نشهد لأول مرة تفشيين منفصلين متزامنين لفيروس ماربورغ الجديد، أحد مسببات المرض الفتاك، الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بفيروس إيبولا. ويبدو أن التفشيين المتداخلين للفيروس في غينيا الاستوائية وتنزانيا ينذران بالسوء.
هذا الفيروس الفتاك، الذي يتسبب في نزيف يقتل ما يصل إلى 85% من المصابين به، يتوطن في الخفافيش وينتشر عبر الاحتكاك المباشر بين الحيوانات والبشر، وبين البشر والبشر الآخرين.
ويقول تقرير لموقع The Daily Beast الأمريكي، شهدنا أقل من 15 تفشياً لفيروس ماربورغ منذ أن حدده العلماء في عام 1967. لكن انتشار الفيروس يصير أكثر تواتراً بسبب النمو السكاني في المنطقة، حيث تعيش أيضاً الحيوانات المضيفة للفيروس. تجسد تفشيات الفيروسات والأمراض المتزامنة نقطة تحول. ومن خلال استشراف المستقبل، سنجد أن التفشيات قد تصير أكثر تكراراً، وأشد فتكاً نتيجةً لذلك.
لماذا باتت تتعاظم خطورة أشد الفيروسات الفتاكة حول العالم؟
ليس فيروس ماربورغ إلا واحداً من العديد من مسببات الأمراض التي ظهرت خلال العامين الماضيين. ففي عام 2022 و2023، عانت البشرية أيضاً من تفشيات نادرة أو شديدة لجدري القرود وشلل الأطفال والفيروس المخلوي التنفسي (RSV) وإنفلونزا الطيور، ثم لدينا كوفيد، بكل تأكيد.
يوجّه علماء الأوبئة اللوم لمرورنا بهذا العصر الفيروسي الجديد على التغير المناخي وإزالة الغابات، (ما يعرقل قطعان الحيوانات)، بالإضافة إلى السفر الجوي العالمي (الذي ينشر الفيروسات)، والمعارضة العميقة للعلم والصحة العامة في بعض المجتمعات، (ما يصعب منع العدوى واحتواءها).
ولكن حتى في سلة الفيروسات المتصاعدة الأخرى، يتسم فيروس ماربورغ بالتفرد. إذ إن اللقاحات الخاصة بجميع الفيروسات الأخرى متاحة أو في مرحلة متقدمة جداً من تطويرها. لكن هذا لا ينطبق على ماربورغ، الذي بدأت تفشياته فجأةً، فهو يقتل المصابين كلهم تقريباً، وينتهي بسرعة كبيرة، ما لا يسمح أبداً بتوفير وقت لإجراء تجارب واسعة النطاق على البشر لاختبار اللقاحات المحتملة.
خلال حديث مع موقع The Daily Beast، قال بريان غاريبالدي، مدير وحدة الاحتواء البيولوجي لدى كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز في ولاية ماريلاند: "ليست لدينا بيانات مستقاة من تجارب بشرية". وليست هناك طريقة سهلة لحل هذه المشكلة.
لماذا يتفشى فيروس ماربورغ بسرعة كبيرة؟
ظهر فيروس ماربورغ في منطقة شمال شرق غينيا الاستوائية النائية، التي تقع في غرب إفريقيا، وذلك في 13 فبراير/شباط 2023، بعد آخر تفشٍّ سبقه وكان في غانا. وبعد 6 أسابيع وتحديداً في 21 مارس/آذار، اكتشف المسؤولون حالات عدوى بماربورغ في تنزانيا، التي تبعد 1000 ميل شرقاً. قال غاريبالدي: "لا يبدو أن التفشيين مرتبطان". بل إنه مجرد سوء حظ تسبب في انتشار مسبب المرض هذا.
لم يكن التفشيان متشابهين. قالت أميرة رويس، أستاذة الصحة العامة وعلم الأوبئة في جامعة جورج ميسون بولاية فيرجينيا، خلال حديثها مع موقع The Daily Beast: "في تنزانيا بدا أن التفشي يتقلص بينما كان يبدو أنه آخذ في الانتشار في غينيا الاستوائية، حيث أُبلغ عن مزيد من الإصابات. يكتنف الغموض الموقف في غينيا الاستوائية، ويُعزى هذا جزئياً إلى الافتقار إلى المراقبة، والخوف من الإبلاغ عن الحالات، والضغوط الاقتصادية والسياسية الأخرى. أقلق هذا كثيرين منا لأنه في غياب مراقبة البيانات والمعلومات في الوقت المناسب، قد ينتشر هذا التفشي ويتسبب في وفيات كثيرة واضطراب هائل".
حتى يوم الإثنين قبل الماضي 10 أبريل/نيسان، انتشر الفيروس بشكل منفصل بالنسبة لكل بلد على حدة، وانتقل إلى 33 شخصاً في كلا البلدين، وتسبب في قتل 16 شخصاً منهم. لعل الأكثر إثارة للقلق هو أن وزارة الصحة في غينيا الاستوائية أفادت باكتشاف حالات في مدينة باتا الساحلية، التي تعد مركز النقل والمواصلات الرئيسي الخاص بالبلاد. فإذا كان ماربورغ سينتشر إلى قارات أخرى، فربما يستخدم باتا -سواء عن طريق الميناء البحري أو الجوي في المدينة- لتكون نقطة انطلاقه.
