مع اقتراب حلول عيد الفطر هذا العام، أعلنت العديد من المحال التجارية لبيع الألبسة الجديدة في العاصمة السورية دمشق ومدن أخرى خاضعة لسيطرة النظام السوري، عن تخفيض أسعار الملابس بنسبة 30%، لتشجيع المواطنين على شراء كسوة العيد.
ورغم ذلك، تشهد الأسواق والمحال التجارية تراجعاً كبيراً في القدرة الشرائية مع ضعف رواتب العاملين في الدوائر الحكومية وأجور العمال، وهو ما أجبر بعض المواطنين على شراء الألبسة الأوروبية المستعملة أو كما تعرف بـ"البالة".
رغم التخفيضات.. الأسعار تفوق قدرة المواطنين
في سوق الحميدية الشهير لبيع الألبسة الجاهزة والأقمشة بمختلف أنواعها، وسط العاصمة دمشق، بادر أصحاب المحال التجارية لبيع الألبسة إلى إتباع خطة تهدف لتشجيع المواطنين على الإقبال لشراء الألبسة لأطفالهم.
وتمثلت مبادرة هؤلاء بوضع إشارة باللون الأحمر على الأسعار القديمة (باهظة الثمن) للملابس المعروضة في الواجهات وكتابة أسعار جديدة مخفضة بنسبة تراوحت بين 30 إلى 40%، إلا أن الخطة على ما يبدو لم تفِ بالغرض.
"يكتفي المواطنون بالنظر إلى الملابس فقط دون أن يتجرأ أحدهم على الاقتراب منها أو حتى شرائها، سوى أصحاب الدخل الميسور ونسبتهم لا تتجاوز 5% من نسبة سكان العاصمة الذين يقدر عددهم بأكثر من مليون ونصف المليون نسمة".
بهذه العبارات والكلمات وصف حمزة الشامي، وهو ناشط في العاصمة دمشق، ما تشهده أسواقها ومحلاتها التجارية لبيع الألبسة الجاهزة، من حالة الركود وضعف التسوق وتراجع الحركة الشرائية من قبل المواطنين، مع اقتراب حلول عيد الفطر هذا العام.
على الرغم من التخفيضات المشجعة التي طرأت على أسعار الملابس إلا إنها لا تزال تفوق قدرة المواطنين على شرائها. ويعود السبب في ذلك إلى فقر الناس بمختلف شرائحهم، بما فيهم العاملون في مؤسسات الدولة والمنشآت الخاصة.
وتساءل الشامي: "كيف لموظف في مؤسسة حكومية راتبه الشهري لا يتجاوز 100 ألف ليرة سورية، أن يقدر على شراء ألبسة العيد لأفراد عائلته، في وقت يبلغ سعر بنطال الأطفال 50 ألف ليرة سورية، ويتراوح سعر الكنزة بين 30 و40 ألف ليرة سورية، وكذلك أطقم الجينز التي تتراوح أسعارها بين 80 إلى 220 ألف ليرة سورية".
التوجه نحو الملابس المستعملة
أم ماهر سيدة أربعينية في دمشق أوضحت لـ"عربي بوست"، أنها تشعر بصدمة كبيرة بعدما تجولت في أحد أسواق دمشق بعد مشاهدتها أسعار الألبسة التي تفوق قدرتها المادية.
وقالت: "عملت على توفير مبلغ 150 ألف ليرة سورية، منذ عدة أشهر بعد اقتطاعها مبلغاً من عملها في صناعة المخللات وراتب زوجها الوظيفي ووضعه في حصالة خاصة بكسوة العيد".
لكن هذا المبلغ لا يكفي لشراء قطعتين من الألبسة الجديدة لأولادها، بينما سيبقى الثالث بلا كسوة عيد. تفكر أم ماهر الآن بالتوجه إلى أسواق بيع الألبسة الأوروبية المستعملة (البالة)، لعلها تجد ما يناسب أولادها من ألبسة شبه جديدة وتشتريها لهم مع إجراء بعض التعديلات عليها كالغسيل والكوي، للاحتفال بعيد الفطر.
ملابس عيد الفطر.. اللجوء إلى الخياطين
في مدينتي حماة وحمص وسط البلاد، اشتكى المواطنون من غلاء أسعار ألبسة العيد تزامناً مع اقتراب حلول عيد الفطر. فقد بلغ سعر الفستان البناتي بين 150 و250 ألف ليرة سورية، بحسب جودته وتصميمه.
تقول أم أحمد، وهي أرملة فقدت زوجها في العمليات العسكرية منذ سنوات وتعيل 5 فتيات صغيرات، في مدينة حماة، إنها تجولت في سوق ابن رشد في مدينة حماة، لتفاجأ بأسعار الفساتين الباهظة، إذ لا تقدر على شراء فستان واحد بـ200 ألف ليرة سورية، وهو مبلغ كانت حصلت عليه من أحد أقاربها خارج سوريا عبر (حوالة).
لجأت أم أحمد في النهاية إلى أحد المشاغل لصناعة الألبسة وشرائها قطعاً قماشية خاماً، وذهبت بها إلى إحدى خياطات الحي، وقامت بتفصيل 5 فساتين جديدة لبناتها.
لكن الفساتين ليست بالشكل الذي ترغبه، من حيث جودة القماش أو القصات والتفصيلات والتصميم، فكل ذلك له كلفته المادية ولا تسمح ظروفهم بذلك.
ولفتت إلى أن حالها كحال معظم العوائل في حماة وحمص، فالجميع ليس لهم القدرة على شراء كسوة العيد لأفراد أسرهم، بسبب الفقر المدقع الذي يعانون منه منذ سنوات (منذ أن بدأت قيمة الليرة السورية وقدرتها الشرائية بالتهاوي).
