ربما فهم "روبيرت ليفاندوفسكي" أن وقته قد انتهى في بايرن ميونيخ، حينما سمع مثلنا تماماً، تلك الأخبار التي تتحدث عن مفاوضات سرية بين بايرن ميونيخ و"إيرلينغ هالاند" لاعب "بروسيا دورتموند".
لقد ظن "ليفاندوفسكي" أن الطريقة التي استقطبه بها البايرن من نفس النادي، ستحين مع غيره، وأن رحلته الطويلة مع الفريق الذي يحلم بالانضمام إليه معظم لاعبي الدوري الألماني، قد انتهت فعلاً.
لقد ظن أن نادي برشلونة يعلم ضخامة اسم ليفاندوفسكي، كيف لا وهو نفس اللاعب الذي زار شباك الفريق الإسباني في أكثر من مناسبة، وبنتائج عريضة في كل مرة.
لكن كان على ليفاندوفسكي أن يخطو خطوة للأمام مع البايرن، لكي يقدم من أجله برشلونة عشر خطوات ليخطفه ويستفيد من وجوده في صفوفه، وبالفعل، نجح برشلونة في ضمه، وأصبح روبيرت ليفاندوفسكي لاعباً في صفوف برشلونة رسمياً، لكن ربما لأنه خرج من بايرن ميونيخ، وبتلك الطريقة التي خرج بها، كان عليه أن يتقبل نبرة التحدي التي بدت من أفواه أنصار ومسؤولي "بايرن ميونيخ" ضده.
نظرة برشلونة في ملف ليفاندوفسكي
لقد نظر نادي برشلونة في ملف ليفاندوفسكي بحماس شديد، نظراً لأنه أفضل لاعب في العالم من الفيفا لسنتين متتاليتين، وفي وجود ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو في نفس المساحة التنافسية.
ربما تغاضى برشلونة عن عمر ليفاندوفسكي، الذي يُعد عقبة بالنسبة للاعبين غيره، وحجة الإصابات أنصفت برشلونة كثيراً؛ إذ إن ليفاندوفسكي لم يغب عن "بايرن ميونيخ ودورتموند" أبداً لأكثر من ثلاثة أسابيع للإصابة، وهذا يدل على جسد رياضي مميز وتغذية سليمة وقدرة على تقدير المواقف داخل الملعب.
من الناحية التهديفية، ربما ليس ليفاندوفسكي هو من يتم تقييمه بناءً على الأهداف المسجلة؛ إذ إنه آلة تسجيل لا تتوقف، وأرقامه تحكي عنه، سواء في الدوري الألماني أو في دوري أبطال أوروبا مؤخراً مع "بايرن ميونيخ".
لكن لسبب لا يعلمه أحد، اكتشف ليفاندوفسكي أن الواقع أصعب من الخيال، وفي مبارياته الأولى مع برشلونة، خاصة في الليغا، أدرك أن وصوله كان يعني وصول ملك مُتوج لمدينة خسرت ملكها العظيم منذ سنة لا أكثر.
اكتشف أن فكرة تعويضه أقرب للاستحالة؛ لذا تدارك الموقف بسرعة، وحاول ما استطاع أن يُقدم ما هو متوقع منه وأكثر لإنقاذ موسم كان يحتضر في بدايته.
في برشلونة، بدا "ليفاندوفسكي" كشخص يتعلم طقوساً مختلفة في مدينة لم يزرها أبداً، وظهر في العديد من المشاهد يُوجه لاعبي الفريق للتحرك في فترات الاستراحة، وحفّز الجماهير في أكثر من مرة لمؤازرة الفريق، خاصة في المباريات المستعصية عليه.
كما حسم ليفاندوفسكي مباريات مهمة للفريق في الليغا، كانت فارقة في رحلة تتويجه بلقب الليغا حتى وإن بات يتخبط خلاله حالياً.
ليفاندوفسكي والمحافل الأوروبية
هناك تساؤل مهم أثير خلال الفترات السابقة: أين كان ليفاندوفسكي من خروج برشلونة من المحافل الأوروبية؟
لقد نظر برشلونة في ملف ليفاندوفسكي قبل التعاقد معه، واهتم كثيراً بغزارته التهديفية، وألقابه الفردية والجماعية، وفكرة أنه يأتي من "بايرن ميونيخ" كانت مُغرية أكثر وأكثر، وكما أنه هداف الدوري الألماني على طول الخط حيث زادت من فرصه أكثر؛ علاوة على أن ليفاندوفسكي، الذي رُبما لو عُرض على أي فريق في أوروبا للانضمام إليه لن يتردد مرتين في التعاقد معه.
لكن مشكلة كرة القدم أنها لعبة مطاطية، لا تفي بكافة تفاصيلها إلا ما تريد أنت رؤيته، فربما لم يُناقش السبب نفسه في كون ليفاندوفسكي يُسجل هذا الكم الكبير من الأهداف في كل موسم، هل هي قوة فريقه السابق بايرن ميونيخ؟ أم أنه من طراز فريد ليتمتع بكل هذه الموهبة؟
إيجابيات وسلبيات ليفاندوفسكي
بما أن مشجعي مواقع التواصل الاجتماعي ساخطون دائماً، أو راضون دائماً، لا أحد يذكر الإيجابيات ويُتبعها بالسلبيات، وكذلك لا أحد يذكر السلبيات ويُتبعها بالإيجابيات.
