كشفت مصادر سياسية مطلعة في العراق لـ"عربي بوست" أن هناك صراعاً محتدماً بين رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وبين حلفائه في الإطار التنسيقي الشيعي، موضحين تفاصيل متعلقة بخطة تستهدف التخلص من إرث التيار الصدري.
السوداني تولى منصبه رئيساً للحكومة في العراق في أكتوبر/تشرين الأول 2022، بعد عام كامل من الانسداد السياسي، بدعم من الإطار التنسيقي.
لكن رئيس الوزراء بعد أن قام بتشكيل حكومته، وتوزيع الحقائب الوزارية على حلفائه في الإطار التنسيقي، قرر بشكل مفاجئ تغيير بعض الوزراء التابعين للإطار، وخاصة المنتمين لائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي (2006-2014).
إصرار السوداني علي التغيير الوزاري السريع
قال مصدر حكومي مقرب من السوداني لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه، إنه "منذ اليوم الأول في تشكيل الحكومة، تم الضغط علي السوداني من أحزاب الإطار التنسيقي، لاجباره على اختيارات معينة، كان يرفضها من البداية، لكنه وافق في نهاية الأمر من أجل عدم إعاقة تشكيل الحكومة المتعسرة بالفعل".
أضاف أيضاً أن "السوداني هذه المرة مُصر على التعديل الوزاري بأي شكل من الأشكال".
ظهرت مسألة التعديل الوزراي التي يرغب بها رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، سبباً في زيادة الخلافات المتنامية بينه وبين حلفائه في الإطار التنسيقي، بحسب قيادي في الإطار التنسيقي الشيعي أوضح لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه، أن "أغلبية الأحزاب داخل الإطار التنسيقي ترفض التعديل الوزاري".
أضاف أن "نوري المالكي اجتمع بالسوداني مرتين خلال الاسبوع الحالي، لإقناعه بعدم اتخاذ هذه الخطوة، لكن الأخير مُصر على موقفه".
في حين رأى أحد مستشاري السوداني السياسيين أن التعديل الوزاري "أمر هام وضروري، لعدم فشل الحكومة".
وقال لـ"عربي بوست" دون الرغبة في ذكر اسمه، إنه "من حق رئيس الوزراء إجراء تعديل وزاري في أي وقت يراه مناسباً"، منتقداً بأن "قادة الإطار التنسيقي يرون أن التعديل الوزراي محاولة من السوداني للاستحواذ علي الحكومة أو أنه يريد منه القيام باستهداف سياسي لأحد الأطراف، لكن الأمر خاطئ تماماً".
الحلفاء قلقون
بحسب المصدر الحكومي المقرب من رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، فإن الأخير ينوي تغيير ما يصل إلى 10 وزراء، 3 منهم من ائتلاف دولة القانون الذي يترأسه نوري المالكي، السياسي الشيعي البارز، الذي لطالما اتهم الكثيرون السوداني بأنه ظله الحالي في الحكومة.
أفاد المصدر الحكومي العراقي المقرب من رئيس الوزراء لـ"عربي بوست" بأن "المالكي غاضب من تغيير وزير النفط التابع لحزبه، خاصة أنه قد أصر كثيراً في المراحل الأولى من تشكيل حكومة السوداني، على منح وزارة النفط إلى ائتلافه".
الجدير ذكره بهذا الصدد أن وزارة النفط يتولاها الآن الوزير حيان عبد الغني من ائتلاف دولة القانون.
في السياق ذاته، قال قيادي ثانٍ من الإطار التنسيقي الشيعي لـ"عربي بوست"، إن "الإطار التنسيقي قلق من محاولات السوداني التعدي على حصصهم في الحقائب الوزارية، خاصة بعد تصميمه على منح بعض المناصب الأمنية المهمة إلى مقربين منه وأقارب له".
من المرجح وبحسب المصادر التي تحدثت لـ"عربي بوست"، أن يقوم السوداني أيضاً بتغيير في وزارات التعليم، والتجارة، والموارد المائية، والدفاع، والزراعة.
حاول الإطار التنسيقي الشيعي، وهو مظلة تضم أغلب الأحزاب الشيعية بأجنحتها المسلحة سواء المعتدلة أو المقرب من إيران، معارضة السوداني في مسألة التعديل الوزراي، الذي رفضوه في البداية، لكن بحسب القيادي الثاني في الإطار التنسيقي، فإن السوداني هدد بالذهاب إلى البرلمان، وكشف الخلافات أمام الشعب العراقي.
