من الأقوى الجيش السوداني أم قوات الدعم السريع، وكيف ستحسم هذه المعركة العنيفة بين الطرفين؟ يبدو هذا السؤال الأشد إلحاحاً لمتابعي الوضع في السودان، وسط تضارب كبير في الروايات بين الطرفين بشأن سير المعارك.
وبينما تقول قوات الدعم السريع إنها تسيطر على إقليم دارفور بالكامل وإقليم كردفان والقيادة العامة للقوات المسلحة، وقاعدة مروي العسكرية، يقول الجيش السوداني إنه قد تصدى لهجمات الدعم السريع وإن المعركة تحولت إلى مطاردة لها في شوارع العاصمة، إضافة لطرد قوات الدعم السريع من قاعدة مروي.
فما هي قصة قوات الدعم السريع التي تبدو أنها هي التي بادرت بمهاجمة قوات الجيش السوداني ويطالب قائدها محمد حمدان دقلو الجيش بالاستسلام، وهل هي أقوى من الجيش، وما هو السيناريو المرجح لهذه المعركة؟
جذورها تعود للجنجاويد ولكن حميدتي حوَّلها إلى قوات الدعم السريع
بدأ حميدتي حياته مع ميليشيات الجنجويد التي نفذت أسوأ الفظائع في إقليم دارفور بغرب البلاد، وهي الميليشيات التي ترتبط باسم موسى هلال المطلوب للعدالة الدولية والذي يقال إنه قريب لحميدتي.
وأدى الصراع، الذي بدأ في عام 2003، إلى تشريد الملايين وتسبب في وفاة ما يصل إلى 300 ألف شخص.
وحمل حميدتي السلاح لأول مرة في منطقة غرب دارفور بعد أن قتل رجال هاجموا قافلته التجارية نحو 60 شخصاً من عائلته ونهبوا الجمال، وفقاً لما ذكره محمد سعد المساعد السابق لحميدتي.
بدأت قوات حميدتي بنواة قوامها 5000 مقاتل مجهزين بألف سيارة عسكرية، حيث كان حميدتي زعيم إحدى ميليشيات القبائل العربية، الذي تم تهميشه خلال مفاوضات السلام في دارفور.
وثار غضبه عندما انقطعت رواتب جنوده لأكثر من ستة أشهر، أما نقطة الانفجار فكانت تعيين البشير لـ"ميني مناوي" المنتسب لقبيلة الزغاوة مستشاراً له، فتمرّد بنفسه على الرئيس السوداني عمر البشير.
بدأ حميدتي ثورته في أغسطس/آب 2007، حيث انشّق بأكثر من سبعين مركبة ثقيلة مدرعة، انصاعت الحكومة لتمرده وتحقّق حلم حميدتي ليس فقط في أن ينال كل المستحقات بأثر رجعي بل لأنه حمل لأول مرّة لقب عسكري "عميد".. وتحوّل من تاجر إبل وأمير حرب إلى قائد عسكري.
بدأت الميليشيا التابعة لـ"حميدتي" تزداد قوة ونفوذاً وعدداً مع كل يوم يمر عليها، مع تركيز الرئيس المخلوع "عمر البشير" عليها بصورة كبيرة ومدّها بالمال والسلاح بصورة مباشرة؛ لتكون خط الدفاع الأول ضد المجموعات المسلحة التي تحارب نظامه في غرب السودان، خاصة مع وصول هذه القوات إلى العاصمة الوطنية أم درمان ومحاولتهم التقدم إلى القصر الرئاسي في العاصمة الإدارية الخرطوم في شهر مايو/أيار من العام 2008، في عملية فاجأت كثيرين وأولهم الرئيس والجيش.
وبعد ذلك حققت قوات الدعم السريع انتصارات عسكرية لاحقاً على فصائل التمرد في معارك عدّة، معركة دونكي البعاشيم في 2014 ضد قوات تحرير السودان فصيل أركو مناوي..
