يعتقد الكثير من الناس أنّ الثورة الأمريكية التي اندلعت بين عامي 1765 و1783، ونتج عنها إلغاء حكم بريطانيا العظمى على 13 من مستعمرات أمريكا الشمالية، وانتهت بإعلان الاستقلال هي أوّل ثورة أمريكية في التاريخ، لكنّ الأولى كانت قبل ذلك التاريخ بنحو قرنٍ من الزمن، ولم تقع حتى في المستعمرات الأصلية الـ13، ذلك أنّ هذه الثورة هي "ثورة البويبلو" التي اندلعت عام 1680، ونتج عنها نجاح السكان الأصليين في نيومكسيكو في إجبار المستعمرين الإسبان على الخروج من أرضهم.
وفقاً لموقع All That's Interesting الأمريكي، كان ضجر شعب البويبلو من النظام الإسباني القمعي قد تنامى، وأفسح الطريح لقيام أوّل ثورة أمريكية، فقد كان المستعمرون الكاثوليك يجبرون البويبلو على ترك دياناتهم الأصلية ويعاقبونهم بوحشية إذا رفضوا.
ففي سبعينيات القرن السابع عشر، أمر الحاكم الإسباني لنيومكسيكو بإعدام العديد من رجال بويبلو المقدسين، وجلد العديد من الناس علانية.
كان بوباي وهو رجل مقدس وأحد قادة حرب Ohkay Owingeh، أحد الرجال الذين تعرضوا للجلد في سانتا في، وهي التجربة التي عززت عزمه على طرد الإسبان من نيو مكسيكو.
قرَّر بوباي قيادة أوّل ثورة أمريكية وهي ثورة البويبلو من أجل طرد المستعمرين الإسبان من نيومكسيكو، وطوال 4 سنواتٍ من التحضير وإعداد خطة الإعلان عن أوّل ثورة أمريكية في التاريخ، ظلّ بويابي يقيس في مدى جدية البويبلو في الثورة، وبالفعل في 10 أغسطس/آب 1680، أعلن بوباي عن بداية الثورة، وبعد 11 يوماً فقط، فرَّ الإسبان من نيومكسيكو.
كانت ثورة بويبلو عام 1680 أوّل ثورة أمريكية ضد المؤسسات الدينية والاقتصادية والسياسية الإسبانية التي فُرضت على بويبلو. كما أنها كانت أنجح ثورة للسكان الأصليين في التاريخ الأمريكي ضد قوة مستعمرة في أمريكا الشمالية، وهي جزء كبير من السبب الذي يجعل ثقافة البويبلو ولغاتهم ودياناتهم مستمرة في المجتمع الأمريكي حتى اليوم.
كيف قمع المستعمرون الإسبان شعب البويبلو قبل أوّل ثورة أمريكية؟
في العام 1598، وصل الغزاة الإسبان إلى المنطقة التي تُعرَف اليوم باسم نيومكسيكو، وبعد وقتٍ قصير إصدم الإسبان الغزاة بشعب البويبلو الذي كان مستقراً في المنطقة، فقد حاول الإسبان السيطرة على نيومكسيكو من أوّل وهلة.
ووفقاً لموقع History، بدأ المستعمرون الإسبان استرقاق رجال ونساء البويبلو وإجبارهم على اعتناق المسيحية. وحظروا الممارسات الدينية للسكان الأصليين وعاقبوهم على الملأ لمقاومتهم ذلك.
لم يتوقف قمع الإسبان عند المعتقدات، فضيّقوا على البويبلو حتى في أبسط الأشياء، إذ منع الإسبان شعب البويبلو من امتلاك الخيول والأسلحة، وأحرقوا مواقع ممارسة طقوسهم تحت الأرض، ودمَّروا مقدساتهم. وجلبوا معهم أيضاً أمراضاً مثل الجدري والحصبة وحمى التيفوس، والتي قتلت آلاف السكان الأصليين.
كان القمع المتزايد والتضييق على البويبلو ينذر بقرب اندلاع ثورة وشيكة، على الرغم من بقاء هذا الحال لعقودٍ طويلة.
كان اعتقال وجَلْد رجلٍ متدين يُدعى بوباي في حدود عام 1676 هو ما زرع بذور التمرد في شعب البويبلو، فبعد ذلك الاعتقال ستُزهِر الانتفاضة بالانتقام من الإسبان بعد أربع سنوات فقط، وذلك بعد قيام أوّل ثورة أمريكية في التاريخ
بوباي رجل الدين الذي قاد وخطّط لثورة البويبلو
في منتصف 1670، اعتقل الإسبان 47 شخصاً من البويبلو بتهمة ممارسة الشعوذة، وذلك بعد رفضهم اعتناق المسيحية، وبمحاكمةٍ سريعة أعدم ثلاثة أشخاصٍ منهم في الساحة العمومية لنيومكسيكو، في حين جلد البقية أمام أنظار البيوبلو.
