لليوم الثالث على التوالي يكتوي السودان بنيران الصراع على السلطة بين الجيش بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، فما أبرز محطات هذا الصراع منذ الإطاحة بالبشير وحتى اندلاع القتال؟
كانت اشتباكات قد اندلعت، السبت 15 أبريل/نيسان، بين وحدات من الجيش السوداني موالية لرئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي.
واندلعت هذه الاشتباكات، وهي الأولى منذ أن اشترك البرهان وحميدتي في الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019، بسبب خلاف حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش، في إطار مرحلة انتقالية نحو الحكم المدني.
الخطوة الأولى.. انتفاضة أسعار الخبز
لم تنفجر الأمور في السودان فجأة بطبيعة الحال، فالتحشيد بين الجانبين كان مستمراً منذ أسابيع، وتبادل الاتهامات كذلك، وبالتالي فإن تحول الصراع على الكرسي إلى اقتتال وحرب شوارع في الخرطوم وباقي مدن السودان لم يكن إلا مسألة وقت، فالمتصارعان على السلطة قائد الجيش وقائد ميليشيات عسكرية.
لكن هذه المحطة الدموية سبقتها محطات أخرى كثيرة ومتنوعة على طريق الصراع السياسي، كانت بدايتها يوم 19 ديسمبر/كانون الأول 2018 وبالتحديد من مدينة عطبرة الشمالية، حين تجمع مئات المواطنين للاحتجاج على ارتفاع أسعار الخبز.
في ذلك الوقت كان نظام عمر حسن البشير هو المتحكم في البلاد منذ أكثر من 29 عاماً، وسرعان ما انتشرت عدوى المظاهرات من عطبرة إلى العاصمة الخرطوم ومدن أخرى، وتحول المئات إلى عشرات الآلاف، فالأزمة الاقتصادية كانت خانقة ولا تتوقف فقط عند حدود رفع أسعار الخبز.
الرد جاء أمنياً بطبيعة الحال، وأطلقت قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع، العنوان الأبرز لفض التظاهرات والاحتجاجات في العالم العربي، إضافة إلى إطلاق الرصاص بأنواعه، مطاطياً كان أو رصاصاً حياً قاتلاً.
6 أبريل/نيسان 2019: استمرت الاحتجاجات في السودان لمدة 4 أشهر تقريباً وفشلت محاولات نظام البشير في قمعها، وفي ذلك اليوم بدأ مئات الآلاف من المتظاهرين اعتصاماً أمام مقر الجيش في الخرطوم، وبعد خمسة أيام من بداية الاعتصام، قرر الجيش السوداني عزل الرئيس عمر البشير واحتجازه.
انتهى حكم البشير السلطوي الممتد لثلاثة عقود، لكن المتظاهرين واصلوا الاعتصام مطالبين بتسليم السلطة للمدنيين، بعد تعيين وزير الدفاع وقتها، أحمد عوض بن عوف، قائماً بأعمال رئيس الجمهورية، ليتنحى عوف عن المنصب بعد يوم واحد من شغله ويتولى الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان المنصب، فيستمر الاعتصام والاحتجاجات.
3 يونيو/حزيران 2019: داهمت قوات الأمن الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش، ويقول مسعفون على صلة بالمعارضة إن أكثر من 100 شخص قُتلوا في المداهمة، لتعرف إعلامياً بوصف "مجزرة القيادة"، ووجهت القوى المدنية المعتصمة أصابع الاتهام لقوات الدعم السريع.
17 أغسطس/آب 2019: وقعت قوى الحرية والتغيير اتفاقاً لتقاسم السلطة مع الجيش خلال فترة انتقالية كان يفترض أن تؤدي إلى إجراء انتخابات، وتم تعيين عبد الله حمدوك الاقتصادي والمسؤول السابق في الأمم المتحدة على رأس الحكومة في وقت لاحق من الشهر.
31 أغسطس/آب 2020: توصلت السلطات الانتقالية إلى اتفاق سلام مع بعض الجماعات المتمردة من إقليم دارفور المضطرب غربي البلاد ومن المناطق الجنوبية في جنوب كردفان والنيل الأزرق.