بعض المتابعين يؤكدون بروز طموح سياسي للرجل منذ الفترة التي أعقبت أشهر معاركه ضد حركات دارفور. معركة "قوز دنقو" التي وقعت في العام 2015 بين "قوات الدعم السريع" و"حركة العدل والمساواة" التي تُعد من أكبر الحركات المسلحة في دارفور. كانت تلك المعركة قاصمة لظهر حركة العدل والمساواة، وبالمقابل حصد بعدها حميدتي رصيداً عسكرياً وسياسياً ضخماً.
هذه المعارك أثبتت الكفاءة القتالية لتلك الميليشيات.
وتم إضفاء الشرعية على ميليشيات حميدتي. وحصل على رتبة عسكرية وكان له مطلق الحرية في السيطرة على مناجم الذهب في دارفور وبيع أثمن موارد السودان. وبينما توالت الأزمات الاقتصادية على البلاد، أصبح حميدتي ثرياً.
أصبحت قوات الدعم السريع، قوة نظامية بقانون خاص بها أجازه البرلمان مطلع 2017، تحولت بموجبه من قوة مقاتلة تابعة لجهاز الأمن إلى قوات نظامية تتبع القوات المسلحة السودانية.
حلفاء البرهان
خصومه يقولون إن القاهرة أبرز داعميه
بينما ينظر إلى الدول العربية الرئيسية مثل مصر وأغلب دول الخليج بأنهم حلفاء لمجمل القوى العسكرية الحاكمة في السودان بقيادة البرهان وحميدتي، معاً، فإن مواقف هذه الدول قد تتباين في حال الخلاف بين الرجلين.
ويعتقد أن أبرز الحلفاء الخارجيين للبرهان هم مصر، فتاريخياً، الدولة المصرية، تميل للتعامل مع المؤسسة العسكرية وتنفر من الميليشيات، وزاد هذا التوجه بعد تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي السلطة، ولن يُنسى مشهد تأدية البرهان للسيسي التحية العسكرية في لقاء بينهما، في مؤشر على حميمية العلاقة بين الطرفين.
ويقول باتريك سميث، محرر مجلة Africa Confidential: "إن المصريين يفضلون البرهان بسبب تلقي تدريباته العسكرية في القاهرة"، حسبما نقل عنه تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
في عام 2021، وسط حديث عن خلاف مماثل،"جمعت القاهرة البرهان وحميدتي في أعقاب نذر انفجار بين الجيش وقوات الدعم السريع" حسبما قال جوناس هورنر، كبير محللي شؤون السودان في Crisis Group، لموقع Middle East Eye البريطاني.
رغم أنه لا يعتقد أن هناك خلافاً بين القاهرة وحميدتي، ولكن نهج مصر التقليدي يرجح انحيازها للبرهان، كما أنه من الواضح أن حميدتي يحاول استغلال المخاوف من قبل القوى المدنية من دعم مصر للعسكريين، إضافة لبعض الحساسيات التاريخية بين البلدين، من أجل شحذ الشعور الوطني السوداني ضد أي تدخل مصري بالقول إنه احتلال مثلما بدا مما قاله أفراد من الدعم السريع في الفيديوهات التي صورت مشاهد اقتحامهم لقاعدة مروي، ولكن حميدتي نفسه لم يوجه أي انتقاد لمصر، وشدد على أن الأسرى المصريين في مأمن، فيما يبدو أنه تقسيم أدوار بينه وبين رجاله.
ومن الواضح حتى الآن أن القاهرة تحاول تقديم نفسها كطرف محايد في الصراع، ولا يعرف ذلك هل هذا موقف دائم أم أنه خوفاً على الجنود المصريين الأسرى بأيدي حميدتي، إضافة للبعثة الدبلوماسية المصرية والجالية هناك.
الجيش يُتهم بمحاولة جذب أنصار النظام السابق
يتهم مقربون من حميدتي البرهان وقيادة القوات المسلحة بالسعي عقب الإطاحة بحكومة حمدوك، لتعزيز سيطرته على مفاصل الخدمة المدنية وحسم الصراع حولها بتجميد أعمال لجنة تفكيك نظام 30 يونيو/حزيران، وإعادة نظام الإسلاميين عبر قرارات قضائية للحد من سيطرة حميدتي عليها.
