قالت صحيفة The New York Times الأمريكية في تقرير نشرته الثلاثاء 18 أبريل/نيسان 2023 إن حراس سجن سوري أمعنوا ولمدة أشهر في تعذيب عاملة إغاثة أمريكية بوحشية وهددوا بقتل أحبائها؛ ما دفعها في النهاية إلى الرضوخ لمطالبهم، واعترفت بجرائم لم ترتكبها. وتبع ذلك محاكمة لم تستغرق أكثر من بضع دقائق، صدر فيها أمر بإعدامها أواخر عام 2016.
على مدار 5 سنوات، شنت وزارة العدل الأمريكية تحقيقات متكتمة في مقتل عاملة الإغاثة، ليلى شويكاني (26 عاماً)، بقيادة المدعي العام الأمريكي في شيكاغو، وفقاً لأربعة أشخاص على دراية بالتحقيق. وسافر عملاء مكتب التحقيقات الفدرالي إلى أوروبا والشرق الأوسط لجمع مجموعات من الأدلة ومقابلة شهود محتملين، بمن فيهم الرجل الذي ربما يكون قد دفن شويكاني. ودعا المدعون الفدراليون إلى عقد هيئة محلفين كبرى، التي كانت تستمع إلى الأدلة.
تحقيق في مقتل أمريكية في سوريا
يستهدف التحقيق، الذي لم يُكشَف عنه من قبل، محاسبة المسؤولين السوريين الرفيعين اللذين يعتبران من المهندسين الأساسيين لنظام اعتقال وتعذيب لا يرحم انتشر في عهد الرئيس بشار الأسد؛ وهما: جميل حسن، رئيس المخابرات الجوية عندما اختفت شويكاني، وعلي مملوك رئيس جهاز استخبارات الأمن القومي السوري حينها.
ستكون لائحة الاتهام الفدرالية التي تتهم الرجال بارتكاب جرائم حرب هي المرة الأولى التي توجه فيها الولايات المتحدة اتهامات جنائية لكبار المسؤولين السوريين بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان التي ينفي الأسد منذ وقت طويل استخدامها لإسكات المعارضة. وعلى الرغم من استبعاد فرص القبض على الرجلين، فإنَّ الإدانة تشير إلى أنَّ الولايات المتحدة تهدف إلى مساءلة الحكومة السورية.
تقديم كبار المسؤولين في سوريا للمحاكمة
كانت الجهود الدولية لتقديم كبار المسؤولين في سوريا إلى العدالة على جرائم الحرب التي تُرتكَب على مدى أكثر من عقد من الصراع محدودة بدرجة صارخة. ولم يُقاضَ سوى عدد قليل من الجناة؛ مما زاد من مخاطر توجيه أية تهم محتملة ووضع اختباراً على العلاقات الدبلوماسية. وقال السفير السابق جيمس جيفري، الممثل الخاص لإدارة ترامب بشأن سوريا، إنَّ توجيه لائحة اتهام محتملة من شأنه "إضفاء طابع شخصي على شر هذا النظام، ويوضح أنه لا يمكنك التعامل مع الأسد".
على الرغم من الاعتراف على نطاق واسع بأنَّ قوات الأمن في عهد الأسد سعت سعياً ممنهجاً إلى القضاء على معارضة حكمه الاستبدادي، فقد عاد ببطء إلى المسرح العالمي. وتحاول بعض الدول العربية، بقيادة الإمارات العربية المتحدة، إعادة سوريا إلى الحظيرة الدولية. واتهم منتقدون الرئيس بايدن بالتحول ضمنياً عن الموقف الذي تبنّته الإدارات السابقة بأنه لا ينبغي لأية دولة التعامل مع سوريا على الإطلاق، وهي اتهامات نفاها البيت الأبيض.
رفض تطبيع العلاقات مع بشار الأسد
في هذا الصدد، قال معاذ مصطفى، المدير التنفيذي لمجموعة الطوارئ السورية، وهي جماعة مناصرة، إنَّ لائحة الاتهام سترسل رسالة لا يمكن إنكارها؛ وهي أنه "لا ينبغي لأحد تطبيع العلاقات مع نظام قتل ما يقدر بنحو 500.000 إلى مليون شخص، بمن فيهم الأمريكيون والأوروبيون، بل يستمر في فعل ذلك".
في حين انتقلت شويكاني في عام 2015 من ضواحي شيكاغو إلى دمشق للانضمام إلى شبكة شعبية من عمال الإغاثة الإنسانية. لكن الأسد يسيطر بإحكام على جميع جهود المساعدة الرسمية في بلاده، وقد تعامل مع الجهود التي يديرها المواطنون على أنها تهديد، واتهمهم بالإرهاب.
بحلول الوقت الذي احتجزت فيه السلطات السورية شويكاني في 19 فبراير/شباط 2016، مع والدها وخطيبها، اللذين كانا أيضاً في البلاد، كان كل عضو في مجموعتها الإغاثية تقريباً قد تعرض للاحتجاز في سوريا. وقضت ما يقرب من عام في سجون في ضواحي دمشق؛ حيث تتفشى التكدسات والمرض والتعذيب؛ في مرفق احتجاز في مطار المزة، وسجن عدرا المدني وسجن صيدنايا العسكري، حيث يعتقد الشهود أنها حوكمت وأعدمت.
جلسة استماع بشأن مقتل أمريكية في سوريا
في جلسة استماع للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي بشأن سوريا في 2018، كشف النائب الجمهوري عن ولاية إلينوي آدم كينزينجر عن وفاة شويكاني للجمهور.
قال كينزينجر: "صارت أول مواطنة أمريكية نعرف أنَّ نظام الأسد قتلها. أياً كان الرد الذي تقرر الإدارة اتخاذه، فسيشكل كيفية تعامل النظام وداعميه مع الأمريكيين الآخرين".
بينما جمع المحققون معلومات وافرة حول وضع شويكاني في السجون وشهادات حول معاملتها بوحشية، تمثل التحدي الأكبر في إثبات الصلة المباشرة بين كبار مسؤولي المخابرات السورية وتعذيبها ووفاتها. لكنهم حققوا نجاحات، إلى حد كبير بمساعدة النشطاء السوريين والضحايا والمنظمات غير الحكومية التي جمعت لسنوات أدلة على أنشطة سوريا.
احتجاز أمريكية في سجن سوري
شهد سجين واحد على الأقل برؤية رئيس المخابرات جميل حسن في سجن المزة بينما كانت شويكاني محتجزة هناك. بينما أوراق حفار القبور التي تسمح له بالتخلص من الجثث من السجون السورية كانت تحمل توقيع وختم رئيس استخبارات الأمن القومي علي مملوك. وقال في مقابلة مع صحيفة The New York Times إنَّ حسن هو من أصدر الأمر بعمله.
في حين إذا كانت وزارة العدل الأمريكي ستوجه الاتهام إلى حسن ومملوك، فمن غير المرجح أن يدخل الرجلان إلى دولة ترغب في تسليمهما إلى الولايات المتحدة. لكن محامي حقوق الإنسان يقولون إنَّ الملاحقة القضائية تظل ذات قيمة، وستكشف المزيد عن الفظائع التي لا تزال تُرتكَب في سوريا.