تابع في حديثه لـ"عربي بوست": "وجدنا أن السوداني مُصمم على إجراء التعديل الوزاري بأي تكلفة، وقال في أحد اجتماعاته بالإطار التنسيقي، إنه إذا لم يوافقوا على التغيير الوزاري فإنه سيذهب للبرلمان، ويطلب استجواب الوزراء واستبدالهم".
أضاف أيضاً أنه "لا توجد نية بخروج الخلافات إلى العلن لتصبح مسار أحاديث الناس، وهذا الأمر يهدد استقرار الحكومة، واستقرار الإطار التنسيقي نفسه".
على الرغم من رفض وقلق حلفاء السوداني في الإطار التنسيقي من أمر التعديل الوزاري، "إلا أنهم في النهاية رضخوا لرغبته"، بحسب نائب برلماني عن ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي.
أوضح لـ"عربي بوست" أنه "ليس أمام الإطار التنسيقي إلا الموافقة على التعديل الوزاري، لكي لا يقال إن الحكومة فشلت بسبب إصرار أحزاب الإطار، وأن هناك نية لترك السوداني لتعديله الوزراي، وليتحمل هو النتيجة وحده في نهاية المطاف".
"الحفاظ على استقلال الحكومة"
بحسب المصادر المقربة من السوداني، التي تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن رغبة الأخير في المضي قدماً بالرغم من كل الاعتراضات لإجراء تعديل وزاري، "نابعة من رغبة رئيس الوزراء في الحفاظ على استقلال الحكومة".
عن ذلك قال مصدر حكومي مقرب من السوداني لـ"عربي بوست"، إنه "بعد مرور 6 أشهر على تشكيل الحكومة، لم تقدم أغلب الوزارات نتائج إيجابية، لا سيما الوزارات العشر المعنية بالتعديل، فهي لم تقدم أي إنجازات خلال الفترة السابقة، ما يعني أن الفشل سيتم تحميله كله للسوداني".
أضاف أيضاً أن "كثيرين اتهموا السوداني بأن المالكي بالتحديد هو من يُدير الحكومة الحالية، لكن في حقيقة الأمر فإن السوداني لديه تطلعات سياسية للحفاظ على استقلال الحكومة عن الأحزاب"، مؤكداً أن "تحركات السوداني ما هي إلا خطوة أخيرة تجاه الحفاظ على النظام السياسي في العراق".
القضاء على وجود الصدريين في المناصب الحكومية
بجانب الصراع الدائر بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وحلفائه من الإطار التنسيقي الشيعي، حول مسألة التعديل الوزراي، هناك مسألة أخرى لا تقل أهمية عن الأولى، وفق ما كشفته مصادر "عربي بوست".
بحسب المصادر المطلعة التي تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن "هناك نية واضحة ومؤكدة من الإطار التنسيقي الشيعي، للتخلص من كل المسؤولين المنتمين للتيار الصدري في المناصب الحكومية الثانوية والإدارية الهامة".
سبق كذلك أن كشف "عربي بوست" في تقرير سابق خطة لمقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، ورجل الدين الشيعي البارز في العراق، للسيطرة على أهم الوظائف الإدارية في الدولة، بداية من عام 2014 وحتى عام 2018، ما ساعده على تحقيق الفوز الكبير في الانتخابات البرلمانية الأخيرة عام 2021، وعلى ما يبدو، فإن خطة مقتدى الصدر من خلال توسيع نفوذ التيار الصدري وسيطرته على مفاصل الدولة، بعيداً عن الاقتتال مع الأحزاب المنافسة على المناصب الوزارية العليا، لم تلفت انتباه خصومه السياسيين من الإطار التنسيقي الشيعي في ذلك الوقت، بنسبة كبيرة.
لكن الآن، وبعد انسحاب مقتدى الصدر من المشهد السياسي، في أغسطس/آب 2022 بعد فشله في تحقيق طموحه السياسي بتشكيل حكومة أغلبية وطنية، من تياره السياسي وحلفائه السنة والأكراد حينها، وبعد أن أعلن مؤخراً، تجميد تياره السياسي لمدة عام، لجأ خصومه في الإطار التنسيقي الشيعي إلى التخلص من أي وجود للتيار الصدري في الدولة.
في هذا السياق، يقول مسؤول حكومي مقرب من الإطار التنسيقي الشيعي، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه: "قرر قادة الإطار التنسيقي وعلى رأسها نوري المالكي، المضي قدماً في الخطة التي تهدف إلى الإطاحة الكاملة بالتيار الصدري من الحكومة".