خيارات محدودة أمام الحكومات ومنظمات الصحة
من أجل هذا طلبت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) من الأطباء في الولايات المتحدة أن يكونوا على أهبة الاستعداد. قالت مراكز السيطرة على الأمراض يوم الخميس 6 أبريل/نيسان: "من المهم أن نجري تقييماً منهجياً على المرضى لاكتشاف احتمالية الإصابة بالحمى النزفية الفيروسية… عبر عملية فرز وتقييم، تتضمن تاريخ السفر المفصل".
في حالة أي فيروس آخر، سوف يعمل مسؤولو الصحة المحليون والدوليون معاً لعزل المرضى وعلاجهم، بينما سوف يوفرون اللقاحات لأي شخص معرض لخطر الإصابة به. ولكن في حالة ماربورغ، تكون خيارات المسؤولين محدودة. بالحديث عن لقاحات إيبولا أو العبث مع البروتينات الموجودة في فيروس ماربورغ، سنجد أن العلماء طوروا القليل من نماذج اللقاحات الأولية للغاية.
إذ يستطيعون اختبار هذه اللقاحات على الأصحاء للحصول على بيانات السلامة. ويمكنهم تقليح القوارض أو الرئيسيات غير البشرية، وبعد ذلك يصيبونهم بفيروس ماربورغ للحصول على بعض البيانات النظرية حول فعاليته. لكنهم لم يستطيعوا قط إجراء تجارب واسعة النطاق على أشخاص مصابين.
تكمن المشكلة في أن تفشيات فيروس ماربورغ تكون صغيرة نسبياً، وتستمر لمدة قصيرة وتكون فتاكة للغاية. قال غاريبالدي: "في كثير من الأوقات، تنتهي هذه التفشيات قبل أن نصل إلى لقاحات على الأرض لاختبار فعاليتها".
المناطق الفقيرة هي الأشد عرضة لهذه الفيروسات
ثمة إشكالية أخرى تتمثل في أن تفشيات ماربورغ تميل إلى الحدوث في بعض من أفقر البلدان في العالم. فربما نحتاج إلى تخزين كميات كبيرة من نماذج اللقاحات في غينيا الاستوائية أو تنزانيا أو جمهورية الكونغو الديمقراطية أو أنغولا، وهي البلاد التي لديها تاريخ من تفشيات الفيروس- فنسارع بإرسال جرعات منها إلى المجتمعات المتضررة بمجرد أن يبدأ الفيروس مرة أخرى.
لكن ذلك سوف يتطلب استثماراً كبيراً، لا يقتصر على البنية التحتية للمختبرات. في تعليقه على البلاد الإفريقية الأشد تأثراً، قال غاريبالدي: "لا يستطيعون الوصول إلى الكهرباء في كل الأوقات. ثمة مشكلات تتعلق بإمدادات المياه". فكيف يُفترض لشركة أدوية أن تخزن نماذج لقاحات حساسة في حين أنها لا تستطيع حتى أن تُبقي المصابيح مضاءة؟
حتى إذا نجحت إحدى شركات الأدوية في تنظيم جرعات لأحد اللقاحات المحتملة، ونجحت كذلك في إعطاء جرعات إلى الأشخاص المعرضين للخطر في الأيام الأولى لأي تفشٍ مفاجئ، فربما سيحصلون على بيانات حول فعاليتها مستقاة من مجرد بضع مئات من الأشخاص: وهو جزء صغير مما تطلبه الجهات التنظيمية في كثير من الأحيان. أصاب أكبر تفشٍ لفيروس ماربورغ 347 شخصاً، وتسبب في قتل 329 شخصاً منهم (كان ذلك في أنغولا عام 2004). قالت أميرة رويس إن العزاء الذي لا يُفيد بالنسبة للتفشي الحالي، هو أنه قد يصير أكبر في نهاية المطاف.
من أجل إتمام تجارب الفعالية على أحد لقاحات ماربورغ، سوف يحتاج المطورون الاستجابة الفورية إلى أكثر من تفشٍ كبير. وسوف يتطلب هذا درجة من اليقظة غير اعتيادية حتى في العصر الحالي الذي نشهد فيه تسارع التفشيات الفيروسية.
يجسد ماربورغ بالفعل تهديداً حقيقياً في مناطق شاسعة بإفريقيا. وتكمن المشكلة، بالنسبة لبقية البشر في العموم، في أن تفشيات ماربورغ تتجاوز سرعتها جهود منع هذه التفشيات. التفشيان المتداخلان الحاليان يحملان إشارة تحذيرية تقول إن ماربورغ سوف ينتشر على نطاق أوسع، وبوتيرة أكبر، وسيصيب الأشخاص، وليس فقط في إفريقيا. وليس لدينا أية طرق لحماية الأشخاص. حذرت أميرة: "إنها مجرد مسألة وقت قبل أن نشهد جائحة نزفية فيروسية".