استخدمت روسيا، أمس الثلاثاء 10 أبريل/نيسان 2018، حقَّ الفيتو في مجلس الأمن الدولي، ضد مشروع قرار أميركي يقضي بإنشاء آلية تحقيق حول استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، بينما أفشلت واشنطن وحلفاؤها مشروعي قرارين بديلين طرحتهما موسكو، لتتعمق بذلك الانقسامات بين أعضاء المجلس حول النزاع السوري، وترتسم أكثر فأكثر معالم ضربة عسكرية غربية وشيكة لدمشق.
وشهدت قاعة مجلس الأمن، الثلاثاء، 3 عمليات تصويت -وهو أمر نادراً ما يحصل في يوم واحد وحول موضوع واحد- اثنان منها على مشروعي قرارين روسيين، والثالث على مشروع قرار أميركي، إلا أن أياً من هذه النصوص الثلاثة لم ينجح في أن يتحول إلى قرار.
وقالت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هايلي، إن "روسيا قوّضت مصداقية مجلس الأمن"، معتبرة أن ما جرى "نكتة! وروسيا بارعة في ممارسة الألاعيب".
ولكن ردّ نظيرها الروسي فاسيلي نيبينزيا لم يتأخر، إذ قال لها "أنتم تخطون مجدداً خطوة نحو المواجهة"، و"أنتم موهوبون جداً في التهديدات"، في إشارة إلى الضربة العسكرية التي تهدد الولايات المتحدة وحلفاؤها بتوجيهها إلى النظام السوري المدعوم من روسيا وإيران.
وكانت السفيرة الأميركية ونظيرها الروسي تصافحا بحرارة ولمدة طويلة، قبيل بدء هذه الجلسة البالغة الأهمية، لكن مع بدء المداولات استعرت الحرب الكلامية بينهما.
إفلات من العقاب"
وجرت عملية التصويت الأولى على مشروع القرار الأميركي الذي نصَّ على تشكيل "آلية تحقيق مستقلة تابعة للأمم المتحدة"، للتحقيق في استخدام أسلحة كيميائية في سوريا.
وأيّدت مشروع القرار الأميركي 12 دولة، وعارضته روسيا وبوليفيا، بينما امتنعت الصين عن التصويت. ولاعتماد أي قرار في مجلس الأمن لا بد أن يحوز 9 أصوات على الأقل، بشرط ألا تستخدم أي من الدول الخمس الدائمة العضوية (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا) حق النقض ضده، وهو ما فعلته روسيا، فأسقطت المشروع الأميركي بالضربة القاضية.
وهذا الفيتو هو الثاني عشر الذي تستخدمه روسيا في مجلس الأمن بشأن الملف السوري، منذ بدء النزاع في سوريا عام 2011.
وأعرب السفير الهولندي في الأمم المتحدة كاريل فان اوستيروم عن أسفه، لأن تكون 6 من هذه الفيتوهات الـ12 استخدمتها روسيا ضد مشاريع قرارات تتعلق باستخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، مشدداً على أنه "لا يجوز للإفلات من العقاب أن ينتصر".
لكن نظيره الروسي ردَّ بالقول "لقد استخدمنا الفيتو للدفاع عن القانون الدولي (…) وعدم زجّ مجلس الأمن في مغامرات".
من جهتها قالت السفيرة الأميركية نيكي هايلي "إن مشروع قرارنا كان يضمن استقلالية آلية التحقيق"، في حين أن مشروع القرار الروسي الذي عرض لاحقاً على التصويت وسقط لعدم حصوله على الأكثرية اللازمة يقضي بانتقاء المحققين.
"آلية شكلية"
أما السفير الفرنسي فرنسوا ديلاتر، فقال إن "فرنسا ستبذل كل ما هو ممكن لتجنب الإفلات من العقاب" على استخدام السلاح الكيميائي في سوريا، مضيفاً: "إن نظام دمشق لم يتخلّ أبداً عن استخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبه، وفرنسا لن توافق على أي آلية شكلية ومنقوصة، واستقلاليتها غير مضمونة".
