يتنافس السياسي التركي المعارض محرم إنجة في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في تركيا يوم 14 مايو/أيار 2023، وهو واحد من 4 مرشحين رئاسيين من بينهم الرئيس رجب طيب أردوغان، ومرشح الطاولة السداسية المعارض كمال كليجدار أوغلو، ومرشح تحالف الأجداد اليميني المتشدد سنان أوغان.
ليست هذه المرة الأولى التي يتنافس فيها إنجة أمام أردوغان بل الثانية، حيث أعلن ترشحه لأول مرة للانتخابات الرئاسية في انتخابات يونيو/حزيران 2018، عن حزب الشعب الجمهوري حينما كان من أهم قياداته الأولى قبل أن يغادره ويؤسس حزباً خاصاً باسم "البلد".
خسر إنجة المنافسة أمام أردوغان في 2018 من الجولة الأولى وبفارق كبير، حيث لم يحصل على أكثر من 30%، واشتهر بخلافاته مع كليجدار أوغلو، وتصريحاته المثيرة للجدل، ومعارضته للحكومة والمعارضة على حد سواء، فمن هو محرم إنجة؟
محرم إنجة السياسي المعلّم
ولد محرم إنجة في 4 مايو/أيار عام 1964 بقرية إلماليك في ولاية يالوفا شمال غربي تركيا، وهو الابن البكر لوالديه، ويقول إن والدته زكية سمته "محرم" لأنه "ولد في شهر محرم المبارك مع أذان الفجر".
درس مراحل الابتدائية والمتوسطة والإعدادية والثانوية في يالوفا، ولأن عائلته كانت فقيرة اضطر للعمل بمختلف المهن والحرف كما يقول، فيما تخرج في كلية التربية بجامعة أولوداغ في قسم الفيزياء والكيمياء، حيث قرر أن يصبح معلماً، ليعمل لاحقاً في التدريس والقطاع التربوي سنوات عديدة.
وكثيراً ما يفخر إنجة بأنه معلم وأنه اشتغل في التدريس، كما يقول إن أزمات تركيا لا يمكن أن يصلحها غير معلم.
من أبرز اسم في الحزب إلى الانشقاق عنه
دخل إنجة ميدان السياسة من بوابة الشعب الجمهوري، وتولى لأول مرة منصب رئيس مقاطعة في الحزب عام 1999 عن مدينة يالوفا، وفي عام 2002 اُنتخب إنجة نائباً برلمانياً لحزب الشعب الجمهوري عن مدينة يالوفا، مما أتاح له دخول البرلمان التركي، وظل نائباً فيه حتى منتصف 2018.
تولى إنجة العديد من المناصب في الحزب ونافس زعيم الحزب كليجدار أوغلو مرتين على رئاسة الشعب الجمهوري دون نجاح، وكان المرشح الرئاسي عن الحزب في انتخابات 24 يونيو/حزيران 2018.
بعد خسارته الانتخابات ومقعده البرلماني من حزب الشعب الجمهوري، وبعد فشله في إزاحة كليجدار أوغلو عن إدارة الحزب، أطلق إنجة "حركة البلد" في 4 سبتمبر/أيلول 2020 من مدينة سيواس التي تحمل رمزية تزامنت مع الذكرى الـ101 لانعقاد مؤتمر سيواس، حيث كان أحد أهم معالم تأسيس الجمهورية على يد مصطفى كمال أتاتورك.
وكانت الحركة تحمل عنوان 1000 يوم، حيث كان يريد إنجة أن يتنقل بين المدن والقرى التركية ويلتقي الناس من أجل القيام بحركة جديدة عقب خسارة المعارضة في 2018.
لكن قبل أن يمضي عام واحد على الحركة، أعلن إنجة استقالته من حزب الشعب الجمهوري في 8 فبراير/شباط 2021، ليحول حركته إلى حزب رسمي تحت اسم "البلد".
اختلاف الطرق
أوضح إنجة في خطاب استقالته من الشعب الجمهوري في 2021 أنه قرر شق طريقه بعيداً عن "المزيفين من الشعب الجمهوري"، وقال: "الآن أنهي طريقي مع الذين لا يمكنهم استيعاب الوطن الأزرق، والذين يحمون منظمة غولن الإرهابية، والذين يتأسفون على مساعدة تركيا لأذربيجان، والذين يعقدون آمالهم على الولايات المتحدة للحصول على الديمقراطية، والذين يتساءلون ما الذي نفعله في ليبيا".
وعلى الرغم من أن شخصيته وأفكاره القريبة من اليمين كانت عاملاً وراء مغادرته الحزب، إلا أن الدافع الأكبر كان بسبب خلافه مع رئيس الحزب كليجدار أوغلو، والتنافس بين الرجلين على قيادة الحزب، حيث كان إنجة يطمح بشدة لتولي قيادة الشعب الجمهوري، ويرى في منافسه أنه فقد قدرته على مواصلة زعامة الحزب بسبب الخسارات المتتالية التي مُني بها أمام العدالة والتنمية الحاكم.
