قام وزير خارجية بريطانيا بزيارة جزر سليمان في أحدث محاولات الغرب لموازنة نفوذ الصين المتنامي هناك، فهل تنجح المحاولات الغربية في إفساد سيطرة بكين على منطقة المحيط الهادئ؟
كانت جزر سليمان، التي تتبع التاج البريطاني كإحدى دول الكومنولث، قد تصدرت الأحداث عالمياً خلال نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2021، حين اندلعت فيها أحداث شغب وأُحرقت مبانٍ حكومية، على خلفية إدارة الحكومة لأزمة وباء كورونا وملفات أخرى.
ثم تسبب إعلان الصين وجزر سليمان توقيع اتفاقية أمنية في زلزال جيوسياسي تردد صداه في أمريكا وأستراليا ونيوزيلندا وباقي العواصم الغربية، لتتحول الجزر إلى نقطة صدام لم تكن متوقعة في إطار صراع القوى العظمى بين الصين والغرب.
وجزر سليمان Solomon Islands هي أرخبيل يتكون من نحو 990 جزيرة تشكل معاً دولة عاصمتها هونيارا، وتقع في جنوب المحيط الهادئ على بعد أقل من 2000 كلم من الساحل الشرقي لأستراليا، ويبلغ عدد سكان الأرخبيل نحو نصف مليون نسمة ومساحة الجزر مجتمعة نحو 82450 كلم2.
لعبة السيطرة على منطقة المحيط الهادئ
تناول تقرير لصحيفة The Telegraph البريطانية آخر تطورات الموقف، أو ما وصفته بأنه "اللعبة الكبرى للسيطرة على منطقة المحيط الهادئ"، انطلاقاً من زيارة وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي إلى جزر سليمان.
فعندما سلك كليفرلي الطريق المفروش بالحصى من المطار الرئيسي في جزر سليمان المؤدي إلى مقر إقامة رئيس الوزراء، مرّ تحت علم يحمل الخلفية الحمراء والنجوم الصفراء لجمهورية الصين الشعبية.
رفرف العلم بوضوح يوم الخميس فوق موكب يمر بموقع بناء ملعب بقيمة 50 مليون دولار لألعاب المحيط الهادئ القادمة، هدية من بكين ورمز عملاق لبصمة متنامية في جزر سليمان. واصطفت لافتات تقول: "مساعدة الصين من أجل مستقبل مشترك" على الأسوار المموجة حول الموقع.
على مدى عقود، واجهت جزر سليمان، وهي دولة أشبه بالجنة لكنها فقيرة ويبلغ تعداد سكانها 700 ألف نسمة، غموضاً دبلوماسياً نسبياً لدرجة أن الولايات المتحدة أغلقت سفارتها في عام 1993.
لكن "الاتفاق الأمني" السري بين بكين وهونيارا في عام 2022 أعادها بقوة إلى الساحة. وأشارت سلسلة من الصفقات الأخرى، بما في ذلك "هدية الدولة" التي تمثلت في ملعب لألعاب القوى، إلى أن الصين تشدد قبضتها على سلسلة جزر أصبحت بسرعة نقطة الانطلاق في اللعبة الكبرى للسيطرة على المحيط الهادئ.
وتتزايد المخاوف الغربية، من واشنطن إلى طوكيو، من "استيلاء" الصين المزعوم على جزر سليمان، ما قد يكون له تكلفة باهظة على الأمن الغربي.
كان كليفرلي قد وصل إلى العاصمة هونيارا يوم الأربعاء 19 أبريل/ نيسان كجزء من مسعى من جانب الغرب لمواجهة البصمة المتزايدة للصين عبر منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث توجد العديد من سلاسل الجزر الغامضة الأخرى في لعبة شد الحبل بين بكين والغرب.
"هدايا" الصين إلى جزر سليمان
وفي مقابلة مع صحيفة The Telegraph البريطانية، حذر وزير الخارجية البريطاني من أن الأموال الصينية "المجانية" تأتي بتكلفة، ملمحاً إلى دبلوماسية "فخ الديون" المعروفة جيداً التي تستخدمها الصين لشراء الحلفاء.
وقال الوزير البريطاني للصحيفة: "لن ترفض أي دولة المال ولن تقول لا للمال المجاني. لكن الكثير من المحادثات التي أجريها حول هذه المنطقة هي الاعتراف بأن الأموال المجانية ليست كلها أموالاً مجانية، وأن أياً كانت العلاقات التي يدخلونها، فهي في حاجة إلى أن تكون مستدامة".