بعدها طرح على التصويت مشروع قرار روسي يقضي بتشكيل آلية أخرى للتحقيق في الأسلحة الكيميائية في سوريا، لكن النص سقط لعدم حيازته الأكثرية اللازمة من الأصوات لإقراره.
والنص الروسي الذي لم تؤيده إلا 6 دول، في حين عارضته 7 دول، وامتنعت اثنتان عن التصويت- يمنح مجلس الأمن القرار النهائي في اعتماد أو رفض نتائج التحقيقات التي تخلص اليها آلية التحقيق.
ورفضت الدول الغربية هذا النص، خصوصاً لأنه يحرم في نظرها آلية التحقيق من الاستقلالية اللازمة للقيام بعملها.
ولاحقاً طرحت روسيا على التصويت مشروع قرار ثانياً بشأن سوريا، يكتفي بدعم إجراء منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تحقيقاً في الهجوم الكيميائي المفترض في دوما، ولا ينص على تشكيل آلية تحقيق لكشف المسؤولين عنه.
ولم يعد للأمم المتحدة هيئة تحقيق خاصة بالهجمات الكيميائية في سوريا، منذ وقف عمل آلية التحقيق المشتركة نهاية ،2017 التي لم تجدد ولايتها بسبب استخدام روسيا للفيتو مراراً.
ولم تؤيد مشروع القرار الروسي هذا إلا خمس دول، في حين صوتت ضده أربع دول، وامتنعت الدول الست الباقية عن التصويت.
ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ومقرها لاهاي، مكلَّفة حصراً بتأكيد أو نفي استخدام أسلحة كيميائية، من دون أن يكون بمقدورها تحديد الجهة التي استخدمت هذه الأسلحة.
وكانت المنظمة أعلنت في وقت سابق الثلاثاء، أنها سترسل "خلال فترة قصيرة" فريق تحقيق إلى مدينة دوما السورية، للتحقيق في الهجوم المفترض بالسلاح الكيميائي، الذي أوقع عشرات القتلى، وأدى إلى موجة من ردود الفعل المستهجنة في العالم. وكانت المنظمة تلقت دعوة رسمية من دمشق لزيارة دوما والقيام بالتحقيق اللازم.
ألاعيب جيوسياسية"
وخلال الجلسة قال السفير الروسي إن محققي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية سيصلون إلى سوريا "في نهاية الأسبوع"، مؤكداً أنهم "في حال لم يصلوا" فهذا الأمر سيثبت وجود "ألاعيب جيو-سياسية بائسة"، و"خطط عسكرية عدوانية".
من جهتها أوضحت بريطانيا أنها صوّتت ضد مشروع القرار الروسي، لأن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لا يمكنها تحديد المسؤولين عن شن الهجوم الكيميائي، وبالتالي فإن هذا الأمر يعني إفلات هؤلاء من العقاب.
وقال دبلوماسي غربي في الأمم المتحدة، طالباً عدم نشر اسمه "ليست هناك حاجة لقرار من مجلس الأمن الدولي لدعم مهمة في سوريا لمنظمة حظر الاسلحة الكيميائية"، مضيفا "كم من الوقت ستستغرق المنظمة لإرسال فريق إلى سوريا؟ أي مجال للتحرك سيتاح لها على الأرض؟ كيف يمكن التأكد من أن موقع الهجوم لن يخضع لعملية "تنظيف" تخفي آثار المواد الكيميائية التي استخدمت؟".
وبحسب دبلوماسي غربي ثان فإن مشروع القرار الروسي الذي كشف النقاب عنه للمرة الأولى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في وقت سابق الثلاثاء، هو نص "متسرّع" ولم يخضع لمشاورات في مجلس الأمن.
ومع فشل الجهود الدبلوماسية في مجلس الأمن ترتسم أكثر فأكثر معالم ضربة عسكرية هدد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتوجيهها إلى النظام السوري، ردا على هجوم كيميائي مفترض، استهدف السبت مدينة دوما الخاضعة لسيطرة المعارضة في غوطة دمشق.