وتنقل صحيفة سودان تريببيون عن مستشار سابق لحميدتي أن مسألة إعادة "الإسلاميين" ومنسوبي النظام السابق لوظائفهم بالخدمة المدنية، ذات أهمية بالغة في التأثير على أحلام قائد الدعم السريع من منطلق مشاعر الكراهية التي لا يخفيها الإسلاميون لحميدتي.
ولكن قد يكون هذا التسريب متعمداً من قبل حميدتي في إطار محاولته اجتذاب القوى اليسارية والليبرالية المعادية للإسلاميين، خاصة أنه يبدو أنه أصبح يحاول التحالف معهم حالياً.
حلفاء حميدتي
دول الخليج تميل له، فهل تستمر في هذا الموقف؟
بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر حسن البشير من السلطة، في عام 2019، أصبح حميدتي نائب البرهان في الجانب العسكري من الحكومة.
رغم علاقات السعودية والإمارات القوية مع البرهان، يقول باتريك سميث، محرر مجلة Africa Confidential: "حميدتي محارب الصحراء الثري هو أكثر ملاءمة للأذواق الخليجية خاصة للإمارات".
ويقال إن حميدتي مقرب من رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد، وسط تقارير أن السودان يصدّر 16 مليار دولار من الذهب إلى الإمارات كل عام، حسب موقع ميدل إيست البريطاني.
كما يعتقد أن لدى حميدتي علاقة جيدة مع السعودية، حيث ساهم حتى قبل سقوط البشير في نقل المقاتلين السودانيين لحرب اليمن.
في فترة من الفترات، شمل التعاون بين حميدتي والإمارات توريد المرتزقة للقتال بجانب أمير الحرب خليفة حفتر في ليبيا.
ولكن في الوقت الحالي خفّت حاجة دول الخليج لحميدتي مع توقف استخدام المقاتلين في اليمن وليبيا.
روسيا.. علاقة عبر الذهب وفاغنر
تشمل مصالح روسيا في السودان التعدين – وخاصة الذهب – وصادرات القمح والأسمدة الروسية للسودان.
يقول Middle East Eye البريطاني إن وجود مجموعة فاغنر في السودان والمنطقة المحيطة أمر مثبت.
ويُعتقد أن حميدتي مرتبط بفاغنر، من خلال ميليشيا قوات الدعم السريع وله علاقات وثيقة مع موسكو، التي زارها مع بدء الحرب في أوكرانيا.
وهناك تقارير غير مؤكدة عن توفير الروس لتدريب قوات الدعم السريع، إضافة لتقديم موسكو عربات مدرعة لها.
أوروبا.. اتهامات بتمويل ميليشيات الجنجاويد سابقاً
رغم أن أوروبا ملأت العالم صراخاً ضد مذابح دارفور المرتكبة من قبل الجنجاويد، إلا أن صحفاً غربية تتهم الأوروبيين بتمويل قوات الدعم السريع سليلة الجنجاويد لفترة لتقوم بوقف الهجرة غير الشرعية عبر السودان، عبر ما يعرف بعملية الخرطوم.
ولكن يظل نفوذ أوروبا في السودان محدوداً ويرتبط بالجانب الاقتصادي وأقرب للموقف الأمريكي، الذي يبدو أقرب للحياد بين الرجلين، مع توقع أن الغرب بصفة عامة يفضل مخاطبة العسكريين النظاميين على الميليشيات رغم جهود حميدتي لتلميع صورته في الخارج.
اختراق المؤسسات الحكومية
هناك صراع نفوذ بين البرهان وحميدتي على مؤسسات الخدمة المدنية.
وداخل دوائر الحكومة، بدأت تحركات الدعم السريع لترسيخ نفوذها بعد إضراب شهير أعقب سقوط نظام البشير، نفذه العاملون في الكهرباء تدخل إثره القائد الثاني لقوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو لإيقاف الإضراب، حينما قام بزيارة العاملين ومخاطبتهم.
