؤكدون لهم أن هناك حرباً ضروساً يتعرض لها هذا الدين، ما يفتح شهيتهم للبحث والتنقيب عن شريعته، فينتهي بهم الأمر مسلمين، حين يفهمون أنه الملجأ الأخير للإنسانية والحصن الوحيد المتبقي لمن أراد التحصن من الهجمة الشيطانية التي تسعى لتخريب العالم بمشاريع تعارض الفطرة البشرية.
وصدق الله العظيم حين قال في محكم كتابه: "يُرِيدُونَ أَن يُطْفِـُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَيَأْبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ" (التوبة – 32).
إنها دعوة للمسلمين في أرجاء العالم للوقوف في وجه هذه الدول وسرقاتها المتكررة واعتداءاتها على تعاليم الإسلام، فلكل منا دوره ويُسأل عنه يوم القيامة ماذا قدم لنصرة الإسلام. وليس هناك أقوى اليوم من مقاطعة كل ما له علاقة بهذه الدول المتطرفة وعلى رأسها السويد وألمانيا.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.