إيجابيات ليفاندوفسكي واضحة تماماً في الأعلى، ويمكنك أن تفتح أي تطبيق إحصائي، وستجد اللاعب على قائمة هدافي الدوري الألماني في كل موسم تقريباً منذ انتقاله لبايرن ميونيخ.
لكن هناك نقطة مهمة تم التغافل عنها، تم التغافل عنها بشدة؛ وهي القائمة التي تُمثل تضاداً لقائمة الأكثر تسجيلاً للأهداف، اسمها "أكثر من أهدر فرصاً محققة للتسجيل" وهذه القائمة يتصدرها "روبيرت ليفاندوفسكي" منذ وصوله لبايرن ميونيخ أيضاً، ولم يتخلف عن صدارتها أبداً في أي موسم.
المفاجأة، أنه يتصدرها حالياً أيضاً في منافسات الليغا برفقة نادي برشلونة، مثلما يتصدر قائمة الهدافين!
في ألمانيا، هذه النقطة غالباً في صالح "بايرن ميونيخ"؛ لأن الأرقام الكبيرة التي حققها روبرت ليفاندوفسكي كهداف للدوري الألماني، متقاربة تماماً في كل موسم مع تلك الأهداف المحققة التي أهدرها، هذا إن دل على شيء فبكل تأكيد يدل على أن فريق "بايرن ميونيخ" كان يعرف كيف يصل بـ "ليفاندوفسكي" إلى المرمى، وكيف استطاع ليفاندوفسكي أن يستثمر ما بين 60:70 فرصة في الموسم الواحد للتسجيل.
يرى البعض أن هذه الإحصائية لا تصف سلبية بقدر ما تصف إيجابية اللاعب وقدرته على الوصول إلى المرمى، ففي نفس القائمة تواجد كل من "لويس سواريز، بنزيما، كريستيانو رونالدو" في الليغا لسنوات، وبأرقام مشابهة لما حدث لـ "ليفاندوفسكي"، لكن ربما لأن الأخير وُضع في إطار المهاجم الخارق فلم يُنظر في أمر هذه الإحصائية، وقدرته على التواجد دائماً في صدارتها.
كما أن ليفاندوفسكي قد ساعد "بايرن ميونيخ" كثيراً في تتويجه الأخير بدوري أبطال أوروبا، حينما كان الطريق إلى لشبونة يستدعي تلقين برشلونة أكبر هزيمة في تاريخه في دوري الأبطال.
لكن في برشلونة، كان الأمر أصعب بكثير، مع بناء فريق معظمه من الشباب كان على ليفاندوفسكي أن يخرج من عباءة "المهاجم المدلل" الذي تصله الكرة إلى منطقة الجزاء، وأصبح مُطالباً بأن يقوم بالدورين معاً إذا أراد مجداً يُكتب باسمه في "كتالونيا".
لقد اكتشف مع الوقت الفوارق الشاسعة بين فريقه السابق والحالي، والأجنحة التي كانت تُساعده، والأجنحة التي يلعب معها حالياً في برشلونة، حيث وضعه هذا الأمر في مأزق كبير، وجعل الناس يسألون: ليفاندوفسكي وحده لا يكفي.. هل يحتاج ليفاندوفسكي إلى ميسي حقاً ليحققا معاً لقباً أوروبياً لبرشلونة؟
عودة ميسي المحتملة لـ برشلونة
لا أحد يُعارض عودة ميسي، لو كان بقدم واحدة فهو بكل تأكيد أفضل من كل العناصر الهجومية التي تلعب في برشلونة الآن، ولن يتعارض دوره مع ما يقوم به ليفاندوفسكي، وهو ما تحدث عنه الأخير من فترة، بأن برشلونة هو منزل ميسي وسيكون سعيداً إذا عاد وتشاركا لحظات سعيدة مع نادي برشلونة.
ختاماً.. يبدو أن ليفاندوفسكي اكتشف أن الواقع أمامه لا يُشبه ما تخيله أبداً، وأن برشلونة رغم إبرامه العديد من الصفقات في السوق الصيفي الماضي، ما زال بحاجة إلى عناصر أفضل خاصة من الناحية الهجومية لتساعده.
إن البصمات التي قدمها ليفاندوفسكي خلال هذا الموسم في بطولتي الدوري والسوبر الإسباني، لم تعد كافية لأن الخروج الأوروبي من دور المجموعات في دوري الأبطال، والخروج أيضاً من مسابقة الدوري الأوروبي، لن تحفظ ماء وجهه مهما فعل وبرهن؛ وإن كان على قائمة أكثر من ساهم في الليغا الإسبانية بالتسجيل والصناعة معاً، وإن سجل ثُلث أهداف الفريق في الليغا وما يُقارب النصف في دوري أبطال أوروبا.
إن جمهور برشلونة نفسه، لن يستطيع تقبل فكرة أن ليفاندوفسكي، اللاعب الذي كان يحلم نفس الجمهور بتواجده حينما كان بقميص "بايرن ميونيخ" وتتم مقارنته بعناصر برشلونة حينها للتقليل منها، يستخدم البعض من جمهور برشلونة نفس الأسلوب حالياً مع ليفاندوفسكي ولم يُدرك أحد أن الأمر أكبر من حصره في لاعب واحد أو مطالبة لاعب واحد بأشياء لا تستطيع المجموعة بكاملها فعلها.
ربما لم يُخطئ ليفاندوفسكي في قراره بالانضمام لـ "برشلونة"، لكنه اكتشف أن الواقع أبعد بكثير عن تخيلاته.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.