ومنذ تشكيل الحكومة الانتقالية الأولى بدأ حميدتي في وضع أولى خطواته نحو تثبيت دعائم السيطرة على الخدمة المدنية، وبخلاف التضييق الاقتصادي كمدخل للسيطرة على العمل العام والموظفين، استبق حميدتي، البرهان بمحاولة للتقرب لقطاعين مهمين هما المعلمون، والعاملون في الكهرباء، حسب صحيفة سودان تريبيون.
لكن يعتقد أن محاولات حميدتي أصيبت بنكسات بسبب جهود البرهان المضادة، وكذلك توريطه لحميدتي في عدد من الملفات الحكومية الصعبة مثل الاقتصاد في بعض الأوقات، والتي لم تكلل جهود حميدتي فيها بنجاح كبير.
وإضافة لجهوده في اختراق المؤسسات الحكومية، فإن حميدتي لديه ما يشبه حكومته الخاصة.
وسبق أن كشفت مصادر قريبة من موظفين يعملون مع حميدتي، أن الأخير يوظف بين 5-8 آلاف شخص، في تخصصات مختلفة ويعملون في شركات تجارية وصناعية وإعلامية ومنظمات.
ينال هؤلاء الموظفون بحسب المصادر نحو (600) ألف دولار، تتلقاها المؤسسات الإعلامية التابعة للدعم السريع.
ويتصل مستشارون لحميدتي بمجموعة من الصحفيين، يتم تقديمهم كمؤيدين لقائد قوات الدعم السريع، كما يقودون خط الدفاع الإعلامي عنه، بمثل ما يعمد بعض العسكريين بمجلس السيادة لخطوات مشابهة.
بعض الحلفاء الداخليين لحميدتي هم أعداؤه السابقون في دارفور
يطلق على القوات المتمردة السابقة في أنحاء السودان التي تصالحت مع الحكومة اسم قوى الكفاح المسلح، ورغم صراعها السابق في الجنوب والشرق والغرب، مع الحكومة لعقود في بعض الأحيان، يعتقد أن أغلبها أقرب للنظام منها للمعارضة المدنية، رغم أنها تصنف نفسها كمعارضة.
وكانت مواقف هذه القوى أداة لإفشال وإفساد كثير من الاتفاقات عادة بين الجيش والقوى المدنية، ومنحت الفرصة للتنصل من وثيقة نقل السلطة الرئيسية المبرمة في عام 2019، وتعديلها وإطالة الفترة الانتقالية ومنع تسليم البرهان رئاسة مجلس السيادة لعضو مدني.
وداخل النظام يعتقد أن قوى الكفاح المسلح أقرب لحميدتي من البرهان والجيش، رغم حقيقة أن هذه القوى مشهورة بتقلب مواقفها، (مثل مشاركة بعضها في الانقلاب ضد حمدوك ثم انتقاده لاحقاً).
ويعمد حميدتي للعب على التوتر والتناقضات الإقليمية السودانية، محاولاً تقديم نفسه كممثل لإقليم دارفور بغرب السودان، فرغم تورطه في الحرب الأهلية بالإقليم بين القبائل العربية والإفريقية، فإنه تصالح مع زعماء الحركات الدارفورية، وأصبح حليفهم إن لم يكن راعيهم.
بل إن حميدتي يقدم نفسه كممثل للغرب السوداني برمته المهمش تاريخياً والذي يقال إن وزنه السكاني قد زاد، مقابل ما يصفه بسيطرة الوسط السوداني، وأحياناً يرسل إشارات لإعادة إنتاج الصراع التاريخي بين أولاد البحر (النيل في وسط السودان) والغرب.
يعبّر طموح حميدتي في الصعود لسدة السلطة – وهو المنحدر من كبرى قبائل دارفور العربية – عن مشاعر تيار عريض لا ينتمي جغرافياً إلى ما يُعرف بالوسط النيلي (وسط السودان) وهي المنطقة التي سيطرت نُخبها على حكم الدولة السودانية منذ الاستقلال وحتى حكومة البشير.
