في دول العالم، هناك كثير من الكنائس والكاتدرائيات والأديرة التي تحولت عبر الزمن إلى مساجد للمسلمين، والعكس صحيح أيضاً، ولكن هل سمعتم من قبل بمسجد يقع داخل كنيسة؟ إنه المسجد الفاطمي في مصر، الذي يقع داخل دير سانت كاترين، والاثنان لا يزال يعملان حتى يومنا هذا.
قصة بناء المسجد الفاطمي في سيناء
على سفوح جبل سيناء عند أسفل جبل كاترين أعلى الجبال في مصر، وحيث تلقى سيدنا موسى الوصايا العشر من الله، يقع أحد أقدم الأديرة العاملة في العالم، فيما يُعرف باسم دير سانت كاترين، واسمه الفعلي هو "دير الله المقدس لجبل سيناء"، وداخل هذا الدير الذي يُقال عنه إنه أقدم دير في العالم، يوجد مسجد يدعى "المسجد الفاطمي".
بداية، بُني دير سانت كاترين بأمر من الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول في الفترة ما بين عامي 548 و565 ميلادية؛ وذلك من أجل إيواء الرهبان الذين كانوا يعيشون في شبه جزيرة سيناء منذ القرن الرابع الميلادي.
وسمي الدير على اسم قديسة الإسكندرية "كاترين" التي وجد رهبانها جسدها بالقرب من الجبل، إذ يعتقدون أن الملائكة هي من وضعت جسدها هناك بعد موتها، وفقاً لما ذكرته وزارة السياحة والآثار المصرية.
ويضم الدير هياكل متعددة، أهمها كنيسة "تجلي السيد المسيح المخلص" التي تضم في حد ذاتها تسع كنائس أصغر منها، إضافة إلى 10 كنائس أخرى، وأماكن إقامة الرهبان، وصناديق عظام الموتى، ومكتبة تضم كتباً نادرة و6000 مخطوطة، إضافة إلى أن الدير يضم أيضاً المسجد الفاطمي.
أما بالنسبة للمسجد الفاطمي، فقد بُني داخل دير سانت كاترين في عام 1106 ميلادية بأمر من الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله.
ووفقاً لوزارة السياحة والآثار المصرية، فإنّ بناء المسجد داخل الدير كان نتيجة العلاقة الطيبة بين المسلمين والمسيحيين التي شهدت ذروتها في زمن الخلافة الفاطمية.
وأضاف الموقع الرسمي للوزارة أن المسجد بعد بنائه أصبح محطة للحجاج في طريقهم إلى مكة، حتى إنهم تركوا كتابات تذكارية عديدة ما زالت على محراب الجامع إلى الآن.
من جهته قال الدكتور أسامة صالح، مدير منطقة آثار رأس سدر بجنوب سيناء، في ورقة بحثية نشرت في عام 2022 تحت اسم "أضواء جديدة على الجامع الفاطمي": "إنّ بناء الجامع تم في عهد الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله، بعد دخول عدد كبير من أفراد قبيلة الجبالية في الإسلام ورغبتهم في وجود مكان آمن للعبادة، وبحكم عملهم الدائم في خدمة الدير ورهبانه تم بناء الجامع داخل الدير".
وأكد وفقاً لما نقلته صحيفة "المصري اليوم"، أنَّ المسجد لا يزال قائماً هناك حتى اليوم، وقد شيد لخدمة الحجاج المسلمين الذين كانوا يزورون دير سانت كاترين وجبل موسى في طريقهم نحو الأراضي المقدسة، وأنّ الرهبان المسيحيين كانوا أيضاً يساعدون الحجاج المسلمين ويزودونهم بما يحتاجون من أطعمة ومياه وملابس.
في حين تدعي رواية أخرى غير مؤكدة، أن المسجد كان في الأصل عبارة عن مبنى يعود إلى القرن السادس الميلادي، وهو تاريخ بناء الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول للدير، وكان يُستخدم كحجرة للطعام.
وتدعي هذه الرواية أن الرهبان حوّلوا هذا المبنى إلى مسجد في القرن الـ11 شكلياً؛ خوفاً من أن ينال الدير أي سوء نتيجة لأي فتن قد تحدث بين المسيحيين والمسلمين.
الرهبان المسيحيون كانوا يتكفلون بعمليات تجديد المسجد وترميمه
ووفقاً لما ذكره أحد المواقع السياحية المصرية على الإنترنت، فإن الرهبان المسيحيين كانوا على مر التاريخ يعتنون بالمسجد ويرممونه، إذ كانوا يستصدرون تصاريح من الأئمة والفقهاء المصريين للحصول على فتوى تجيز للرهبان ترميم المسجد على نفقتهم الخاصة.
واستشهد الموقع بإحدى الوثائق التي تحمل رقم "229" والتي يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر والتي تحتوي على فتاوى من الفقهاء الأزهريين للسماح للرهبان بترميم المسجد.
أبرز معالم المسجد الفاطمي في سيناء
ووفقاً لما ذكره موقع Medium الأمريكي، فإن المسجد يقع في الجزء الشمالي الغربي من الدير المسيحي، مقابل الكنيسة الرئيسية "تجلي المسيح المخلّص"، بحيث يمكن للرائي أن يشاهد مئذنة الجامع تقف جنباً إلى جنب مع برج الكنيسة.
في حين يتميز المسجد بعدة أقبية نصف دائرية وثلاثة محاريب، والمحراب هو تجويف نصف دائري في جدار المساجد يشير إلى القبلة، أي اتجاه الكعبة المشرفة في مكة.
في حين يتشابه المحراب الرئيسي في تصميمه مع المحراب الموجود بالقسم الأقدم من الجامع الأزهر، ويحتوي أيضاً على منبر خشبي جميل وهو واحد من ثلاثة نماذج كاملة باقية من العصر الفاطمي.
في حين أنّ للمسجد تخطيطاً مستطيلاً ينقسم لستة أجزاء بواسطة عقود نصف دائرية من الحجر الغرانيتي المنحوت 3 عقود موازية لجدار القبلة وأربعة متعامدة عليه، ومئذنة تتكون من دورتين قطاعهما مربع.
كما يوجد بالمسجد كرسي مصنوع من خشب شمعدان عليه نص كتابي فيه اسم الأمير أبي المنصور أنوشتكين الآمري، إضافة للعديد من النصوص الإسلامية المحفورة على واجهة ومنبر الجامع والمكتوبة بالخط الكوفي.