جدير بالذكر هنا، أن رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، لديه سجل طويل من العداء مع زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، يرجع تاريخه إلى عام 2006 عندما كان المالكي رئيساً للوزراء حينها، وكان مقتدى الصدر يقود فصيله المسلح "جيش المهدي"، لمحاربة القوات الأمريكية المتواجدة في العراق.
في سنوات عُرفت بالحرب الأهلية في العراق (2006:2008) حاصر مقتدى الصدر بفصيله المسلح مدينة البصرة الغنية بالنفط، ما دفع المالكي إلى الاستعانة بالقوات الامريكية للإطاحة به ومحاربته، فيما عرُف حينها باسم عملية "الفرسان"، التي على إثرها أعلن مقتدى الصدر حل فصيل جيش المهدي، وأعلن عزلته في إيران.
بالعودة إلى مسألة الإطاحة بمسؤولي التيار الصدري من الحكومة، يقول المسؤول الحكومي المقرب من الإطار التنسيقي الشيعي لـ"عربي بوست": "في الأيام القليلة القادمة، ستبدأ خطة الإطار التنسيقي لعزل مسؤولي التيار الصدري من حوالي 50 في المئة من المناصب الإدارية الثانوية الهامة، التي سيطر عليها التيار الصدري في السنوات الأربع الماضية".
من جهته، قال سياسي في الإطار التنسيقي ومقرب من نوري المالكي لـ"عربي بوست": "التيار الصدري الآن خارج الحكومة وخارج العملية السياسية، برغبته، وليس بضغط من أحد، ومع ذلك يسيطر أعضاؤه على أهم المناصب داخل الوزارات".
أضاف أن ذلك يثير غضب الإطار التنسيقي ويراه أمراً غير عادل، لذلك يريد إعادة توزيع هذه المناصب، بعد إقالة الصدريين منها، وتوزيعها على الأحزاب الأكبر في البرلمان".
من ضمن الأحزاب الأكبر في البرلمان، بحسب تعبير المصدر ذاته، هو ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي خصم مقتدى الصدر.
يسيطر ائتلاف دولة القانون الآن على 50 مقعداً من أصل 329 مقعداً في البرلمان، ما يؤهله ليصبح أقوى صوت بين أحزاب الإطار التنسيقي الشيعي.
المناصب الإدارية الثانوية في الوزارات التي يسيطر عليها التيار الصدري، تُعرف باسم "الدرجات الخاصة"، وتوجد في أغلب الوزارات المهمة مثل وزارات النفط، الداخلية، الزراعة، والتجارة.
يقول سياسي عراقي شيعي لـ"عربي بوست"، معلقاً على هذا الأمر: "لن يكتفي الإطار التنسيقي بالسيطرة على الدرجات الخاصة فقط، بل يسعى إلى تغيير عدد من المحافظين في المحافظات الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية، المحسوبين على التيار الصدري، وتغيير عدد آخر من المحافظين في المحافظات السنية، من أجل هدم أي فرصة لإنشاء تحالف سني-صدري في المستقبل القريب".
جدير بالاشارة هنا إلى أنه بعد الفوز الكبير الذي حققه التيار الصدري في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بالحصول على 73 مقعداً من أصل 329 مقعداً، دخل مقتدى الصدر في تحالف مع حزب "تقدم" بقيادة رئيس البرلمان والسياسي السني البارز محمد الحلبوسي، بالإضافة إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني الفائز الأكبر بين المكون الكردي.
لكن هذا التحالف الثلاثي انتهى بإعلان انسحاب مقتدى الصدر من المشهد السياسي بعد أحداث دامية بين أنصاره ومؤيدي الإطار التنسيقي في أغسطس/آب 2022. ودخل التحالف السني (تحالف السيادة)، والحزب الديمقراطي الكردستاني في تحالف جديد مع الإطار التنسيقي الشيعي عُرف باسم تحالف "إدارة الدولة".
تتوقع أغلب المصادر التي تحدثت لـ"عربي بوست"، في هذا التقرير، أن قرار الإطار التنسيقي الشيعي بالإطاحة بالتيار الصدري من المناصب الحكومية (الدرجات الخاصة)، ستكون له نتائج سلبية.
قال مسؤول حكومي عراقي مقرب من التيار الصدري، لـ"عربي بوست"، إن "هذا بمثابة انقلاب كامل على التيار الصدري".
وتابع: "قادة الإطار يعتقدون أنهم سينجحون في إقصاء التيار الصدري من الحياة السياسية، والسيطرة على الحكومة والمناصب المهمة، لكن لا أعتقد أن هذه الخطوة ستمر بسلام، فلن يقبل التيار الصدري بإقصائه بهذا الشكل".
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.