ولكن الحركات الدارفورية بدأت تبتعد عن حميدتي وأصبحت مواقفها أقرب للجيش خاصة عبر تأسيسها لائتلاف الحرية والتغيير- الكتلة الديمقراطية التي يطالب البرهان بضمها لاتفاق تسليم السلطة وهو ما يرفضه ائتلاف الحرية والتغيير- المجلس المركزي
ائتلاف الحرية والتغيير-المجلس المركزي حليف جديد لحميدتي
يقدم حميدتي نفسه أحياناً كخصم للإسلاميين، ثم أحياناً يغازلهم، وفي فترات يبحث عن علاقات مع قطر وتركيا بعيداً عن الإمارات.
وفي الوقت الحالي يبدو أن حميدتي يتجه لمغازلة القوى المدنية في صراعه المحتمل مع البرهان.
وقدم حميدتي خلافه مع البرهان على أنه بسبب رفض الأخير تنفيذ الاتفاق الإطاري الأخير مع ائتلاف الحرية والتغيير فصيل القيادة المركزية، ومطالبة البرهان بتوسيع المشاركين في الاتفاق، الأمر الذي سيضعف احتكار هذا الفصيل لتمثيل القوى المدنية في السلطة، وينظر لهذا الفصيل؛ أي ائتلاف الحرية والتغيير- القيادة المركزية على أنه قريب لحميدتي بينما ينظر لائتلاف الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية على أنه حليف للبرهان.
مصادر دخل قوات الدعم السريع
يعتقد أن قوات الدعم السريع تتلقى أجورها من وزارة المالية السودانية مثل الجيش السوداني، ولكن إضافة لذلك فلدى حميدتي وعائلته موارده المالية الخاصة التي يعتقد أنه ينفق منها على قوات الدعم السريع.
ويسيطر حميدتي وأشقاؤه حالياً، وأبرزهم عبد الرحيم حمدان دقلو، على مناجم الذهب في دارفور، عبر ما يعرف بشركة الجنيد التي تدر أموالاً طائلة، تجعله على الأرجح أغنى رجل في السودان، وتمكنه من الاستثمار على تعزيز نفوذه في كل أقاليم البلاد ومؤسساتها.
تستفيد قوات الدعم السريع وحميدتي من دورهما كمورد للمرتزقة، لليبيا واليمن وحتى جنوب السودان، حيث أفيد في عام 2018، بأنه تم التوصل إلى اتفاق بين وزيري نفط السودان، وجنوب السودان يقضي بنشر قوات الدعم السريع لحماية حقول النفط في جنوب السودان.
بعد أن طلب الاتحاد الأوروبي مساعدة الحكومة السودانية في وقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا، تم تجنيد قوات الدعم السريع لتسيير دوريات على الحدود. على الرغم من أن قوات الدعم السريع شرعت نفسها من خلال إظهار أنها عامل فعال في السيطرة على تدفقات المهاجرين، إلا أنها تلعب دوراً مزدوجاً – بمزاعم أنها تبيع المهاجرين للتجار الليبيين، حسب تقرير لمؤسسة الفكر الهولندية Clingendael.
ووجدت الشهادات التي تم جمعها من المهاجرين وأعضاء قوات الدعم السريع من قبل Clingendael أن قوات الدعم السريع أخذت أموالاً من المهاجرين مقابل استخدام مركبات الجيش السوداني لتهريبهم في ليبيا.
وتحدث تحقيق أجرته صحيفة The New York Times الأمريكية عام 2018 مع مهربين، قالوا إن قوات الدعم السريع شاركت أيضاً في تسليم المهاجرين إلى الميليشيات الليبية، الذين سيعذبونهم ويحتجزونهم مقابل فدية، قبل تقاسم الأموال مع قوات الدعم السريع.