بمقابل ذلك ارتفعت أسعار الألبسة الجاهزة إلى مستوى لم يعد بمقدور أي عائلة بلا معيل أو أصحاب الدخل المحدود شراؤها، إذ يفضل الجميع توفير الحد الأدنى من الأموال التي يحصلون عليها من أعمالهم لشراء الطعام والأدوية، فالألبسة وغيرها باتت من الرفاهيات صعبة المنال.
مبادرات بمناطق المعارضة
أما في مناطق المعارضة (إدلب وأرياف حماة وحلب)، شمال غربي سوريا، فقد بادر أصحاب المحال التجارية بحملة تحت عنوان "كسر الأسعار"، تزامناً مع اقتراب حلول عيد الفطر هذا العام، لتمكين معظم العائلات السورية من شراء كسوة العيد.
يأتي هذا نتيجة ما حل بسكان تلك المناطق من كوارث طبيعية خلال الأشهر الأخيرة الماضية، وعلى رأسها الزلزال المدمر والعواصف المطرية التي فاقمت من معاناتهم ومأساتهم، وخصوصاً النازحين منهم ومنكوبي الزلزال.
فبمجرد أن تطأ أقدامك أحد أسواق مدينة الدانا (30 كيلومتراً شمال إدلب)، لبيع الألبسة الجاهزة، تبدأ بسماع أصوات الباعة وأصحاب المتاجر وهم يعلنون عن أسعار بضائعهم المخفضة بمناسبة اقتراب العيد، لتشجيع المواطنين على شراء الألبسة لأولادهم، وتنشيط الحركة الشرائية والتسوق.
تجد من ينادي بصوته العالي: "بنطال الجينز الأولادي بـ30 ليرة تركية"، بينما ينادي آخر: "الطقم الأولادي الكامل بـ80 ليرة تركية"، وهناك من ينادي على أسعار الفساتين النسائية بما دون 100 ليرة تركية.
البيع بلا أرباح
يقول مهند، وهو صاحب أحد المتاجر لبيع الألبسة في سوق الألبسة وسط مدينة الدانا، إنه قرر منذ أيام بيع كسوة العيد برأس المال.
"لا أرغب بإضافة أي ربح عليها، للتسهيل على الناس شراء ما يناسب أذواقهم لأطفالهم بمناسبة عيد الفطر، لمحو آثار الحزن وما خلفته الكوارث التي ألمت بهم قبل فترة، وأهمها الزلزال المدمر"، حسب قوله.
وأضاف أنه بدأ مسلسل كسر الأسعار منذ بداية شهر رمضان هذا العام، بدءاً من أسعار الخضراوات والبهارات والزيوت، وصولاً إلى أسعار الملابس الجاهزة وبخاصة كسوة العيد، التي انطلق كسر أسعارها من المشاغل ومصانع الألبسة المحلية ثم المتاجر، للتخفيف من الأعباء والتكاليف على الناس.
ووصف الحركة السوقية والشرائية بالجيدة، مشيراً، إلى أن أفضل طقم أولادي مصنوع من قماش الجينز يباع بـ100 ليرة تركية، وكذلك أسعار ألبسة الإناث، وأيضاً أسعار ألبسة الكبار.
قد لا تصل كلفة كسوة العائلة الواحدة في إدلب إلى ما فوق 1000 ليرة تركية (أي ما يعادل 25 دولاراً أمريكياً)، وهي العملة المتداول بها منذ 3 سنوات في المناطق المحررة من شمال غربي سوريا، بعدما فقدت الليرة السورية قيمتها السوقية مع العملات الأجنبية.
فرحة في مناطق المعارضة
من جانبه، قال أبو محمود (43 عاماً)، وهو نازح من محافظة حمص ويقيم في مدينة سرمدا شمالي إدلب، إنه "يشعر هذا العام بالأمان والفرحة التي تستبق قدوم عيد الفطر السعيد، بعد أن استطاع شراء كسوة العيد لأفراد عائلته الخمسة، من أحد أسواق المدينة بأسعار مخفضة وبتكلفة 80 دولاراً أمريكياً فقط، أي ما يعادل نصف راتبه الشهري من عمله في أحد المعامل لصناعة الحديد في المنطقة.
ووصف مبادرة "كسر الأسعار" من قبل أصحاب المتاجر والمصانع، بالمبادرة الجميلة التي تحيي الأمل في نفوس المواطنين، وخاصة بعدما ألمت بهم مصائب كبيرة وأهمها الزلزال الذي دمر ربع المنطقة وخلف مأساة كبيرة في النفوس.
ولفت إلى أن مشاهد التراحم والألفة باتت حاضرة في كل زاوية ومكان في مناطق الشمال السوري. فالبضائع تباع برأس المال، كذلك هناك من يعلن عن فتح أبواب صالات ألعاب الأطفال والملاهي خلال أيام العيد بالمجان.
هذه الصورة الجميلة تخالف الصورة الحالية ضمن مناطق النظام السوري، وحرمان المواطنين هناك من أي نوع من أنواع الرفاهية والعيش الكريم، لاسيما الغلاء الفاحش الذي طرأ على معظم السلع وخاصة المأكولات والألبسة خلال شهر رمضان دون رقابة تموينية، في الوقت الذي يعاني فيه الجميع ضمن مناطق النظام من ضعف في القدرة الشرائية، إذ لا يتجاوز الحد الأدنى للرواتب 92 ألف ليرة سورية (نحو 14 دولاراً أمريكياً)، في حين بلغ متوسط الرواتب والمعاشات 150 ألف ليرة سورية.