وترشح إنجة أكثر من مرة أمام كليجدار أوغلو للتنافس على رئاسة الحزب، إلا أن "اللوبي" الذي يعمل لصالح الأخير كان عائقاً أمام فوز إنجة؛ وهو ما دفعه في نهاية المطاف إلى شق طريق جديد.
وكان إنجة في خطاب الاستقالة ذاته، ألمح إلى ذلك حينما قال مخاطباً كليجدار أوغلو: "بينما يتوجب عليك تقديم استقالتك من رئاسة الحزب، فلماذا لا تزال تجلس فوق الكرسي إلى الآن؟".
ورأى إنجة أن حزب الشعب الجمهوري بات بعيداً عن قيمه الأصلية، مشيراً إلى أن حزباً لا يمكنه تبني ديمقراطية داخل الحزب، لا يمكنه خداع الشعب ولا احتواؤه. وأضاف إنجة أن "الشعب الجمهوري لا قيمة له الآن، ويعاني من انحرافات أيديولوجية. هناك فجوة عميقة بين قاعدة الحزب وأعضائه".
إلى جانب ما سبق، تبرز قضية أخرى تعتبر عنصر خلاف كذلك بين محرم إنجة وحزبه السابق، وهي ما يتعلق بالتحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي "الكردي" والمتهم بأنه محسوب سياسياً على حزب العمال الكردستاني، ويعتبر إنجة من أشد الرافضين لهذا النوع من التحالف.
ويتفق إنجة في ذلك مع حزب الجيد بقيادة ميرال أكشنار، وحزب الحركة القومية دولت بهجلي، وبقية أحزاب اليمين ووسط اليمين بما في ذلك حزب العدالة والتنمية الحاكم.
انتخابات 2023
في خضّم الاستعداد لانتخابات رئاسية وبرلمانية توصف بالمصيرية في مايو/أيار 2023، قطع إنجة كل الظنون التي توقعت انضمامه إلى تحالف الطاولة السداسية المعارض، ورجّح أن يبقى مستقلاً، وأن يترشح للانتخابات الرئاسية معلناً حربه على الحكومة والمعارضة معاً.
حيث يهاجم إنجة الحكومة والمعارضة، على حد سواء، ويرى أن جميع المرشحين الرئاسيين الأربعة بمن فيهم أردوغان لا يمكنهم حسم الانتخابات من الجولة الأولى، كما يزعم بأنه سيصل إلى الجولة الثانية وسيكون منافسه كليجدار أوغلو، وأنه سيفوز هو في النهاية بمنصب الرئيس.
ويرى إنجة أنه مقرب من شريحة الشباب بشكل أكبر من باقي الشرائح الانتخابية، وأفاد بأن السنّ القانونية للتصويت لو تم تخفيضها إلى سن 15 عاماً، فإنه سيفوز في الانتخابات من الجولة الأولى، على حد تعبيره.
ويهاجم إنجة الحكومة ويرى أنها فشلت في إدارة ملفات الاقتصاد والعدالة والسياسة الداخلية، لكنه يبدو أقرب لآراء الحكومة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، حيث يعتبر من المدافعين عن إرسال قوات تركية إلى الخارج مثل سوريا والعراق وليبيا، والدفاع عن حقوق تركيا من الطاقة في شرق المتوسط.
ومع ذلك فهو يعارض الحكومة بشدة في سياسة الهجرة، ويعد بترحيل السوريين الموجودين في تركيا إلى بلادهم إذا فاز بالسلطة، وإعادة التطبيع مع النظام السوري؛ مما يجعل خطابه في هذا الصدد لا يختلف عن الخطاب العنصري الذي تنتهجه العديد من أحزاب المعارضة.
في الوقت ذاته، يهاجم إنجة أحزاب المعارضة لا سيما الشعب الجمهوري حزبه القديم، ويعد بأنه سيطرد الحكومة والمعارضة من الساحة على حد سواء حينما يصل إلى السلطة، ويرفع شعاراً انتخابياً قريباً من هذه الفكرة، حيث يقول: "لا تحالف الجمهور ولا تحالف الأمة، بل حزب الوطن".
استطلاعات الرأي
رغم أن إنجة يبدو واثقاً من أنه سيفو في الانتخابات الرئاسية أمام بقية المرشحين الثلاثة، إلا أن استطلاعات الرأي تشير إلى نتائج مغايرة، ووفقاً لـ29 استطلاع رأي أجرتها شركات مختلفة منذ سبتمبر/أيلول 2022 حتى مارس/آذار 2023، لم يحصل إنجة على أكثر من 5.6% وهو رقم تفردت به شركة "تركيا رابور" بينما بقية الشركات لم تمنحه أكثر من 3% على أبعد تقدير.
وبحسب استطلاعات رأي لشركات مختلفة، نقلتها صحيفة جمهوريت في 30 مارس/آذار الماضي، أظهرت أن إنجة لم يحصل على أكثر من 1% فقط.
في حين منحه أحدث استطلاع رأي أجرته شركة "ASAL" في 4 أبريل/نيسان الحالي، نسبة 4.2%.