من الأقوى الجيش السوداني أم قوات الدعم السريع؟
أسلحة الجيش السوداني
أفاد المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في عام 2007 أن القوات المسلحة السودانية لديها 200 دبابة قتال رئيسية T-54/55 و70 دبابة تي 62.
في عام 2011، كان يعتقد أن الجيش السوداني لديه: 20 دبابة M-60 أمريكية الصنع، و270 T-54/55 سوفييتية الصنع، و60 دبابة Type 59 (نسخة صينية من الدبابة السابقة) و10 دبابات من نوع البشير وهي نسخة مرخصة من الدبابة الصينية Type 85M-II، حسبما أفاد المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.
بالإضافة إلى ذلك، تم الإبلاغ عن برنامج تحديث يدعي 'Digna'a للدبابة السوفيتية القديمة T-55. ويعتقد أن الدبابات الصينية Type-96، هي أحدث ما لدى الجيش السوداني من دبابات ولكن لا يعرف عددها.
ولدى القوات الجوية السودانية 20 طائرة من طراز Nanchang Q-5، الصينية الأبطاً من سرعة الصوت، و8 طائرات صينية إف 6 (نسخة من المقاتلة السوفييتية ميغ 19)، و4 مقاتلات ميغ 21، و3 مقاتلات ميغ 23 السوفييتية، أما القوة الضاربة للقوات الجوية السودانية فهي 3 من القاذفات الأسرع من الصوت سوخوي 24، و10 مقاتلات ميغ 29، و14 من طائرات الدعم الأرضي سوخوي 25 الروسية الصنع، ولا يعرف عدد الطائرات العاملة من الترسانة السابقة.
ويقدر إجمالي عدد أفراد الجيش السوداني بنحو 109 آلاف بما في ذلك قوات جوية وبحرية.
ما هو عدد قوات الدعم السريع ونوعية أسلحتها؟
في عام 2019، كانت التقديرات تشير إلى أن عدد قوات الدعم السريع تبلغ نحو 40 ألفاً.
بعد ذلك بنحو عامين، قال اثنان من العاملين الحقوقيين السودانيين، الذين يتبعون القوات شبه العسكرية، إن حجم قوات الدعم السريع تضاعف خلال ثلاث سنوات إلى ما لا يقل عن 100 ألف مقاتل؛ وهو ما يجعلها قريبة في الحجم من قوات الجيش (البالغ عددها نحو 109 آلاف جندي)، وقد يعني ذلك غالباً أنها قد تفوق القوات البرية السودانية في الحجم.
وأضاف الحقوقيان أن قوات الدعم السريع اشترت أسلحة عالية التقنية، علماً أن المجموعة لا تنشر أرقام الموظفين الرسمية، حسبما نقلت عنهما صحيفة Washington Post الأمريكية.
ومع هذه القدرات المتزايدة، يقول الباحثون الحقوقيون إن هذه القوات شبه العسكرية تمكنت من ترسيخ سيطرتها على الحدود الغربية والشمالية، المليئة بالثغرات في السودان، ما سمح لها بالاستفادة من تهريب الأسلحة والمخدرات والمهاجرين مع تقلص نفوذ الجيش.
كما تفيد تقارير بشراء المملكة العربية السعودية لأسلحة من أوروبا وتحديداً صربيا، ونقلها لقوات حميدتي عندما كانت تقاتل في اليمن، حسبما ورد في تقرير لموقع Bellingcat الهولندي المتخصص في متابعة الحقائق.
يعتقد أن أغلب أسلحة قوات الدعم خفيفة ومتوسطة، وهي تتركز في عربات دفع رباعي (هناك تقديرات تفيد بأن عددها نحو 10 آلاف عربة) كثير منها محمول عليها رشاشات ثقيلة أو قاذفات "أر بي جي"، يمكن أن يستخدم بعضها ضد الدبابات، وأنظمة صواريخ قصيرة المدى تطلق من أنظمة متعددة الفوهات.