بدأت أجراس الإنذار تدق في الغرب بشأن جزر سليمان لأول مرة من خلال مسوّدة مبكرة للاتفاقية سُرِّبَت في عام 2022. وأشارت إلى "زيارات السفن" الصينية واستحضرت حق بكين في الدفاع عن مواطنيها ومشاريعها في جزر سليمان، ما أثار مخاوف من أنها قد تمهد الطريق للقوات الصينية والسفن الحربية البحرية التي تُنشَر على بعد أقل من 1200 ميل من الساحل الأسترالي.
أذهل هذا الإعلان كانبرا. وفي معارضتها له، وصفت بيني وونغ، التي تشغل الآن منصب وزيرة الخارجية، ذلك بأنه "أفدح خطأ في السياسة الخارجية الأسترالية في المحيط الهادئ". وقد جعلت وونغ من جزر سليمان أحد منافذ الاتصال الأولى لها.
ومنذ ذلك الحين، شدد ماناسيه سوغافاري، رئيس وزراء جزر سليمان، مراراً على سيادة بلاده مع تقديم تطمينات بأنه لن يستضيف قاعدة عسكرية صينية أو وجوداً عسكرياً مستمراً.
لكن الصفقة الغامضة والمحاولة الفاشلة من قبل مجموعة سام إنتربرايز الصينية المرتبطة بالحكومة للتفاوض بهدوء على عقد إيجار لمدة 75 عاماً لتولاجي، وهي جزيرة صغيرة تقع في مواجهة هونيارا وتتمتع بميناء طبيعي في المياه العميقة، جعلت الحلفاء الغربيين والآسيويين يخمنون بقلق نوايا بكين. وأُعيد فتح السفارة الأمريكية الآن.
علاوةً على ذلك، فإن عدداً غير مسبوق من كبار الشخصيات أصبحوا الآن يغازلون سوغافاري. ومن بين هؤلاء وزيرا الخارجية الصيني والياباني، ونائب رئيس الوزراء النيوزيلندي، وكيرت كامبل، أكبر مسؤول أمريكي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
أول زيارة لوزير خارجية بريطاني
كان كليفرلي، أول وزير خارجية بريطاني يزور جزر سليمان، وقد وعد بـ"شراكة طويلة المدى"، في إشارة أخرى إلى تركيز المملكة المتحدة المتزايد على أمن المنطقة المضطربة.
وأصر كليفرلي على أن المملكة المتحدة "يمكنها أن تقدم ما هو أفضل من دفتر الشيكات الصيني"؛ لأن "الأمر لا يتعلق فقط بالمال". وأضاف: "الخبرة التي نشاركها مع سكان جزر سليمان أساسية حقاً. ونحن نفهمها جيداً لأننا كنا أصدقاء وشركاء لعقود وقرون. الأمر لا يتعلق فقط بحرب المزايدة".
يعد الملعب اللامع الذي مر به كليفرلي أحد المشاريع المتعددة التي تطمس الخط الفاصل بين النشاط الدبلوماسي الحميد وفرص الاستثمار الاقتصادي الحقيقي وإسقاط قوة الدولة.
وحذر الدبلوماسيون الذين تحدثوا إلى صحيفة The Telegraph في المنطقة من رد الفعل المفرط المبكر، لكنهم يراقبون عن كثب مصالح بكين ولا يستبعدون المخاوف بشأن التحركات للاستثمار في مرافق الموانئ الموجودة في أرخبيل استضاف في السابق القوات البحرية البريطانية واليابانية والأمريكية.
قال أحد كبار المسؤولين للصحيفة: "تحاول الصين توسيع رقعة الشطرنج الخاصة بها لتلعب لعبة استراتيجية مع الولايات المتحدة".
المحاولة السابقة التي قامت بها شركة لها علاقات مع وزارة الدفاع الصينية لاستئجار جزيرة تولاجي -التي منعها المدعي العام في النهاية- لم تترك مجالاً للشك في أن الصين تسعى إلى إقامة موطئ قدم بحري في جنوب المحيط الهادئ.
تضمنت الاتفاقية المُلغاة إشارات إلى تطوير محتمل للنفط والغاز كجزء من "منطقة اقتصادية خاصة". وقال بيتر كينيلوريا، النائب المعارض البارز ونجل أول رئيس وزراء لجزر سليمان، إنه سمع بالفعل من مالكي الأراضي أنه جرى الاتصال بهم بشكل فردي من قبل أشخاص يمثلون المصالح الصينية. وأضاف: "لا يزال الأمر مستمراً. إنهم يحاولون ذلك بطريقة مختلفة"، مشيراً إلى أن تطوير الموانئ في مقاطعة إيزابيل وفي ميناء نورو الدولي قد يكون أيضاً مستهدفاً لبكين.
وقال النائب المعارض لصحيفة تليغراف: "أرى كل ذلك في نفس السياق من حيث الأهمية التي نقدمها إلى جمهورية الصين الشعبية التوسعية".