23 أكتوبر تشرين/الأول 2020: انضم السودان إلى دول عربية أخرى في الموافقة على اتخاذ خطوات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، في اتفاق توسطت فيه الولايات المتحدة. وبعد أقل من شهرين، رفعت الولايات المتحدة اسم السودان من قائمتها للدول الراعية للإرهاب.
30 يونيو/حزيران 2021: ينال السودان الموافقة لإعفائه مما لا يقل عن 56 مليار دولار من الديون الخارجية بعد إجراء إصلاحات اقتصادية تحت إشراف صندوق النقد الدولي.
25 أكتوبر/تشرين الأول 2021: قوات الأمن تعتقل حمدوك والعديد من القيادات المدنية في مداهمات قبل الفجر، وذلك بعد أسابيع من تبادل الاتهامات بين القوى المدنية والعسكرية ومحاولة انقلاب فاشلة. ويعلن عبد الفتاح البرهان حل الحكومة المدنية وغيرها من الهيئات الانتقالية.
21 نوفمبر/تشرين الثاني 2021: بعد خروج عدة مسيرات حاشدة احتجاجاً على الانقلاب وتعليق معظم الدعم المالي الدولي للسودان، يعلن القادة العسكريون وحمدوك عن اتفاق لإعادة تعيينه رئيساً للوزراء. ويقول حمدوك إنه عاد لمنع المزيد من إراقة الدماء وحماية الإصلاحات الاقتصادية، لكنه يستقيل بعد أقل من شهرين مع استمرار الاحتجاجات.
16 يونيو/حزيران 2022: يقول برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إن أكثر من ثلث سكان السودان يواجهون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي بسبب عوامل منها الأزمات الاقتصادية والسياسية والظروف المناخية والصراعات.
25 أكتوبر/تشرين الأول 2022: خروج حشود ضخمة إلى شوارع السودان في الذكرى الأولى للانقلاب، في واحدة من أكبر المسيرات ضمن حملة المظاهرات المناهضة للجيش. وفي الخرطوم، يواجه المتظاهرون الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت، فيما يسقط مدني قتيلاً في مدينة أم درمان المجاورة، وهي حالة الوفاة رقم 119 خلال الاحتجاجات بحسب مسعفين.
5 ديسمبر/كانون الأول 2022: قوى الحرية والتغيير توقع على اتفاق إطاري مع الجيش لبدء عملية جديدة للانتقال السياسي مدتها عامان وتعيين حكومة مدنية.
5 أبريل/نيسان 2023: تأجيل توقيع الاتفاق النهائي للمرحلة الانتقالية للمرة الثانية، وسط خلافات حول ما إذا كان سيخضع الجيش لإشراف مدني، وحول خطط دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة.
هل كان الاقتتال في السودان متوقعاً؟
13 أبريل/نيسان 2023: يقول الجيش السوداني إن تعبئة قوات الدعم السريع تنطوي على خطر حدوث مواجهة. وبعد يومين، تندلع اشتباكات بين الجانبين في الخرطوم ومدن أخرى.
تتضارب الروايات من الجانبين، فالجيش يقول إن قوات الدعم السريع هاجمت مقر إقامة البرهان، السبت 15 أبريل/نيسان، وهو ما أدى إلى اندلاع القتال، بينما تقول قوات الدعم إن الجيش هو من بدأ الهجوم على مقرات قواتها في الخرطوم. ونفى الجيش تأكيدات قوات الدعم السريع بأنها سيطرت على القصر الرئاسي ومقر إقامة قائد الجيش ومطارات في الخرطوم ومدينة مروي في الشمال.
وقال شهود لرويترز إن الجيش السوداني أصبح له اليد العليا على ما يبدو يوم الأحد في الصراع الدموي على السلطة مع قوات الدعم السريع، بعد أن استهدف الجيش قواعدها بضربات جوية، فيما لقي 59 مدنياً على الأقل حتفهم بينهم ثلاثة من موظفي الأمم المتحدة.