ومن بين الرجال الذين تعرضوا للجلد والذين تأثروا بالمشهد القاسي، لم يكن سوى الرجل المقدس والقائد الحربي بقبيلة "أوكاي أوينغه" بوباي، الذي عابه المشهد وأراد الانتقام بتحرير شعبه من سطوة الإسبان.
ووفقاً للموسوعة البريطانية، اعتقد بوباي أنَّ أجداده القبليين أرادوا منه استعادة تقاليد البويبلو القديمة؛ لذا، بدأ التخطيط لثورة.
في سرية تامة، وطوال أربع سنوات دبَّر بوباي في قرية تاوس بويبلو خطّة الثورة والانتقام من الإسبان، كان بوباي يحرص على السرية لكي لا تكشف خطته وتفشل طموحاته في طرد الإسبان، حتى إنَّه أشيع بأنّ بوباي قتل زوج ابنته حين شكَّ أنَّه يتحدَّث عن الثورة مع الآخرين.
ومع اقتراب موعد الثورة، تعيَّن على بوباي أن يجد طريقة لنشر الأخبار بشأن الخطة لقادة البويبلو الآخرين. وكانت القبائل المختلفة تتحدث لغات مختلفة، وكانت بعض القبائل موجودة على بُعد أكثر من 400 ميل (644 كم تقريباً).
وبما أنَّه لم يكن مسموحاً لشعب البويبلو ركوب الخيل، قرر بوباي إرسال عدَّائين إلى كل قرية بحبل معقود. كان قائد القبيلة يفك واحدة من العقد كل يوم، وحين تنفك كل العقد، يكون الوقت حان للهجوم.
إنتفاضة البويبلو أوّل ثورة أمريكية التي طردت الإسبان من نيومكسيكو في 11 يوماً فقط
في 10 أغسطس/آب 1680، أعلن بوباي عن بداية أوّل ثورة أمريكية في التاريخ، ففي ذلك اليوم هاجم شعب البويبلو بانسجام، وفعلوا كل ما بوسعهم للتخلص من مستعمريهم الإسبان. ووفقاً لموقع History، استولى مقاتلو البويبلو على الخيول لمنع الإسبان من الفرار، ونهبوا المتاجر، وأغلقوا الطرق، وخرَّبوا الكنائس الكاثوليكية، بل وقطعوا حتى إمدادات المياه عن مدينة سانتا في.
وفي غضون 11 يوماً، لقي 400 إسباني مصرعهم، بينهم 21 قساً. واضطر ألفان آخران للفرار من المنطقة، ولم يعودوا طيلة 12 عاماً.
نجحت أوّل ثورة أمريكية في طرد الإسبان من نيومكسيكو، واحتفل شعب البويبلو عن طريق تدمير المزيد من الكنائس وإلغاء الزيجات المسيحية، ونجح شعب البويبلو في إبقاء الإسبان خارج نيومكسيكو لسنوات عدة، لكن لم يكن ممكناً استمرار الانتصار إلى الأبد.
12 سنة بعد ثورة البويبلو عاد الإسبان إلى نيومكسيكو من جديد
بعد 12 سنة من انتصار أوّل ثورة أمريكية، أعاد الإسبان غزو نيومكسيكو وشعب البويبلو مجدداً، وذلك على يد بيدرو دي فارغاس عام 1692، لكنَّ السنوات الـ12 بين الثورة وإعادة الغزو سمحت لثقافة البويبلو بالاستمرار في النمو والازدهار. وحين عاد الإسبان، كانوا بشكل عام أكثر تسامحاً بكثير مع قيم وتقاليد البويبلو، فقد عاد الإسبان إلى نيومكسيكو هذه المرة بعد توقيع اتفاقية سلام مع البويبلو، لكن ذلك لم يمنع أفراد البويبلو من الثورة عدة مرات، لكن تلك الثورات لم تكن بقوة ثورة القائد بوباي.
وفي عام 2005، بعد حملة استمرت عقوداً، جرى تكريم بوباي بتمثال في قاعة التماثيل الوطنية في الكونغرس الأمريكي. وتملك كل ولاية تمثالين لشخصيتين تاريخيتين بارزتين في القاعة، واختير بوباي لتمثيل نيومكسيكو.