روت عائلة سودانية رحلة الخوف والمشقة التي خاضتها للنجاة بحياتها والذهاب إلى مصر، خوفاً من أن تطالها نيران المعارك العنيفة التي تشهدها العاصمة السودانية الخرطوم، بين الجيش من جهة، وقوات "الدعم السريع" من جهة أخرى، واضطرت العائلة إلى دفع مبلغ كبير من المال لكي يجري نقلهم خارج منطقة المواجهات.
روان الوليد، إحدى أفراد العائلة السودانية التي تعيش بالخرطوم، كانت تتوقع أن تسافر جواً من الخرطوم إلى القاهرة الأسبوع الماضي لحضور حفل زفاف، لكن الحال انتهى بها في رحلة برية من السودان إلى مصر على متن حافلة استأجرتها عائلتها للهروب من الحرب.
غادرت عائلة روان بعد أن أصاب صاروخ منزلها في حي العمارات بالخرطوم، يوم 18 أبريل/نيسان 2023، ودفعت العائلة أربعة ملايين جنيه سوداني (6750 دولاراً) لاستئجار حافلة لنقل نحو 50 فرداً من أفراد العائلة الكبيرة لمسافة نحو 1000 كيلومتر شمالاً، وسط الأراضي السودانية، وعبر الحدود إلى مدينة أسوان المصرية.
تقول روان، البالغة من العمر 24 عاماً والتي تعمل في مجال التسويق الرقمي، إن القتال كان كثيفاً بينما كانت الحافلة تتجه جنوباً للخروج من الخرطوم على طريق اعتاد الكثيرون استخدامه للفرار من المدينة، قبل أن تعاود الاتجاه إلى الشمال.
وصل أفراد العائلة إلى نقطة تفتيش تابعة لقوات "الدعم السريع"، وسُمح لهم بالمرور، وقالت روان: "لا يزال الأمر مخيفاً للغاية لأنك لا تشعر بالأمان. كان طريقاً طويلاً جداً. كانت معي جدتي، وهي كبيرة جداً في السن، وكان هذا مرهقاً للغاية بالنسبة لها".
كانت الحافلة من بين أولى حافلات السودانيين الذين شردهم القتال التي تصل إلى الحدود المصرية يوم الجمعة الفائت، وقالت روان إن حرس الحدود تحلًوا بالمرونة؛ إذ سمحوا بالعبور لأشخاص أوشكت صلاحية جوازات سفرهم على الانتهاء وحتى بعض الشبان الذين تزيد أعمارهم قليلا على 16 عاماً، رغم أن القواعد الأمنية تنص على ضرورة حصول الذكور البالغين على تأشيرة لدخول مصر.
استقلت العائلة القطار من أسوان إلى القاهرة، ليستكملوا رحلة استغرقت 72 ساعة، وتشعر روان الآن بالارتياح لابتعادها عن القتال، لكنها تركت وراءها أصدقاء وأقارب من بينهم شقيقها الشاب؛ إذ كانت الأسرة تخشى ألا تتمكن من استخراج تأشيرة دخول في الوقت المناسب، وقالت في مقابلة أجريت معها في مجمع سكني تقيم به في الجيزة: "لم نكن نعرف إن كان سيتمكن من عبور الحدود".
ولأن شبكات الإنترنت والهواتف أصبحت لا يمكن التعويل عليها بشكل متزايد، تضطر روان أحياناً للاتصال بالجيران للاطمئنان على شقيقها. وقالت "إنه بمفرده، بلا كهرباء ولا ماء ولا طعام. لا نعرف ماذا يحدث له".
عندما وصلت عائلة روان إلى القاهرة سمعوا أطفالاً يطلقون مفرقعات نارية احتفالاً بعيد الفطر، وقالت روان "هذا جزء من الصدمة التي نعيشها. أي صوت للألعاب النارية يخيفنا".
كان القتال الدائر في الخرطوم قد أدى إلى محاصرة الكثيرين داخل منازلهم أو أحيائهم، ودمر معظم المستشفيات أو أغلقها، وأدى لانقطاع الكهرباء والمياه لفترات طويلة، وتسبب في غياب القانون وانتشار السلب والنهب في بعض المناطق.
أصوات الضربات الجوية والقصف المدفعي تدوي في أنحاء الخرطوم ليلاً ونهاراً، وعن هذه الأجواء المخيفة، قالت روان: "لقد كان هذا مخيفاً جداً بالنسبة لنا وللناس في السودان. الأطفال يشعرون بالخوف… نعم نجوت، لكنني ما زلت قلقة على الذين تركتهم ورائي. الوضع كارثي للغاية".
هذا العنف الذي تشهده السودان، اندلع أثناء تفاوض الجيش وقوات الدعم السريع، اللذين نفذا انقلاباً عسكرياً في عام 2021، على خطة للانتقال إلى الحكم المدني، وتسببت المواجهات في قتل المئات وفرار عشرات الآلاف.
تقول روان: "أردنا حكماً مدنياً". وأضافت: "نحن أبرياء. دُمرت منازلنا بينما يتقاتل رئيس المجلس العسكري مع نائبه ولا علاقة لنا بهذا".
يأتي هذا، فيما يقيم في مصر ما يقدر بنحو أربعة ملايين سوداني، وحتى قبل القتال كان المزيد من السودانيين يتجهون شمالاً هرباً من الركود الاقتصادي في بلادهم.