بعثة الأمم المتحدة في السودان قالت إن البرهان وحميدتي وافقا على وقف القتال لمدة ثلاث ساعات، بدءاً من الرابعة مساء بالتوقيت المحلي (14:00 إلى 17:00 بتوقيت غرينتش) للسماح بعمليات الإجلاء الإنسانية التي اقترحتها الأمم المتحدة، لكن الاتفاق تم تجاهله إلى حد كبير بعد فترة وجيزة من الهدوء النسبي.
ومع حلول الليل وبعد انتهاء سريان مفعول اتفاق وقف القتال، أفاد السكان بوقوع قصف مدفعي وضربات جوية في كافوري بالخرطوم بحري التي توجد بها قاعدة لقوات الدعم السريع. وقال شهود لرويترز إن الجيش يستأنف الضربات الجوية على معسكرات قوات الدعم السريع في أم درمان وحي كافوري وفي شرق النيل، مما دفع مقاتلي قوات الدعم السريع إلى الفرار.
المدنيون يدفعون الثمن
قالت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان إن 97 مدنياً على الأقل قُتلوا وأصيب 365 منذ بدء الاشتباكات في السودان. وكانت لجنة أطباء السودان المركزية قد قالت إن 56 مدنياً على الأقل قُتلوا وأصيب 595 بينهم جنود منذ اندلاع المواجهات. وأضافت أن عشرات الجنود قُتلوا دون أن تذكر رقماً محدداً بسبب نقص المعلومات من المستشفيات.
ومع استمرار الاقتتال دون أن تلوح في الأفق نهاية وشيكة، سيظل المدنيون في السودان يدفعون ثمناً باهظاً. إذ أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة يوم الأحد وقفاً مؤقتاً لجميع عملياته في المناطق التي يضربها الجوع في السودان بعد مقتل ثلاثة من موظفيه السودانيين في اشتباكات بشمال دارفور وتعرض إحدى طائراته "لأضرار بالغة" في مطار الخرطوم خلال تبادل لإطلاق النار.
وندد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأعمال القتل ودعا إلى المساءلة، وقال على تويتر: "يجب تقديم أولئك المسؤولين عن ذلك إلى العدالة دون تأخير.. العاملون في المجال الإنساني ليسوا هدفاً".
وقال رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية بالسودان (يونيتامس) فولكر بيرتس في بيان: "أشعر بالانزعاج الشديد من التقارير التي تفيد بأن مقذوفات أصابت منشآت الأمم المتحدة ومباني إنسانية أخرى، بالإضافة إلى تقارير عن نهب مباني الأمم المتحدة وغيرها من المباني الإنسانية في عدة مواقع في دارفور".
وفي الوقت نفسه تستمر محاولات الوساطة العربية والإفريقية والدولية لوقف إطلاق النار بين الجانبين دون جدوى، إذ قالت وسائل إعلام سعودية رسمية يوم الأحد إن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أجرى اتصالين مع البرهان وحميدتي ودعا إلى إنهاء التصعيد العسكري.
ودعت الولايات المتحدة والصين وروسيا ومصر والسعودية ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي إلى إنهاء فوري للأعمال القتالية التي تهدد بتفاقم حالة عدم الاستقرار في منطقة تشهد توتراً بالفعل.
وقال السودان في خطاب أمام الجامعة العربية يوم الأحد، إنه يتعين السماح للسودانيين بالتوصل لتسوية داخلية دون تدخل من المجتمع الدولي. بينما قالت القوات المسلحة على صفحتها على فيسبوك: "لا تفاوض ولا حوار قبل حل وتفتيت ميليشيا حميدتي المتمردة". وطلب الجيش من الجنود المنتدبين لدى قوات الدعم السريع أن يحضروا لوحدات الجيش القريبة؛ مما قد يؤدي إلى استنزاف صفوف قوات الدعم السريع إذا امتثلوا للأمر. وعلى الجانب الآخر، وصف حميدتي البرهان بأنه "مجرم وكاذب".
وانقطع بث التلفزيون السوداني الرسمي بعد ظهر يوم الأحد، في خطوة قال موظفون إنها تهدف إلى منع بث أي مواد دعائية لقوات الدعم السريع بعد أن دخل أفرادها المبنى الرئيسي لإذاعة وتلفزيون السودان في أم درمان واستخدموا شبكات الإذاعة لبث مواد مؤيدة للقوات شبه العسكرية.