وأفادت تقارير أن حميدتي بنى أسطولاً من المركبات المدرعة وحصل على طائرات مسيرة، وفقاً لمحمد عثمان، الباحث المسؤول عن السودان في منظمة هيومن رايتس ووتش، حسبما نقلت عنه صحيفة The Washington Post الأمريكية.
في ظل الحديث عن تحديث قوات الدعم السريع لترسانتها لا يعرف، هل اشترت صواريخ مضادة للطائرات محمولة على الكتف أم لا.
لا تقارن هذه الأسلحة بأسلحة الجيش السوداني الثقيلة، ومن الواضح أن الجيش السوداني استخدم هذه الأسلحة الثقيلة لصد هجوم قوات الدعم.
لكن الجيش السوداني يعاني من تداعيات عقود من الحروب والتسييس ونقص الأموال، وقلة الأسلحة، خاصة في ظل الحصار الغربي.
كيف ستحسم المعركة؟
نلاحظ أن عدد القوتين متقارب على الأرجح، ولكن الجيش السوداني لديه المدرعات والطيران، وهو نقطة قوة قوية لصالحه، وكان حميدتي صريحاً في الكشف عن أن هدف هجومه الأول (الذي يكاد يقر بأنه باغت الجيش به) هو القضاء على طائرات الجيش السوداني لمنع استخدامها ضد الدعم السريع.
ولا يعرف إلى مدى حقق نجاحاً في هذا الصدد، ولكن من الواضح أن استخدام الطيران من قبل الجيش السوداني مازال قائمًا، ولكن بشكل محدود، كما أن عدد الطائرات القليلة للجيش السوداني، يقلل فاعليتها، ويتيح لقوات الدعم السريع فرصة لتدميرها عن طريق التسلل والتخريب أو القصف البعيد.
وبينما تعطي المدرعات والمدفعية ميزة كبيرة للجيش السوداني، ولكن هذا سيكون في الأماكن المفتوحة أو لدى دفاع الجيش عن مواقعه أو الهجوم على معسكرات الدعم، ولكن في حروب الشوارع التي يبدو أن المعركة في السودان تتحول لها، فلقد يمثل ذلك مشكلة للجيش في مواجهة قوات الدعم التي أثبتت مرونة وقدرة كبيرة خلال صراع دارفور الذي أخفق الجيش السوداني في حسمه، بينما حسمته الدعم السريع، والتي انتصرت في كل المعارك التي خاضتها منذ نشأتها.
وإذا لم يحدث انهيار مفاجئ في أي من الطرفين لأسباب معنوية في الأغلب، (أو خيانة داخلية) أو تدخل خارجي واسع، فإن المعركة مرشحة لأن تطول.
قد تلجأ قوات الدعم السريع للخروج من معسكراتها حتى تتجنب القصف بالطائرات والدبابات، ولكن هذا سيخلق لها مشكلة لوجستية فيما يتعلق بالوقود والطعام والذخيرة، وقد تلجأ للرد بالاستيلاء عليها من مراكز التموين العسكرية والمدنية، وهو ما قد يؤدي لفوضى كبيرة في البلاد.
وحتى لو استطاع الجيش السوداني طرد قوات الدعم السريع من الخرطوم (التي تعد هذه القوات غريبة بها)، وكل مجمل وسط السودان، فهناك خطر أن تتراجع قوات الدعم السريع لغرب السودان، وفي ظل محاولات حميدتي لاستقطاب الحركات الدارفورية فإن تركيزه على الخطاب القائم على إنهاء تهميش الغرب وإنهاء سيطرة الوسط على مقاليد الحكم، قد يعني إمكانية سيطرته على الإقليم ومحاولة الانفصال به بشكل من الأشكال، رغم أن الحركات الدارفورية لا يبدو أنها تتجاوب معه حتى الآن.
كما أن كثيراً من الحركات المسلحة حتى تلك المهادنة للحكومة قد تستغل انشغال الجيش السوداني بالحرب مع قوات الدعم السريع لإطلاق دعوات أو حتى تحركات مسلحة مثلما يمكن أن يحدث في منطقة جبال النوبة جنوب كردفان أو في شرق السودان.