تُثار تساؤلات حول الخطوات العملية التي تنوي حركة النهضة في تونس القيام بها، رداً على إيداع رئيسها راشد الغنوشي السجن، بقرار قضائي، الخميس 20 أبريل/نيسان 2023، ما دفع إلى الحديث مع قيادات فيها للوقوف على قراراتهم إثر التصعيد ضد حزبهم من الرئيس قيس سعيد.
ضغوطات كبيرة يواجهها الحزب، فأبرز قياداته بالسجن، فإلى جانب رئيسها الغنوشي، هناك نائبه ووزير الداخلية والحكومة السابق علي العريض، والقيادي البارز ووزير العدل السابق نور الدين البحيري، وكذلك أحمد المشرقي مدير مكتب الغنوشي وغيرهم، المعتقلون حالياً بتهم مختلفة، لكن محاميهم يؤكدون أن سبب توقيفهم يعود إلى معارضتهم سعيد.
عن خطوات وتحركات الحزب مستقبلاً، قال القيادي وعضو المكتب التنفيذي محسن السوداني لـ"عربي بوست: "تتمثل بأن يبقى سلوكنا السياسي في دائرة الأداء القانوني كحزب معترف به، فنحن واعون بأن الانقلاب يريد أن يحوّل النهضة إلى ملف أمني وقضائي".
وأوضح: "سنطعن لدى القضاء في قرار غلق المقرات، ومنع الاجتماعات، ولدينا ثقة في القضاء التونسي".
وقال: "لن نختفي أو نهرب أو نعمل في السر كما يُراد لنا، ولن يكون اعتقال الغنوشي سبباً في غياب الحركة أو انكفائها، بل عاملاً يغذّي الوحدة بين أبنائها، ويزيدهم تمسّكاً بقيم الحرية والديمقراطية".
شدد كذلك على أن "مؤسسات الحركة ما زالت قائمة، وقياداتها تتابع الوضع وتجري مشاوراتها".
الحزب كان في حالة انعقاد دائم منذ اللحظات الأولى لإيقاف الغنوشي ومداهمة منزله من فرقة أمنية وتفتيشه، الإثنين 17 أبريل/نيسان 2023، وبعد ذلك بساعات خرج قرار رسمي من وزير الداخلية كمال الفقيه، يحجب فيه جميع اجتماعات "النهضة"، وجبهة "الخلاص" (النهضة المكون الأساسي للجبهة)، مع وضع مقرها المركزي تحت التفتيش لمدة 5 أيام.
حول تأثير اعتقال الغنوشي على الحركة، قال السوداني: "أثبتت التجربة باستمرار أن سياسة الإلغاء والإقصاء ضد النهضة لم تفلح، بل كانت نتائجها عكسية على من مارسها".
من يقود النهضة؟
إلى جانب ما تقدم من تساؤلات متعلقة بالنهضة، أثيرت أخرى متعلقة بمن يقود الحركة، في ظل اعتقال أبرز قياداتها ضمن حملة اعتقالات تركزت ضد معارضي سعيد، لا سيما أنها طالت رئيس الحركة ونائبه وأبرز قيادات مكتبها التنفيذي.
أفادت مصادر لـ"عربي بوست"، بأن النهضة قررت تكليف الدكتور منذر الونيسي كرئيس مؤقت، لتعويض غياب الغنوشي بسبب إيداعه السجن.
أضافت أنه سيتم الإعلان عن ذلك بشكل رسمي في بيان سيصدر عن الحركة قريباً.
وأشارت إلى أن الونيسي من أشرف على الندوة الصحفية التي عقدتها الحركة ليلة التحقيق مع الغنوشي.
عن أبرز الأسماء التي تقود الحركة، وسط اعتقال أبرز قياداته، كشفت أنهم منذر الونيسي ومحسن السوداني، ورياض الشعيبي داخلياً، ومذيوب وفتحي العيادي خارجياً.
فيما أكدت قيادات تحدثت لـ"عربي بوست" أنها ستطعن ضد قرار منع إقامة اجتماعات الحركة.
شكاوى بالداخل والخارج
استكمالاً للحديث عن الخطوات العملية التي يقوم بها حزب النهضة بعد اعتقال رئيسه الغنوشي، قال مساعد رئيس مجلس النواب (2019)، ماهر مذيوب: "قدمنا 62 شكوى باسم نواب الشعب للجنة حقوق الإنسان للبرلمانيين في الاتحاد البرلماني الدولي".
عن تأثير ذلك، أوضح: "اعتمد الاتحاد البرلماني الدولي ومجلسه الحاكم قرارين حول الوضع في تونس ومؤسستها التشريعية، وكذلك لجنة حقوق الإنسان في الاتحاد ذاته، بالكف عن ملاحقة نواب الشعب، والتوقف عن التنكيل بهم، مؤكداً أن حله كان بطريقة غير قانونية، وبإرسال وفد عنه كلجنة دولية لمتابعة الوضع في تونس".
أوضح كذلك أنه "منذ يوم 26 يوليو/تموز 2021، قمنا بإعلان أن مكتب البرلمان في حالة انعقاد دائم، ونعمل عبر نواب ضد الانقلاب والمنظمات البرلمانية الإقليمية والدولية، وخاصة الاتحاد البرلماني الدولي، للتعريف بالقضية التونسية ونضال نواب الشعب في الداخل والخارج، من أجل استعادة المؤسسات المنتخبة والديمقراطية المختطفة في تونس".
أضاف مذيوب أنه "باعتقال الغنوشي، رئيس مجلس نواب الشعب، يبلغ عدد النواب المعتقلين 13 نائباً، بسبب ممارسة مهامهم النيابية أو الرقابية أو تدويناتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، و3 نواب آخرين من أجل شبهات فساد".
لفت كذلك إلى أنه "يوجد 22 نائباً مهجراً قسرياً في الخارج، وبقية النواب في حالة سراح مؤقت، ما يؤكد واجبنا الأخلاقي للدفاع عن زملائنا، وعن الديمقراطية المختطفة في تونس"، وفق تعبيره.
الغنوشي ومصير النهضة
قال القيادي وعضو المكتب التنفيذي محسن السوداني لـ"عربي بوست"، إنه "لا شك بأن اعتقال رئيس الحركة ليس حدثا هيّناً، وأعقبته تساؤلات حول مصير النهضة، وذهب البعض إلى حد اعتبار ذلك إيذاناً بنهاية ما أطلقوا عليه صفة الإسلام السياسي".
لكنه اعتبر أن "هذا الرأي ينطوي على مبالغة كبيرة، ويعبّر عن آمال وتمنّيات بالنسبة إلى من يقوله من المعادين للنهضة ومن ذوي الميول الاستئصالية".
أشار السوداني أيضاً إلى أن "حركة النهضة أقرب إلى الظاهرة الاجتماعية الممتدة منها إلى الحزب السياسي، وهي تعبّر عن قاعدة عريضة محافظة في المجتمع التونسي، ولذلك فإنه من المبالغة القول إنها انتهت، أو إنها آيلة إلى الاندثار".
وقال: "بقي فقط أن هناك عملاً كبيراً ينتظرنا لتجديدها وتطويرها، وتلك مهمّة بدأنا الإعداد لها منذ فترة، في إطار الاستعداد لإنجاز المؤتمر الحادي عشر".
وشدد القيادي في النهضة على أن "مسيرة الغنوشي في مقارعة الظلم أكسبته مناعة ضد الاستئصال، بل زادته صلابة وقوة، ومن وراء ذلك حركة النهضة ككل".
الغنوشي و"الحرب الأهلية"
التحقيق مع الغنوشي فتح على خلفية تصريح له خلال مسامرة رمضانية لـ"جبهة الخلاص الوطني" المعارضة لسعيد، قال فيها إن "تونس دون نهضة وإسلام سياسي، ودون يسار، هي مشروع حرب أهلية".
تصف قيادات "النهضة " قرار حبس الغنوشي بـ"الجائر والظالم"، مؤكدة أن ذلك "لن يثنيها مطلقاً عن مواصلة النضال السلمي، ولن تسمح بأن يتم إقصاؤها وإنهاؤها من الساحة السياسية".
حول الاتهامات الموجهة إلى الغنوشي، قال السوداني في معرض حديثه لـ"عربي بوست"، إنها "غير ذات أساس قانوني مقنع، وقد استمع العالم إلى تصريحه، وهو لا ينطوي على ما ذكر في الاتهام ضده".
وعن توجيه تهم الإرهاب للشيخ الثمانيني، قال السوداني: "ليس في تصريحه ما نُسب إليه من تحريض على العنف، بل العكس هو الصحيح، فخطابه ينطوي على دعوة إلى التعايش والتنوع والاختلاف، وسبق أن وُجّهت للغنوشي تهم ثقيلة وصدرت ضده أحكام كبيرة، من بينها الإعدام، لكنه انتصر بعدها، والسبب لا يكمن في قوّته، بل في قوّة الحقّ".
يؤكد محامو هيئة الدفاع عن الغنوشي والمكونة من عشرات المحامين، أن "إخلالات قانونية كثيرة حصلت منذ مداهمة منزل الغنوشي، وخاصةً عند الإيقاف، إذ جرى منع المحامين من حضور الاستجواب، وقد صدرت بطاقة إيداعه السجن بعد تلاعب واضح في تصريحاته"، وفق قولها.
قالت المحامية منية بوعلي لـ"عربي بوست"، وهي ضمن هيئة الدفاع عن الغنوشي، إن "الدفاع لن يتأخر في اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة، وسيطعن في كل الإخلالات، وسيلجأ للمحاكم".
فيما قال مذيوب إنه "لا يمكن القول إن الغنوشي اعتُقل بتهم تتعلق بالإرهاب، فهذا ادّعاء مرفوض تماماً".
واعتبر أن "رئيس مجلس نواب الشعب للمدة النيابية الحالية يحاكم من أجل حقه في حرية الرأي والتعبير، وتصريحه قيل في مسامرة سياسية، وبث على مواقع التواصل الاجتماعي".
يشار إلى أنه تمت إحالة 12 شخصاً، من ضمنهم الغنوشي، إلى التحقيق بتهمة "ارتكاب مؤامرة للاعتداء على أمن الدولة الداخلي، والاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة وحمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضاً، طبق الفصل 68 و72 من المجلة الجزائية".
أغلب من تم التحقيق معهم تم الإبقاء عليهم بحالة سراح، باستثناء الغنوشي ومدير مكتبه أحمد المشرقي، وعضو مجلس الشورى يوسف النوري.
يشار إلى أن العشرات جرى اعتقالهم ضمن حملة اعتقالات طالت معارضين للرئيس التونسي قيس سعيد وإجراءاته الاستثنائية التي تلقى رفضاً واسعاً، ويصفها معارضوها بـ"الانقلاب على ديمقراطية البلاد".